
تعرض حقل كورمور الغازي في إقليم كوردستان العراق، مساء الأربعاء، لهجوم بطائرة مسيرة أدى إلى اندلاع حريق في خزانات الغاز وتوقف كامل لإمدادات الغاز لمحطات توليد الكهرباء، ما أسفر عن أزمة كهربائية واسعة في الإقليم. وفق وزارة الكهرباء في كردستان العراق، فقد انخفضت الطاقة بنحو 2600 ميغاواط من أصل 4 آلاف ميغاواط، أي ما يعادل أكثر من نصف الطاقة المنتجة لمحطات الغاز، ما تسبب بانقطاع الكهرباء عن نحو 80% من سكان الإقليم البالغ عددهم أكثر من 6.5 ملايين شخص.
مصادر محلية في دهوك أوضحت أن الكهرباء انخفضت من 550 ميغاواط يومياً إلى 163 ميغاواط فقط، وسط توقف محاولات تعويض النقص عبر المولدات الأهلية بعد إنهاء عقودها مع الحكومة المحلية قبل أيام. وشهدت محافظات الإقليم (السليمانية وأربيل ودهوك) انقطاعاً واسعاً للتيار الكهربائي، ما أثار مخاوف من استمرار الأزمة خلال الأيام المقبلة، خصوصاً مع انخفاض درجات الحرارة وحاجة المواطنين والكهرباء للمؤسسات الحيوية بشكل عاجل.
وبهذا الصدد، أوضح خبير الطاقة كوفيد شيرواني أن الاستهداف الأخير لحقل كورمور الغازي يحمل بصمات سياسية واضحة ويأتي في توقيت حساس على الصعيدين الإقليمي والوطني.
وقال خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز"، إن "الهجوم جاء خلال أيام حرجة تتفاوض فيها القوى السياسية في إقليم كوردستان لتشكيل الحكومة الإقليمية (الكابينة العاشرة)، والتي كانت معطلة منذ العام الماضي، بالتزامن مع مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية بعد الانتخابات التي أُجريت مؤخراً في الحادي عشر من الشهر الجاري. هذه المحاولات والهجمات تهدف إلى عرقلة وتشتيت جهود الأحزاب السياسية في الإقليم، حيث كان هناك تلميح من أحد الأحزاب عن إمكانية قطع إمدادات الغاز والكهرباء ضمن المشاريع الطموحة التي أطلقتها حكومة الإقليم في الكابينة السابقة."
وأضاف، أن "الهجوم تسبب في نقصان حوالي 2600 ميغاواط من مجموع إنتاج الكهرباء الذي يبلغ تقريباً 7500 ميغاواط، أي ما يقارب ثلث الطاقة المجهزة حالياً. الإقليم كان يطمح في توسيع إنتاج هذا الحقل مع حقول أخرى جديدة تم التعاقد بشأنها مع شركات أمريكية وكندية في شهر مايو الماضي، وفي حال اكتمال هذه المشاريع كان الإقليم سيصل إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي للطاقة خلال فترة عامين أو أقل".
وأشار إلى أن "الاستهداف يشكل عقبة أمام البرامج الطموحة لحكومة الإقليم في الكابينة التاسعة، والتي تشمل تطوير البنية التحتية، وتحسين الطرق، واستثمار الغاز، وتوسيع الخدمات الحكومية الإلكترونية، ما أدى إلى تصاعد شعبية الحكومة الحالية، وهو ما أغضب بعض الأحزاب المنافسة التي لم تساهم في تطوير قطاع الخدمات وتحقيق رفاهية المواطنين".
وشدد شيرواني على أن "هذه الحوادث قد تتكرر، مشيراً إلى أن توقيتها يظهر تدخلات سياسية تستغل مقدرات الشعب العراقي، مؤكداً أن النفط والغاز ملك للشعب في كل المناطق، وأن استهداف هذه الموارد يؤثر مباشرة على حياة المواطنين ويحد من الكهرباء المتاحة للمنازل والمؤسسات الحكومية، ما يضر بالاقتصاد والخدمات العامة".
وأكد خبير الطاقة، أن "العراق نفسه سيكون متضرراً من هذه الاستهدافات، لأنها تشير إلى وجود جهات غير منضبطة لا تلتزم بتعليمات القيادة العامة للقوات المسلحة وتقوم بأعمال تؤذي الاقتصاد والطاقة الوطنية، وهو ما يبرز خطورة هذه التدخلات على استقرار القطاع الحيوي للطاقة في الإقليم والعراق بشكل عام".
الهجوم لم يخل من الموقف الرسمي. أدان رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني الاعتداء واعتبره استهدافاً لأمن الإقليم واقتصاده وقطاع الطاقة الحيوي، ودعا الحكومة الاتحادية للكشف عن الجناة وتقديمهم للعدالة، مطالباً الشركاء الدوليين بتوفير وسائل حماية البنية التحتية المدنية. من جانبه اعتبر رئيس الوزراء محمد شياع السوداني الهجوم "هجوماً على العراق بأكمله"، معلناً تشكيل لجنة تحقيق مشتركة لمعرفة المسؤولين. وأكد رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني أن الحادث يمثل تهديداً مباشراً للبنية التحتية والخدمات العامة، وأن الحكومة الاتحادية والمؤسسات الأمنية مطالبة باتخاذ إجراءات جدية لمنع تكرار مثل هذه الهجمات.
شركة "دانة غاز" الإماراتية، المشغلة للحقل، أكدت أن أحد خزانات الغاز المسال (LPG) تعرض للاشتعال بعد الهجوم، وأن فرق الطوارئ والسيطرة تمكنت من احتواء الحريق، ولم تُسجل أي إصابات بشرية، فيما تم إيقاف إنتاج الغاز مؤقتاً لتقييم حجم الأضرار. وأكدت الشركة استمرار التنسيق مع السلطات المحلية لضمان سلامة المنشآت واستئناف العمل بعد الانتهاء من الإصلاحات.
خلفيات الاستهداف تشير إلى أن حقل كورمور، أحد أهم الحقول الغازية في الإقليم والعراق، تعرض لهجمات عدة في السنوات الماضية دون إعلان أي طرف مسؤوليته، ما يعكس تعرض البنية التحتية للطاقة في المنطقة لمخاطر متكررة بسبب توترات سياسية وأمنية. يمتد خط أنابيب الحقل لنحو 180 كيلومتراً ليغذي محطات الكهرباء في جمجمال وبازيان وأربيل بطاقة تتجاوز 2000 ميغاواط، وارتفعت قدرته الإنتاجية خلال العامين الأخيرين إلى نحو 750 مليون قدم مكعب قياسي يومياً بعد توسعة مشروع KM250، ما يجعله ركيزة أساسية لأمن الطاقة الإقليمي.
خبراء الطاقة يحذرون من تكرار هذه الحوادث، مؤكدين أن استهداف البنية التحتية الحيوية للطاقة لا يؤثر فقط على حياة المواطنين ورفاهيتهم، بل يعطل جهود الحكومة الإقليمية والاتحادية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، ويشكل تهديداً مباشراً لاستمرارية مشاريع الاكتفاء الذاتي للطاقة، ويكشف بشكل واضح كيف يمكن للاستهدافات السياسية أن تتحول إلى أزمات اقتصادية وإنسانية على نطاق واسع.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام