
تصاعد الجدل خلال الفترة الأخيرة حول الثروات السريعة واللافتة التي يحققها بعض مشاهير السوشيال ميديا في العراق، وسط تساؤلات شعبية واسعة عن مصادر هذه الأموال وطرق تضخمها خلال فترات زمنية قصيرة، بالتزامن مع إعلان البنك المركزي العراقي تصنيف المؤثرين الرقميين ضمن فئة "العملاء ذوي المخاطر المرتفعة والمتعددة"، ما يعكس حرص السلطات على ضبط النشاطات المالية الرقمية وتفادي استغلالها في أعمال غير مشروعة.
وتأتي هذه التوجيهات بعد مبادرة بعض المشاهير لإنشاء "غرفة زجاجية" لجمع التبرعات لدعم ذوي الهمم والمصابين بالأمراض السرطانية، والتي نجحت في جمع أكثر من 500 مليون دينار خلال أربعة أيام فقط، وهو ما أبرز الحاجة إلى مراقبة مالية دقيقة للأنشطة الرقمية ذات التدفق النقدي الكبير.
وأصدر البنك المركزي حزمة توجيهات وإجراءات رقابية ملزمة للمصارف والمؤسسات المالية تهدف إلى الحد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب المرتبطة بنشاطات مشاهير السوشيال ميديا والمؤثرين الرقميين، في ظل توسع استخدام المنصات الرقمية وتزايد تأثير الأفراد العاملين في هذا القطاع، حيث أكدت الوثائق الصادرة عن البنك والتي اطلعت عليها "الاقتصاد نيوز" أن هذه الفئة تُعد من الفئات ذات المخاطر العالية بسبب تنوع مصادر الدخل وصعوبة التحقق من شرعيتها، إضافة إلى احتمالية استغلال حساباتهم لتمرير عمليات مالية مشبوهة أو غير مبررة، ما استدعى إخضاعهم لإجراءات العناية الواجبة المشددة وتحديث الأنظمة الرقابية لضمان تقييم دقيق لمستوى المخاطر عند فتح الحسابات أو تحديث البيانات.
وتضمنت التعليمات الملزمة للمصارف التحقق من هوية الجهات الممولة أو الراعية لأي إعلان مالي أو خيري أو تجاري، إضافة إلى مراقبة التحويلات المالية الناتجة عن البث المباشر أو حملات جمع التبرعات وإخضاعها للتحليل المعمق، مع إجراء عمليات تدقيق عبر منصات متخصصة مثل Hype Auditor وSocial Blade لضمان عدم استخدام حسابات وسيطة أو أطراف أخرى لتمرير الأموال نيابة عن المؤثرين، والتأكيد على الإبلاغ الفوري عن أي تدفقات مالية غير مبررة أو ثراء غير متناسب مع النشاط المعلن.
كما حدد البنك المركزي مؤشرات واضحة تستدعي الانتباه لمخاطر غسل الأموال، مثل عدم التناسب بين الدخل المعلن والنشاط الفعلي للمؤثر، وتحقيق إيرادات مالية كبيرة لا تتناسب مع عدد المتابعين أو حجم عقود الإعلانات، بالإضافة إلى تضارب المعلومات المقدمة عند فتح الحساب مع ما يُعلن عنه إعلامياً، ووجود حسابات متعددة أو وثائق غير حقيقية، أو إدارة النشاط من خلال حسابات تخص أفراد العائلة أو شركات صغيرة.
وبالنسبة لمؤشرات تمويل الإرهاب، أشار البنك إلى أن جمع التبرعات عبر المنصات الرقمية دون وجود جمعية خيرية مسجلة أو حساب رسمي، واستخدام شعارات دينية أو إنسانية لجذب المتبرعين دون الإفصاح عن الجهات المستفيدة، وتحويل الأموال إلى مناطق نزاع أو جمعيات غير معترف بها، أو تلقي أعداد كبيرة من التحويلات الصغيرة وإعادة تحويلها دفعة واحدة لإخفاء مصدر الأموال، تعد من العلامات التحذيرية التي تتطلب الرقابة الدقيقة. كما تضمنت المؤشرات الأخرى محاولة إخفاء المستفيد الفعلي من الأموال، مثل تغيير أسماء الصفحات أو القنوات الرقمية بشكل متكرر، وتنسيق مؤثرين متعددين لجمع الأموال وتوزيعها على حسابات مختلفة، وتلقي تمويل من جهات مدرجة على قوائم الحظر أو العقوبات، وهو ما يضاعف أهمية تطبيق إجراءات الامتثال للقوانين واللوائح المالية.
وشدد البنك المركزي على ضرورة التزام المصارف بأحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم 39 لسنة 2015، والضوابط الصادرة عنه، والإبلاغ المباشر عند الاشتباه بأي نشاط غير مشروع، بهدف حماية النظام المالي ومنع استغلال القطاع المصرفي من قبل جهات غير قانونية، مع التأكيد على أن هذه الإجراءات الرقابية لا تجرّم الشهرة أو النشاط القانوني للمؤثرين، بل تهدف إلى تضييق الخناق على الأنشطة غير المشروعة التي قد تتستر خلف الشهرة والانتشار الرقمي.
وفي تعليق تحليلي حول القرار، قال الخبير الاقتصادي ضياء المحسن إن هذه الخطوة تمثل إجراءً احترازياً مهماً لمكافحة الجرائم المالية وحماية القطاع المصرفي من الاستغلال، موضحاً أن الجانب الأول يتعلق بالرقابة المالية ومنع غسل الأموال وتمويل الإرهاب، فيما الجانب الثاني يرتبط بالثراء المفاجئ وغير المبرر لبعض المشاهير، إذ أن تضخم الأموال بسرعة تفوق حجم النشاط التجاري أو الإعلاني يعد مؤشراً أساسياً للشكوك المالية. وأضاف أن القرار يلزم المصارف بمراقبة التحويلات الناتجة عن البث المباشر والدعم والهدايا الرقمية، وإلزام المؤثرين بالكشف عن الجهة الممولة للإعلانات المالية أو الخيرية، ما يعزز الشفافية والتدقيق المالي ويضمن ضبط مصادر الأموال.
وتابع المحسن أن طبيعة عمل المؤثرين تجعل مصادر الدخل متعددة وغير موثقة في كثير من الأحيان، خصوصاً عند وصول المدفوعات عبر منصات عالمية، مما يزيد صعوبة تتبع الأموال مقارنة بالمهن التقليدية، لكنه شدد على أن القرار لا يعيق النشاط القانوني، بل يشجع على تنظيم الدخل وتوثيقه والتعامل مع مصارف موثوقة لضمان الامتثال للقوانين، رغم أنه قد يزيد العبء على المؤثرين النزيهين ويجعل تعاملاتهم المصرفية أكثر تعقيداً.
واختتم المحسن بالقول إن خطوة البنك المركزي تعكس إدراكاً رسمياً لضرورة سد الثغرات الرقابية ومواكبة التطورات المالية العالمية، في ظل تحول منصات التواصل الاجتماعي إلى قناة محتملة لتدفق الأموال غير المشروعة، مؤكداً أن القرار يعزز حماية الاقتصاد الوطني ويضمن شفافية الأنشطة المالية الرقمية دون استهداف الشهرة أو الابتكار الرقمي، وإنما لضمان التزام جميع الأطراف بالمعايير القانونية والمالية المعتمدة.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام