اتفاق ترامب وبوتين: الاقتصاد العالمي على أعتاب تحول جديد

الاقتصاد نيوز — بغداد

 

بقلم: د. نوار السعدي

متخصص في الاقتصاد الدولي 

أستاذ زائر في جامعة بوخارست - رومانيا

يبدو أن الاتفاق الأخير بين الرئيس الأمريكي السابق دونالدترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يهدف إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا، يحمل في طياته أبعاداً تتجاوز الجانب السياسي والعسكري، ليشكل نقطة مفصلية في مسار الاقتصاد العالمي. فبعد أكثر من عامين على اندلاع الحرب التي أنهكت روسيا وأوروبا وأثرت بعمق على الأسواق العالمية، فإن أي اتفاق لوقف النزاع سيكون له انعكاسات مباشرة على أسعار الطاقة، تدفقات الاستثمار، ومستقبل النظام الاقتصادي الدولي.

 

منذ اندلاع الحرب، ارتفع متوسط أسعار النفط بنحو 40% مقارنةبما قبل شباط 2022، فيما تضاعفت أسعار الغاز في بعض الفترات داخل الاتحاد الأوروبي، مما كلف اقتصادات أوروباخسائر تجاوزت 1.2 تريليون دولار خلال عامي 2022 و2023 نتيجة أزمات الطاقة والتضخم. كما تراجعت التجارة بين روسيا والاتحاد الأوروبي بنسبة 68%، فيما أعادت موسكو توجيه صادراتها نحو الصين والهند وتركيا التي باتت تستحوذ على أكثر من 70% من مبيعات النفط الروسي. هذه الأرقام تكشف حجم التحولات التي فرضتها الحرب على خريطة الاقتصاد العالمي.

 

إذا ما نجح الاتفاق الجديد في تثبيت وقف إطلاق النار، فمن المتوقع أن يشهد قطاع الطاقة أولى الانعكاسات المباشرة. أسعارالغاز قد تتراجع بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20% خلال الأشهر الأولى، بينما يمكن أن يستقر النفط بين 65 و75 دولاراً للبرميل في حال عودة جزء من الإمدادات الروسية إلى الأسواق الأوروبية. وهذا من شأنه أن يقلص فاتورة الطاقة في أوروبا بما يصل إلى200 مليار دولار سنوياً، مما سيمنح الاقتصادات الأوروبية متنفساً ضرورياً بعد سنوات من الضغوط التضخمية.

على الجانب الروسي، قد يسهم الاتفاق في تخفيف أثر العقوبات تدريجياً، خصوصاً إذا ترافق مع تفاهمات اقتصادية تسمح بعودة بعض الاستثمارات الأجنبية أو على الأقل تسهيل حركة الأموال. حيث تشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الروسي الذي انكمش بنسبة 2.1% في 2022، يمكن أن يسجل نمواً يتجاوز 3% سنوياً في حال رفع جزئي للعقوبات وعودة الاستقرار إلى أسواق الطاقة. كما يمكن أن يعزز الاتفاق مكانة روسيا في مجموعة بريكس التي باتت تسعى لتشكيل بديل للنظام المالي الغربي.

أما على المستوى العالمي، فإن إنهاء الحرب قد يسرع من تعافي التجارة الدولية التي تراجعت بنسبة 5% في 2023 بفعل اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع تكاليف النقل والطاقة. كذلك فإن استقرار أسعار الغذاء، الذي تأثر بخروج أوكرانيا من معادلة تصدير الحبوب، يمكن أن يساهم في خفض معدلات التضخم العالمية التي تجاوزت 8% في العديد من الاقتصادات المتقدمة خلال العامين الماضيين.

لكن رغم هذه التوقعات الإيجابية، يبقى مستقبل الاتفاق مرهوناً بمدى التزام الأطراف وضمان مصالح كل من روسيا وأوكرانيا والغرب. فالاتفاق، وإن أوقف نزيف الحرب، لا يغير من حقيقة أنهناك صراعاً طويل الأمد على النفوذ والموارد. كما أن الولايات المتحدة قد تستخدم هذا الملف لتعزيز نفوذها على أوروبا وإعادة ترتيب تحالفاتها العالمية في مواجهة الصين التي تراقب التطوراتعن كثب.

في المحصلة، يمكن القول إن اتفاق ترامب وبوتين، إذا ما صمد،قد يكون بمثابة بداية لمرحلة جديدة في الاقتصاد العالمي، مرحلة يتراجع فيها الضغط التضخمي، وتستعيد فيها الأسواق بعض الاستقرار. لكن الأهم أنه قد يرسم خريطة جديدة لتوزيع موازين القوى الاقتصادية، بين الغرب من جهة، وتحالفات جديدة تقودها روسيا والصين من جهة أخرى.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 42
أضيف 2025/08/18 - 3:56 PM