ناتجنا المحلي الإجمالي الحقيقي بين المتطلبات والسياسات

يعكس مؤشر الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في العراق صورة الاقتصاد التابع للتقلبات والصدمات الخارجية، المعتمد مفرطا على إيرادات قطاع النفط ، مما ينجم عن حساسيتها للأسعار وسياسات الإنتاج العالمية. فضلا عما تلعبه عوامل الاستقرار السياسي والأمني والسياسات الحكومية والتحديات الهيكلية من دور حاسم في تشكيل مسار نمو ناتجنا المحلي الإجمالي الحقيقي.  

ويشكل الريع النفطي النسبة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي ومن إيرادات التصدير والموازنة العامة.هذا الاعتماد الشديد يجعل الاقتصاد العراقي تابعا بشكل كبير لتقلبات أسعار النفط العالمية. فعلى سبيل المثال، أدت فترات ارتفاع أسعار النفط إلى نمو ملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي، مثلما حدث في عام 2022 الذي شهد نمواً بنسبة 7% مدفوعاً بالطفرة النفطية. وعلى النقيض، فإن انخفاض أسعار النفط أو تخفيضات الإنتاج ضمن اتفاقيات مثل "أوبك+" ادت إلى انكماش الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الكلي بنسبة 1.1% خلال عام 2023، متأثرا بانخفاض اسعار النفط . فيما شهد الناتج ذاته في عام 2024 نموا طفيفا بلغ 2.9 % بسبب استمرار قيود اوبك فضلا عن تحديات الخدمات والبطالة المرتفعة ،فضلا عن عدم معالجة التحديات الهيكلية وعدم الاستقرار السياسي.

لقد أشارت مؤسسة "موديز" للتصنيف الائتماني إلى أن عدم الاستقرار واضطراب النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى ضعف البنية الأساسية، هي من بين العوامل التي أثرت على استقرار الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي وذلك لضعف القطاع غير النفطي والتحديات الهيكلية فعلى الرغم من الجهود المبذولة لتنويع الاقتصاد، فلا يزال القطاع غير النفطي يعاني من ضعف مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي. وتشير التقارير إلى أن هذا القطاع لا يزال يعاني من الكساد، وأن هناك حاجة ماسة لإصلاحات هيكلية لتعزيز نموه وتوفير فرص عمل.

ومن مراجعة النماذج الرائدة في دعم الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي يبرز نموذج الإمارات، التي نجحت في تقليص اعتمادها على النفط من 90% إلى 30% من الناتج منذ 1975عبر الاستثمار في التجارة والسياحة. ونمو ناتجها المحلي الاجمالي الحقيقي بنسبة 5.6%سنويا خلال 2010-2023.

لذا فان من المتطلبات المهمة التي تؤسس الى نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي في العراق واستقراره وانخفاض تبعيته للتقلبات والصدمات الخارجية اتساقا مع تنويع القاعدة الاقتصادية عبر التخطيط الهيكلي، ما يأتي :

معالجة التحديات الهيكلية عبر استراتيجيات تستند الى موارد البلاد واحتياجاتها.

الاستقرار المؤسسي : وضوح واستقرار البيئة السياسية والقانونية .

تحسين بيئة الاعمال والاستثمار وبناء قاعدة التشريعات الداعمة للاستثمار  المحلي والاجنبي ودعم القطاع الخاص ورفع نسبة اسهامه في الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي.

تحسين البنية التحتية اساس التنمية من خلال بناء وتطوير القاعدة الانتاجية تجاه تقليص الاعتماد على الريع النفطي عبر ان تنويع القاعدة الاقتصادية من خلال تطوير القطاعات التنموية غير النفطية من خلال  تخصيص الموارد الاقتصادية عبر القطاع الخاص وإعادة التوازن الاقتصادي الكلي من خلال قوى الإنتاج غير النفطي.

ومن ثم،فقد بات على صانع السياسة الاقتصادية في العراق ان يتجه الى بناء وتحريك النشاط الاقتصادي في القطاعات ادناه لمعالجة الخلل وكالآتي:

الزراعة: رسم سياسة زراعية تستهدف استصلاح الأراضي واستخدام التقنيات الحديثة كالري بالتنقيط لزيادة الإنتاجية وبناء قاعدة استثمارية تعزز نمو الناتج الزراعي.

الصناعة: تشجيع الصناعات التحويلية كمواد البناء، الأغذية، الأدوية، عبر سياسات اعفاء ضريبية وقروض ميسرة.

السياحة: الاستثمار في المواقع الأثرية (مثل بابل وأور) وصياغة سياسة استثمار سياحية جاذبة .

التجارة :بناء سياسة تجارية داعمة للمنتج الوطني تركز على تحرير التجارة وتنمية الصادرات غير النفطية، عبر سياسات جمركية مناسبة.

التنسيق بين السياستين المالية والنقدية لدعم النشاط الاقتصادي المستهدف في السياسات التنموية، وتحقيق نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي واستقراره.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 626
أضيف 2025/08/07 - 10:16 AM