تشكيك في نوايا أنقرة.. ملف المياه يعود إلى الواجهة ومفاوضات عراقية – تركية لتقاسم الضرر

الاقتصاد نيوز - بغداد

في وقتٍ يشتد فيه الخناق المائي على العراق، وتضرب موجات الجفاف مفاصله الزراعية والبيئية، عاد ملف المياه إلى واجهة العلاقات العراقية –التركية.

ففي سلسلة اجتماعات رسمية عُقدت مؤخرًا في أنقرة، دخل البلدان جولة جديدة من التفاوض حول تقاسم الموارد المائية، وسط تفاؤل حكومي عراقي بإمكانية التوصل إلى اتفاقات عملية، تقابله شكوك من مراقبين يرون أن الوعود التركية لم تُترجم منذ سنوات إلى التزامات ملموسة.

وتأتي هذه التطورات في ظل ما وصفته وزارة الموارد المائية بـ"العام الأصعب مائيًا منذ 1933"، في حين يؤكد خبراء أن العراق بات يعتمد بشكل غير مباشر على "استيراد المياه افتراضيًا" عبر المنتجات الزراعية المستوردة من دول الجوار، بعد أن كانت مياهه تكفيه وتفيض.

وأول أمس السبت، كشف رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، عن اتفاق قريب مع تركيا لبناء سدود ومعالجة أزمة المياه، فيما هاجم "مروجي الأكاذيب" لتحقيق مكاسب حزبية.

هذا وعقد الجمعة 10 من شهر تشرينَ الأوّلِ/ أكتوبر الجاري في انقرة، اجتماع رسمي مشترك بينَ وفدَي جمهوريّةِ العراقِ والجمهوريّةِ التركيّة لبحثِ ملفِّ المياهِ وتعزيزِ التعاونِ الثنائيِّ في هذا المجال الحيويّ، وفقا لبيان صادر عن الخارجية العراقية.

إلى ذلك، أكدت وزارة الموارد المائية، أنباء تفعيل اتفاق إطاري للتعاون في مجال المياه بين العراق وتركيا.

وأعلن وزير الموارد المائية عون ذياب عبد الله، مطالبة الجانب التركي بزيادة الإطلاقات المائية لنهري دجلة والفرات وبمقدار مليار متر مكعب بالثانية لشهري تشرين الأول والثاني، تكون بواقع 500م3/ثا لنهر دجلة و500م3/ثا لنهر الفرات. 

وتوقع ذياب أن تكون هذه السنة "رطبة بدءًا من شهر كانون الأول القادم، لذلك فالعراق بحاجة لزيادة الإطلاقات لتحسين إيراداته المائية لـ50 يومًا قادمًا".

وقالت وزارة الموارد إن ذياب "قدم شرحًا مستفيضًا عن واقع المياه في العراق والصعوبات التي يواجهها قطاع الموارد المائية والذي يعتبر هذا العام الأصعب مائيًا في تاريخ العراق والأقسى والتي لم تمر به البلاد منذ عام 1933".

ونقل البيان عن الجانب التركي، أنه "استعداده لمساعدة العراق رغم أن أزمة الجفاف ضربت المنطقة عمومًا والمشكلة ذاتها تواجهها تركيا كذلك، لكن العراق أكثر تضررًا لكونه دولة مصب".

وأضافت الموارد أن "الجانبين اتفقوا على مسودة لاتفاق إطاري يتعلق بالمياه، والتي سيتم توقيعها في بغداد لتنفيذ مشاريع أروائية كبيرة وسدود لحصاد المياه من خلال استقطاب كبريات الشركات التركية الرصينة".

وفي سياق متصل، أكد المتحدث باسم الموارد المائية خالد شمال أنّ اللقاءات التي جرت في أنقرة تمثل تحركاً جاداً من الحكومة العراقية لمعالجة أزمة المياه عبر الحوار والتفاهم الدبلوماسي بعيداً عن التوتر والتصعيد.

وأشار شمال خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز" إلى أن العراق لا يستلم سوى 30% من احتياجه الفعلي من المياه، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الزراعة ومياه الشرب، وتسبب في تراجع بيئي خطير، خصوصاً في مناطق الأهوار التي باتت مهددة بفقدان توازنها البيئي التاريخي.

وفي المقابل، اعتبر مرصد العراق الأخضر أن "الحديث عن تفعيل الاتفاقية الإطارية للتعاون في مجال المياه بين العراق وتركيا والذي جرى على إثر اجتماعات الجانبين يوم الجمعة الماضي غير واقعي ومجدي"، مؤكداً أن "محاولات العراق للحصول على حصة ثابتة من إطلاقات المياه فشلت بشكل ذريع كون تركيا تعد ولا تفي في كل الاجتماعات التي تجمع الطرفين على الدوام". 

وقال المرصد، إن "تركيا تحاول أن تجعل العراق (يستجدي) الإطلاقات المائية خصوصًا أن هنالك الكثير من المصالح التي تحققت لها بسبب نقص المياه في العراق وحصول مشكلة أكثر تعقيدًا بقيامه العراق ومنذ عقدين على الأقل، باستيراد مياهه افتراضيًا من دول الجوار".

وأوضح: "أي أن المياه التي كانت تاريخيًا تجري إلى العراق لينتج منها كفايته من الغذاء، أصبحت تُحجز في بلدان الجوار وتستخدم في إنتاج محاصيل وثروة حيوانية تصدر منتجاتها إلى العراق لسد النقص الحاصل في السوق نتيجة لانحسار المياه، وهذه قضية غاية في الخطورة ولم تحظ للآن بانتباه الحكومة والمجتمع برغم التحذيرات المستمرة".

ولفت إلى أن "تركيا ترفض ومنذ عقود توقيع أي اتفاقية من أجل استحصال حقوق العراق المائية وإمكانية تقاسم الضرر معه".

وكان وزير الخارجية فؤاد حسين، أعلن قبل يومين التوصل إلى مسودة اتفاق إطاري لإدارة ملف المياه بين العراق وتركيا. 

وتحدث وزير الخارجية خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان، مبينًا أنّ الهدف الأساس من الزيارة "يتعلق بملف المياه"، كما أكّد أنّ "تركيا وافقت على استئناف تصدير النفط عبر ميناء جيهان". 

وقال فؤاد حسين أيضًا، إنّ "هنالك روابط كثيرة تربطنا مع تركيا وليس ملف المياه فحسب بل الوضع الأمني أيضًا"، مشيرًا إلى أنّ العراق "يعمل على خلق جو من الحوارات والمفاوضات لإنهاء التوترات في المنطقة".

ووصل حسين إلى أنقرة، الجمعة، على رأس وفد عراقي رسمي، في زيارة رسميّة لحضور الاجتماع المُشترك بين العراق وتركيا بشأن ملف المياه.

وضم الوفد العراقي وزير الموارد المائية المهندس عون ذياب عبد الله، إلى جانبِ كادر من وزارات الموارد المائية، والزراعة، والبيئة، فضلًا عن آخرين من إقليمِ كردستان، بهدف المشاركة في المباحثات الفنية المتعلّقة بإدارة الموارد المائية وتنظيمِ استخدامها "بما يُحقّق المصالح المشتركة للبلدين الصديقين".

وتمثل أزمة المياه بين العراق وتركيا مشكلة مستمرة حيوية تؤثر بشكل مباشر على الأمن المائي والاجتماعي والاقتصادي للعراق، إذ يعتمد العراق بشكل كبير على نهري دجلة والفرات، اللذين ينبعان من تركيا، فيما تشكل السياسات التركية المتعلقة بتقليل تدفقات المياه مصدر قلق بالغ للعراقيين على مدى سنوات.

وخلال السنوات الماضية، شهدت المنطقة توترات متزايدة بسبب بناء تركيا للسدود الكبيرة وتخفيض كميات المياه التي تصل إلى العراق، مما أدى إلى أزمة جفاف حادة وتهديدات خطيرة للإنتاج الزراعي وزيادة النزوح الداخلي.

وكانت وزارة الموارد المائية وصفت في نهاية شهر يوليو الماضي، العام الحالي بأنه الأكثر جفافا منذ العام 1933، مؤكدة أن انخفاض هطول الأمطار وقلة التدفقات المائية من دول المنبع من أهم الأسباب لهذه الأزمة.

ويعاني العراق منذ عدة سنوات من شحة مياه كبيرة أدت إلى انحسار المساحات الزراعية وتضرر القطاع الزراعي بشكل كبير وارتفاع نسبة الملوحة وخصوصا في مناطق جنوبي البلاد.

وتبلغ نسبة المياه الواردة للعراق من مصادر خارجية وخصوصا من تركيا، 80 بالمائة، وفقا لمستشار رئيس الوزراء لشؤون المياه طورهان المفتي.

 

 
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام

مشاهدات 115
أضيف 2025/10/13 - 9:56 AM