تفكك اتفاقية "النصف قرن" مع تركيا.. هل يغلق العراق صفحة "جيهان" إلى الأبد؟


في خطوة تمثل تحولًا إستراتيجيًا في العلاقات الاقتصادية بين العراق وتركيا، أعلنت أنقرة رسميًا إنهاء اتفاقية نقل النفط مع بغداد، والتي تعود إلى عام 1973، عبر مرسوم رئاسي صدر عن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونُشر في الجريدة الرسمية بتاريخ 21 يوليو/تموز 2025. وبموجب القرار، ستنتهي الاتفاقية بشكل نهائي في 27 يوليو/تموز 2026، منهيةً بذلك شراكة نفطية امتدت لنحو نصف قرن.
الاتفاقية التي فعّلت خط أنابيب كركوك – جيهان لعبت دورًا حيويًا في تصدير النفط العراقي إلى الأسواق العالمية عبر ميناء جيهان التركي، وخضعت لتعديلات تقنية عدة منذ توقيعها، آخرها في عام 2010، عندما تم تمديدها لمدة 15 عامًا إضافية.
وأكد عضو لجنة النفط والغاز النيابية، علي عبد الستار، أن الاتفاق يمنح الحق القانوني لأي من الطرفين بإنهائه، شريطة إشعار الطرف الآخر مسبقًا، مشيرًا إلى أن الخط متوقف فعليًا منذ مدة وتمت تغطية التصدير عبر المنافذ الجنوبية، ما تسبّب بتكاليف نقل إضافية أثقلت كاهل العراق.
وأوضح عبد الستار خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز" أن الاتفاقية الأصلية شملت أيضًا تعديلات في الطاقات التصديرية والرسوم، وسمحت في إحدى مراحلها بتصدير كميات نفط خارج إشراف شركة "سومو"، مما يجعلها واحدة من أكثر الاتفاقيات تعقيدًا من حيث البنود الفنية والقانونية.
ولفت إلى أن التعامل مع هذا الملف قانونياً ودبلوماسياً يتطلب الحوار مع الجانب التركي لضمان عدم تحميل العراق أعباء مالية إضافية، خصوصًا مع وصول النفط إلى أسواق مثل اليونان عبر طرق بديلة مكلفة.
3 تفسيرات محتملة
الى ذلك، قدّم الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي ثلاثة تفسيرات محتملة لإنهاء الاتفاق بين العراق وتركيا.
وقال المرسومي، إن تركيا أقدمت على هذا القرار نتيجة استناد تركيا إلى المادة القانونية التي تتيح الانسحاب المسبق من الاتفاق، بالإضافة الى احتجاج أنقرة على الحكم الصادر عن غرفة التجارة الدولية القاضي بتغريمها 1.5 مليار دولار لصالح بغداد، على خلفية تصدير نفط كردستان دون موافقة الحكومة الاتحادية بين 2014 و2018.
وأشار الى التحوّل في البنية التحتية، من خلال سعي تركيا لإعادة هندسة خطوط الطاقة بإنشاء مسارات جديدة تنطلق من البصرة إلى جيهان ضمن مشاريع إقليمية مثل "طريق التنمية".
أنقرة: نحو مرحلة جديدة
صرّح مسؤول تركي لوكالة "رويترز" أن بلاده تسعى لإبرام اتفاق جديد يتماشى مع ما وصفه بـ"مرحلة حيوية وإستراتيجية"، موضحًا أن الخط لا يزال يتمتع بإمكانات كبيرة كممر طاقة إقليمي، لا سيما ضمن مشاريع إقليمية كبرى.
ورغم غياب تعليق رسمي تفصيلي من الحكومة العراقية، إلا أن بغداد تعمل على تنويع منافذ التصدير والتركيز على الموانئ الجنوبية، فيما تم التوصل مؤخرًا إلى تسوية مع حكومة إقليم كردستان تقضي بتسليم 230 ألف برميل يوميًا لشركة "سومو"، مقابل تسديد 16 دولارًا عن كل برميل يتم استلامه.
من جانبه، أكد الخبير في الشأن النفطي حمزة الجواهري أن الاتفاقية مع تركيا فقدت قيمتها العملية، موضحًا أن انسحاب الشركات من إقليم كردستان وتدهور الوضع الأمني، خاصة بعد الهجمات الأخيرة على الحقول، جعلا من إعادة التصدير عبر جيهان أمرًا غير ممكن في المستقبل القريب.
وأضاف الجواهري في تصريح لـ"الاقتصاد نيوز" أن كلفة نقل النفط عبر جيهان تتراوح بين 17 إلى 20 دولارًا للبرميل الواحد، مقارنةً بكلفة لا تتجاوز 60 سنتًا عبر الخليج العربي، الذي يُعد، بحسب وصفه، الممر الأكثر أمنًا في العالم، ولم تتوقف الملاحة فيه منذ أكثر من خمسين عامًا رغم الأزمات الإقليمية والحروب.
وأشار إلى أن العراق سيكون قادرًا، بعد استكمال الخطين البحريين قيد الإنشاء، على رفع طاقته التصديرية إلى 6 ملايين برميل يوميًا خلال الأشهر المقبلة، بينما لا يصدر حاليًا سوى 3 ملايين برميل، التزامًا باتفاق "أوبك".
وقال الجواهري: "لا مبرر للاستمرار باتفاق باهظ الكلفة ومليء بالتعقيدات، في وقت نملك فيه خياراً أقل كلفة وأعلى موثوقية عبر الخليج. لا حاجة لتجديد الاتفاقية مع تركيا بعد اليوم".
وتسعى الحكومة العراقية لإعادة تصدير نفط إقليم كردستان، الذي توقف منذ مارس/آذار 2023، بعد صدور قرار التحكيم. وقد وافق مجلس الوزراء مؤخرًا على تسوية مع الإقليم لتسليم النفط إلى شركة "سومو" مقابل تسديد 16 دولارًا عن كل برميل يُستلم.


المشهد القادم: مفاوضات أو مواجهة؟
مع إعلان موعد إنهاء الاتفاق، باتت أمام بغداد وأنقرة فترة انتقالية تمتد حتى منتصف 2026، إما لإعادة صياغة اتفاق جديد يأخذ بالاعتبار تحولات الإقليم، أو الدخول في مرحلة تعقيد اقتصادي جديد، مع احتمالية توسع التوترات إلى قضايا الطاقة والسيادة.
ويبدو أن مستقبل خط كركوك – جيهان لن يُرسم فقط بقرارات قانونية أو فنية، بل سيُصاغ ضمن معادلات سياسية أوسع تتقاطع فيها مصالح دولية وإقليمية.
وتعمل بغداد وأنقرة حاليًا على استئناف تدفقات النفط العراقي من خط أنابيب يمتد إلى ميناء جيهان التركي، بعد التوصل إلى اتفاقيات مع حكومة إقليم كردستان.
وأوقفت تركيا نقل النفط العراقي عبر ميناء جيهان في مارس/آذار 2023 بعد أن أمرت غرفة التجارة الدولية أنقرة بدفع تعويضات لبغداد قدرها 1.5 مليار دولار عن صادرات غير مصرح بها بين عامي 2014 و2018.
كان العراق قد تقدّم بطلب للتحكيم في عام 2014 أمام غرفة التجارة الدولية ومقرها باريس بشأن دور تركيا في تسهيل صادرات النفط من كردستان دون موافقة الحكومة الاتحادية في بغداد.
وقال العراق إنه من خلال نقل وتخزين النفط من كردستان وتحميله على ناقلات في جيهان دون موافقة بغداد، انتهكت أنقرة وشركة الطاقة التركية الحكومية بوتاش بنود اتفاقية خط الأنابيب بين العراق وتركيا الموقعة في عام 1973.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 379
أضيف 2025/07/21 - 10:41 PM