وكالة الإقتصاد نيوز

العولمة الموازية والتطرف الايديولوجي


 

1- تمهيد

استطاعت الراسمالية الجديدة وعلى مدى نصف قرن من الزمن القريب من توظيف نمط مستحدث من ادارة سياسات العولمة وهي العولمة الموازية parallel  globalisation  ذلك باجراء تطبيقات واسعة لها في محيط العالم الراسمالي عموما والشرقي منه خصوصاً.

فاشاعة حروب اديولوجية متطرفة تفكيكية دموية عابرة للسيادة جاءت هي الاخرى لتمهد سبل تغلغل الاسواق المتروبوليتانية نحو اطراف العالم او محيطه world periphery الذي ظلت تتنازعه بقايا الحرب الباردة .ولكن ظلت العولمة الموازية واسواقها لتكون واحدة من استراتيجياتها في التغلغل في محيط العالم او احزمة المواد الخام المحيطية ، والتي تتطلب تسويق درجات من الانغلاق العقائدي او الايديولوجي ولاسيما الديني المتطرف منها لتصفية ذيول وقواعد ومخلفات الحرب الباردة التي تتخبط بها اطراف العالم الشرقي حتى الساعة .وبهذا ساعدت الراسمالية على توظيف عولمتها الموازية لضمان سرعة امساكها بمحيط الراسمالية عموما ومعسكرها الشرقي واحزمة ثرواته على وجه الخصوص وضمه نحو القطب الواحد كمرحلة اتت بعد تصفية المعسكر الشيوعي منذ نهاية ثمانينات القرن الماضي. اذ قامت ضرورات تفكيك الشرق ،وتكييفه لمركزية العولمة المتروبولية ،على اطلاق دور الايديولوجيات المتطرفة الدينية الدموية ومنحها سلطة تفكيكية تتعاطى مع الاجتماع السياسي للشرق بعقائد شديدة الهمجية سلاحها فوهات التوحش والانغلاق، ووظيفتها تمهيد طريق لدمج المحيط الراسمالي بالمركز ليكون خالي من القيم ومستعد لقبول القيم الجديدة للراسمالية المركزية المعولمة الخالية ايضا من الايديولوجيات الاصولية والخالية من السيادة .وكانت اسيا وعموم الشرق بداية ميدان التجارب لوضع نهاية لعصر الاديولوجيات من خلال سرعة أظهار مكنونات وعقد تطرفه وتوحشه المغروسة في معتقداته، لكي يبدا التاريخ الجديد للراسمالية باديولوجية تشاركية لينة تناغم عصر القطب الواحد المعولم .

2- اسواق العولمة الموازية وكياناتها المارقة.

جاءت التحولات الشاذة في النظام العالمي مولدةً اسواق موازية عابرة للسيادة والحدود (ابتداءً من مهربي النفط والخامات المعدنية وتجارة السلاح والرقيق والمخدرات وغسل الاموال وتجارة الاعضاء البشرية وانتهاءً بطمر المواد الملوثة والمشعة) والتي تقدر عملياتها السنوية بنحو يزيد على 5 بالمئة من مجموع الناتج المحلي الاجمالي العالمي. كما ولدت تلك الانماط من العولمة الموازية كيانات سياسية مارقة مؤقتة وطارئة ، تستخدم ايديولوجية عابرة للامم كالايديولوجية الدينية.فالكيان (الداعشي) الذي إدعى هيمنته على 37ولاية مزيفة في شتى بقاع العالم هو انموذوج لولادة ظاهرة شاذة اُسقطت من رحم العولمة الراسمالية المركزية كقوة متطرفة منفلتة.بعبارة اُخرى جسدت (داعش )ظاهرة لتطور مشوه في النظام العالمي اتخذ من الدين ذريعة ايديولوجية للامتداد واختراق الحدود الرسمية للدول .ذلك لكون الدين ظاهرة عالمية تُسهل امتداده ليشكل نواة موازية لظاهرة العولمة المركزية والتي يمكن تسميتها اصطلاحاُ بالعولمة الموازية اللا مركزية.

3- العولمة الموازية وعصر الايديولوجيات الناعمةً .

منذ ان دخل التطرف في ذيول الشرق باشاعة سلوكه الدموي الذي قام على نحر مجتمعاته ،فان هذه الموجات غير الانسانية جاءت ممهدة لقبول عصر الاديولوجيات الناعمة soft ideologies سواء اكانت اسلموية جديدة او القيام بالتفسير العصري لاديولوجيات الشرق بمعتقداته المختلفة .

فعولمة القطب الواحد هي سوق بلا اديولوجيات وان وجدت هنا وهناك مجتمعات منغلقة معتقديا فان اعادة ترتيبها ودمجها بمركز العالم الاستهلاكي والقيمي يقتضي تفكيكها بالانتحار الاديولوجي المتطرف وتوليد ايديولوجيا ناعمة او هشة soft ideologies .

لذا يمكن القول ان ادوات التطرف الديني وتوحش الممارسات بأنماطها التي اتسمت بالغلو جاءت لتخدم غرضين ،الاول فناء الاديولوجيات الاصولية والتخلص منها ذلك بتمكينها بكيانات سياسية موازية موقته تطلق من خلالها نماذج توحشها وهي الدولة الايديولوجية المتطرفة الموازية ( داعش ،وطالبان وغيرهم ) والاخر ، لتبرهن للعالم انها عقائد دموية فاشلة يجري اختبارها على مجتمعات العالم الثالث ، وهي نتاج لتلك العولمة الموازية نفسها بما يمكن من غلق عصر الاديولوجيات واسدال الستار عليه .

بعبارة اخرى فان استخدام عصر تسوده أيديولوجيات متطرفة قامت على سفك الدماء وتعظيم الحروب الاهلية التفكيكية ياتي لتليين اطراف العالم وفتح اسواقه وقبول نمط استهلاكي وطرازات عيش بقيم جديدة لاحقة تمهد الطريق لقبول عصر القطب الواحد وسيادة السوق المتروبوليتاني ورفض الدولة- الامة في محيط العالم السياسي . فالتطرف الايديولوجي هو السلاح الذاتي المتاح للراسمالية المركزية المعاصرة لتفكيك اطراف العالم باستعمال القوى التكفيرية المتشددة من داخل مجتمعاتها كقوى تدميرية حتى يتمكن الغرب من التمدد نحو الغابات الخلفية للعالم الشرقي وقمع سيادة الدولة -الامة ازاء سيادة السوق العابر للامم والمتلون الجنسيات .

وهكذا ،ياتي التطرف في اطراف العالم ويتمدد بتفجير الايديولوجيات الدينية وغيرها لفتح الطريق مشرعاً لتتمدد العولمة المركزية المنظمة نحو محيط العالم دون عوائق فكرية .

4- واخبرا ،فان استخدم التطرف الديني كسلاح تفكيكي- تكتيكي دموي لحروب العولمة (الموازية )وتحويلها الى العولمة (الرسمية )والاندماج باسواق العالم وتقوية ضبط العالم ماهو الا (عصر استعماري جديد) اداته استخدام التطرف الاديولوجي المنغلق للمجتمعات ذاتها لكي تفتح العولمة سبلها نحو الاطراف بيسر وهدوء. والقبول بايديولوجيات لينة متكيفة تناسب العصر الجديد للراسمالية .

ختاماً، انها الراسمالية التي تجدد نفسها بأدوات التوحش الديني او غيره…. تمهيدا لدخول العصر الاديولوجي الناعم للعولمة global soft ideology وهي ايديولوجيا لينة وحمالة اوجه لمختلف العقائد التي تناسب العصر الراسمالي المتجدد.

ختاماً،فالراسمالية تجدد نفسها والايديولوجيات تتفكك وتجدد معتقداتها توافقيا مع تطور راس المال العالمي .ش


مشاهدات 652
أضيف 2023/01/18 - 11:03 AM
تحديث 2024/03/25 - 6:27 PM

طباعة
www.Economy-News.Net