ترقية موظف في "غوغل" تنقذ عملاق البحث من فقدان الهيمنة

الاقتصاد نيوز - متابعة

لم يكن اسم جوش وودوارد مألوفاً خارج أروقة وادي السيليكون. لكن داخل غوغل، الجميع يعرف الرجل الذي تحول خلال الأشهر الثمانية الماضية إلى قائد تطبيق Gemini، حجر الزاوية في استراتيجية عملاق البحث للذكاء الاصطناعي.

وودوارد ابن أوكلاهوما البالغ من العمر 42 عاماً، بدأ طريقه إلى "غوغل" عبر تدريب في إدارة المنتجات عام 2009، قبل أن يتسلم في أبريل قيادة تطبيق "Gemini" في لحظة حرجة كانت فيها مكانة "غوغل" في الذكاء الاصطناعي هشة. حينها كانت أسهم "ألفابيت" تتهاوى بنسبة 18% في الربع الأول -الأسوأ منذ 2022- وسط مخاوف من فقدان الشركة موقعها التاريخي كبوابة الإنترنت الأولى.

كتب الشريك المؤسس لـ "Google DeepMind" ديميس هاسابيس، وهو أبرز قيادات الذكاء الاصطناعي في الشركة، في مذكرة الإعلان أن وودوارد سيتولى "التطور التالي" للتطبيق.

ومنذ ذلك الحين، أصبح الرجل محور السباق للحاق بمنافسين أشداء مثل "OpenAI" (صاحبة شرارة طفرة الذكاء التوليدي بإطلاق ChatGPT قبل أكثر من 3 سنوات) و"Anthropic"، فيما يراهن خبراء الصناعة على تحول سلوك المستخدمين من البحث التقليدي إلى تطبيقات مدعومة بالذكاء الاصطناعي.

هدف "غوغل" واضح، وهو إبقاء المستخدم داخل منظومتها سواء للدردشة أو الصور والفيديو أو التسوق، بينما يقود وودوارد تلك الجهود إلى جانب دوره على رأس "Google Labs"، البيت الذي يحتضن المشروعات التجريبية للذكاء الاصطناعي.

قال الرئيس السابق المشارك لـ "Google Labs" كلاي بافور: "قدرة وودوارد على التحرك بسرعة وكسر الحواجز وتنفيذ المهام وضعته في قلب أهم عمل داخل غوغل."

نانو بنانا

في أواخر أغسطس، أطلقت مجموعة وودوارد مولد الصور "Nano Banana"، ميزة في "Gemini" تتيح مزج صور متعددة لصناعة مجسمات رقمية شخصية. خلال أيام فقط، انفجر الطلب إلى حد إغراق البنية التحتية للشركة، ما اضطر غوغل لفرض حدود مؤقتة على الاستخدام لتخفيف الضغط على رقاقاتها المخصصة، والتي تعرف باسم "TPUs".

قال رئيس بنية الذكاء الاصطناعي في "غوغل" أمين وهدات، في اجتماع عام في نوفمبر: "كادت وحدات TPUs أن تذوب."، وبحلول نهاية سبتمبر، تخطى تطبيق Gemini حاجز 5 مليارات صورة وتربع على قمة متجر تطبيقات "أبل" متفوقاً على "ChatGPT". ومنذ ذلك الحين، بدأ دمج "Nano Banana" في منتجات أخرى مثل "Google Lens" و"Circle to Search".

ورغم أن غوغل ليست وحدها التي تضخ استثمارات هائلة في بنية الذكاء الاصطناعي استعداداً لطفرة الأعمال، فإن الشركة رفعت في أكتوبر توقعات إنفاقها الرأسمالي السنوي إلى 91–93 مليار دولار (من 85 ملياراً سابقاً) -قفزة تعكس حجم الرهان على المرحلة المقبلة.

الإعلان عن الاستثمارات الضخمة، عدّل مزاج وول ستريت، وتحولت بداية العام القاسية على ألفابيت إلى ارتفاع للسهم بنسبة 62% خلال 2025، متفوقاً على كل نظرائه من عمالقة التكنولوجيا بما فيها "ميتا" التي صعدت 13%.

انفجار في أرقام الاستخدام

في أكتوبر، أعلنت "غوغل" أن المستخدمين الشهريين لتطبيق Gemini قفزوا إلى 650 مليوناً (من 350 مليوناً في مارس). أما AI Overviews -ميزة الإجابات الملخصة بالذكاء التوليدي داخل البحث- فتخدم ملياري مستخدم شهرياً. في المقابل، قالت "OpenAI" إن ChatGPT وصل إلى 800 مليون مستخدم أسبوعياً.

ثم جاء Gemini 3 الشهر الماضي، ليشعل حماسة واسعة في قطاع التكنولوجيا. وقال وودوارد في مقابلة: "لم أقض وقتاً ممتعاً في عملي كما الآن… الأمر يتعلق بالوتيرة وبالقدرات التي تمنحها هذه النماذج لمن يتخيلون استخدامات ومنتجات جديدة".

بينما يرى بافور أن وودوارد كان "من أوائل من أدركوا إمكانات النماذج اللغوية الكبيرة لبناء منتجات”، ويمتلك قدرة على "رؤية ما وراء الزاوية"، والتنبؤ بتطور التقنية وكيفية استخدامها.

السباق المحتدم… وأسئلة الثقة والضرر

التحدي أمام وودوارد اليوم ليس فقط قيادة وحدتين داخل غوغل، بل الموازنة بين السرعة اللازمة لمنافسة "OpenAI" و"Anthropic" وبين عدم الانزلاق إلى طرح منتجات قد تحدث ضرراً أو تفقد المستخدمين ثقتهم.

المسألة ملحة مع تسارع تغلغل الذكاء الاصطناعي في الحياة اليومية، وازدياد الضجيج الرديء على شبكات التواصل، وهدير محتوى مولد بالذكاء يصعب على الناس تمييز الحقيقة من الزيف.

قبل أن يتولى "Gemini"، ناقش وودوارد هذا الهم في بودكاست لشركة "Sequoia" في مارس على خلفية إطلاق "Sora" من OpenAI أواخر 2024، قائلاً عن الفيديو: "أنا مع تمكين الإبداع البشري، لكن هناك لحظات في وادينا هنا حيث تتغير الأمور—وأحياناً لجيـل بأكمله—ويمكن أن تتغير للأفضل أو للأسوأ".

الجدل طال أيضاً "نانو بانانا" الذي صدر في نوفمبر بقدرات تجعل الحدود بين الصور الحقيقية والمولدة ضبابية، وتعرض لانتقادات بعد إنتاج صور تظهر نساء بيضاوات محاطات بأطفال سود استجابةً لمطالبة عن المساعدات الإنسانية في أفريقيا.

انضم وودوارد إلى "Google Labs" في 2022 باختيار مباشر من بافور. إحدى أولى الثمرات كانت مشروع "Tailwind"، وهو عبارة عن مفكرة ذكية ولدت في إطار سياسة "20% من الوقت" داخل غوغل عبر المديرة ريزا مارتن، قبل أن تتطور إلى "NotebookLM"، المنتج الذي يحلل مقالات وملفات PDF وفيديوهات يرفعها المستخدم، ليقدم ملخصات ورؤى واستشهادات توضح "كيف توصل" إلى الإجابة.

لإنجاح "NotebookLM"، استقطب وودوارد ستيفن جونسون، وهو كاتب أميركي وباحث في تاريخ العلم والتقنية لم يعمل سابقاً تحت مدير مباشر ولم تكن له صلة بغوغل، بدأ باحثاً زائراً عام 2022 ثم التحق بدوام كامل في مايو 2023 قبيل مؤتمر I/O بأسبوع، حيث ضغط وودوارد لإظهار ميزة صوتية تجريبية ارتجل الفريق لإتمامها في الوقت.

في الخلفية، أصرت ريزا مارتن على جمع ملاحظات المستخدمين عبر Discord رغم تفضيل غوغل أدواتها الداخلية، فتدخل وودوارد لتذليل البيروقراطية والسماح باستخدام Discord، وهي خطوة أثمرت عن تطوير خادم جذب أكثر من 200 ألف عضو.

طرح NotebookLM أولاً في يوليو 2023، ثم توسع سريعاً وأضاف البودكاست والصوت والفيديو، ليتحول إلى واحد من أكثر أدوات غوغل شعبية في فئته.

من بين سمات وودوارد الأشهر داخل غوغل، هي قدرته على التحايل البناء على بيروقراطية الشركة. ابتكر نظام "Block" حيث يبلغ الموظفون عن أي عائق، فتتولاه فرق داخل "Labs" لحله. وعند إطلاق NotebookLM، احتاج المنتج وحدات TPU إضافية، وتمكن وودوارد من توفيرها.

أما عملية Papercuts فتركز على تفاصيل صغيرة تعيق تجربة منتج ما. كتب وودوارد في أكتوبر على منصة "X": "Papercut تمت معالجته: يمكنكم الآن تغيير النماذج أثناء المحادثة في GeminiApp دون بدء محادثة جديدة"، الرسالة حصدت مئات الردود، بينها شكرٌ مباشر من المستخدمين.

من أوكلاهوما إلى أكسفورد فالهند

تخرج وودوارد في جامعة أوكلاهوما عام 2006 بتخصص اقتصاد، ثم نال دراسات عليا في أكسفورد حول أثر المساعدات العسكرية والاقتصادية الأميركية على الديمقراطية.

بدأ مسيرته في غوغل بتدريب إداري عام 2009، ثم تقلب في أدوار متعددة حتى طلبه قيصر سينغوبتا إلى مشروع "Next Billion Users" أو (NBU) لفهم مستخدمي الأسواق الناشئة مثل الهند، وهناك كتب نشرة أسبوعية موجزة وملهمة صارت محط طلب مباشر من الموظفين للاشتراك.

لا يزال وودوارد يكتب نشرة فصلية عن قراءاته واهتماماته، حتى أن قادة غوغل يقصدونه لاقتراحات الكتب، وهو لا يتردد أيضاً في تكليف فريقه بقراءات نقدية حول ثقة المستخدمين في المحادثات الآلية.

زملاء كثيرون يجمعون على شخصيته الودودة وضحكته العفوية التي تقطع الحديث، حتى إن سينغوبتا كان يمازحه: "ستكون الرئيس التنفيذي المقبل لغوغل".

التوقعات تتصاعد والزخم مستمر

مع اقتراب 2026، ترتفع التوقعات من غوغل ووودوارد لمواصلة إطلاق مزايا ونسخ جديدة في الذكاء الاصطناعي. لكن في ختام 2025، يبدو أن الشركة تركب موجة قوة مستمرة. يقول سوندار بيتشاي في اجتماع داخلي حديث: “الزخم كان مذهلاً… لقد كنا نشحن (نطلق) بوتيرة سريعة جداً على مستوى الشركة".

وإذا كان السؤال: هل نجحت غوغل في الحفاظ على هيمنتها؟ فالإجابة حتى الآن أن الترقية التي وضعت جوش وودوارد في المقعد الأمامي، مع رهان مالي وبنيوي غير مسبوق، قد منحت الشركة وقتاً ومساحةً لإعادة تعريف دورها في عصر التطبيقات الذكية.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 92
أضيف 2025/12/21 - 3:48 PM