
ثار تداول تقارير عن استمرار صادرات الغاز الإيراني إلى العراق موجة تساؤلات في الرأي العام حول كيفية تواصل هذه الإمدادات بلا انقطاع، في وقت تعاني فيه إيران من تراجع الضغط ونقص الغاز، وتواجه فيه الصناعات المحلية قيوداً تحد من قدرتها الإنتاجية. ويأتي هذا الجدل بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة وارتفاع معدلات الاستهلاك المنزلي.
وقال موقع اقتصاد 24، إن الأوساط الشعبية في إيران تنظر إلى هذه المسألة بوصفها تناقضاً واضحاً، إذ تُفرض قيود على المصانع في الداخل، بينما يتواصل تصدير الغاز إلى العراق في ذروة الشتاء.
وفي هذا السياق، قال حميد رضا عراقي، المدير التنفيذي السابق لشركة الغاز الوطنية الإيرانية، إن صادرات الغاز إلى العراق جزء من عقد دولي، مضيفاً أن إيران كان يفترض خلال السنوات الماضية أن تُبرم عقوداً أطول وأوسع مع تركيا وباكستان والعراق وحتى البحرين. وأكد أن إحدى أهم قيم أي دولة هي قدرتها على الالتزام بعقودها الدولية.
وأوضح أن دول المنطقة مثل العراق وقطر والإمارات تحتاج إلى كميات كبيرة من الغاز لإنتاج الكهرباء في الصيف، بينما يكون الاستهلاك داخل إيران أقل في هذا الفصل، ما يؤدي إلى زيادة الصادرات صيفاً وانخفاضها شتاءً. وأشار إلى أن وقف الصادرات بالكامل ستكون له تبعات أمنية واقتصادية، وسيضر بسمعة إيران الدولية.
وأكد عراقي أن حجم الصادرات ضئيل ولا يؤثر على الاستهلاك المحلي، قائلاً إن استهلاك إيران اليومي يتراوح بين 800 و900 مليون متر مكعب، بينما لا تتجاوز الصادرات إلى العراق أو تركيا 15 مليون متر مكعب يومياً، أي أقل من واحد في المئة من الاستهلاك الكلي. ووصف هذا الحجم بأنه صغير جداً ولا يبرر الإضرار بسمعة البلاد الدولية، ولا يشكل أي تهديد لتأمين احتياجات الداخل. وأضاف أن هذه الصادرات، في ظل القيود المفروضة على بيع النفط، تشكل مورداً مهماً من العملة الصعبة تُستخدم لشراء الدواء والقمح والذرة والسلع الأساسية.
دور الصادرات في تلبية احتياجات الإيرانيين
وأوضح نائب وزير النفط الأسبق أن إيرادات هذه الصادرات تسهم في توفير الاحتياجات الأساسية للإيرانيين، قائلاً إن البلاد تواجه حالياً ضغوطاً كبيرة في تأمين العملة الأجنبية، وإن البنك المركزي يعتمد على هذه العقود لشراء السلع الضرورية. واعتبر أن النظرة الجزئية غير مجدية، وأن تقييد صادرات الغاز إلى العراق وتركيا ليس منطقياً، حتى في ظل وجود قيود داخلية. ولفت إلى أن قطاعات مثل صناعة الإسمنت تستخدم في الشتاء وقوداً بديلاً كالمازوت، كما أن كثيراً من المصانع تجري صيانتها السنوية في هذا الفصل، وهو أمر متبع عالمياً.
وحذّر من اعتماد إيران الكامل على الغاز، معتبراً أنه أحد المخاطر الرئيسية. وقال إن ربط كل الصناعات ومحطات توليد الكهرباء وحتى المنازل بمصدر واحد للطاقة يعرّض البلاد للخطر. وأشار إلى أن دولاً مثل تركيا والصين وعدد من الدول الأوروبية تستخدم مزيجاً من الفحم والمازوت والديزل والطاقة الشمسية، وأن تنويع مصادر الطاقة ضروري. أما في إيران، فكل شيء مرتبط بالغاز، ولذلك تظهر القيود كل عام مع أول موجة برد.
وفي ختام حديثه، قال عراقي إنه خلال الأربعين عاماً الماضية، حتى في الفترات التي كان فيها إنتاج الغاز لا يتجاوز 30 مليون متر مكعب يومياً، كانت إيران تواجه قيوداً شتوية، واليوم رغم وصول الإنتاج إلى 800 مليون متر مكعب، ما زالت هذه القيود قائمة. وأكد أن المشكلة ليست جديدة، وأن المطلوب هو إدارة هذه التحديات، لا التضحية بالعقود الدولية من أجل حل مؤقت.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام