صناعة السيارات الإيرانية.. انخفاض الإنتاج والجودة

الاقتصاد نيوز - متابعة

 يشبّه كثيرون وضع صناعة السيارات في إيران بطريق زَلِق تحت أمطار الخريف؛ ضجيج خطوط الإنتاج ورائحة الحديد والزيوت يوحيان بأن الأمور تتحرك، لكن مهما جرى الضغط على دواسة الوقود تبقى العجلات عالقة في الوحل. فخلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، بلغ إنتاج الشركات الإيرانية الثلاث الكبرى—إيران خودرو، سايبا وبارس خودرو—نحو 485 ألفاً و577 سيارة، بتراجع يصل إلى 12% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.

إنتاج كبير… لكن بلا جودة

بيجو، دنا، تارا، هايما ورانا؛ عندما تنظر إلى أرقام إنتاج تلك السيارات تظن أن الأمور تسير على ما يرام، لكن عندما تقترب من خطوط التجميع الإيرانية تكتشف أن محركات الأمل عالقة في قفل السياسات. يقول الخبير في مجال السيارات أمير حسين جلالي: «الإنتاج الكبير مجرد رقم. الجودة والابتكار لا مكان لهما في جدول السياسات. القرارات الفجائية وتعدد مراكز اتخاذ القرار يعيقان الحركة الحقيقية للصناعة».

أحد الأمراض المزمنة في صناعة السيارات الإيرانية هو تعدد الجهات المقررة، من وزارة الصناعة ومجلس المنافسة، إلى منظمة حماية المستهلك والبنك المركزي واللجان المختلفة. لكل جهة سياسة خاصة بها. التناقضات واضحة، فيما يقف صانع السيارات وحيداً وسط هذا الضجيج.

هذا التعدد في مراكز القرار يؤدي إلى إطالة الإجراءات وزيادة التكاليف وتقليص القدرة على اتخاذ قرارات طويلة الأمد. لم تعد خطوط الإنتاج تخرج سيارات فقط؛ بل تحاول جاهدة البقاء ضمن مسار السياسات. فكل قرار يصدر من الجهات العليا قد يكون مفيداً اليوم… ومعيقاً غداً.

استثمارات محدودة ونقص في التكنولوجيا

تقول صحيفة شرق الإيرانية إن الاستثمار في البحث والتطوير في البلاد محدود. العقوبات وتقلبات سعر الصرف والديون، كلها عوامل منعت إطلاق أي مشروع بعيد المدى. أغلب خطوط الإنتاج ما زالت تقتصر على تجميع نماذج قديمة، فيما يبدو الابتكار كشجرة يابسة لا تنمو داخل المصانع. وتُظهر التجارب أن حتى الاستثمارات الصغيرة في البحث والتطوير قادرة على إحداث قفزة في الجودة والابتكار، لكن في بيئة سياسية متغيرة يصبح أي استثمار مغامرة كبيرة. ويقول العمال إن تأخر وصول المواد الأولية يعطل حتى المشاريع الابتكارية ويؤثر سلباً على معنويات فرق التصميم.

التسعير الإلزامي

التسعير الحكومي يشكّل قيداً آخر على هذه الصناعة الإيرانية. فعندما لا يستطيع المصنع تحقيق ربح معقول، تنتفي دوافع الاستثمار في الابتكار. ويُجبر صانع السيارة على الإنتاج فقط بهدف البقاء، وليس التطور. يقول أحد المديرين التنفيذيين: «نُجبر على بيع السيارات بسعر محدد، في حين ترتفع التكاليف يومياً دون أي تعديل في السعر، مما يؤدي إلى تأجيل كل خطط التطوير».

سلسلة التوريد وقطع الغيار

لا تزال سلسلة التوريد في إيران نقطة ضعف أساسية. فقد جعلت العقوبات ونقص التكنولوجيا هذه السلسلة هشّة. قدرات مصنّعي القطع المحليين محدودة، ما يدفع شركات السيارات إلى الاكتفاء بتجميع قطع بسيطة. والنتيجة طبيعية: جودة متدنية وكفاءة ضعيفة. خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025، سجلت بارس خودرو إنتاجاً بلغ 37 ألفاً و232 سيارة، بانخفاض بلغ 37%. كما أن مشاريع الابتكار، مثل إنتاج نسخة مجمعة من سيارة تشانغان CS35 بلس، ما زالت أشبه بقطرة صغيرة في بحر واسع.

آفاق

تُخرج هذه الضغوط والارتباكات صناعةً واقفة بين عالمين: إنتاجاً مرتفعاً نسبياً، يقابله ضعف في الجودة وغياب في الابتكار. فالمصانع هنا في إيران تعجّ بالحركة، لكن نبضها الداخلي خافت. العمال والمهندسون يعملون كل يوم بجهد كبير، ومع ذلك يظلّ شعور التقدم الحقيقي غائباً. أما الموارد البشرية والمالية فلا تُستثمر كما ينبغي. لتبدو خطوط الإنتاج كمدن مزدحمة بلا طرق واضحة؛ الجميع يتحرك، لكن لا أحد يصل فعلاً إلى أي مكان.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 39
أضيف 2025/11/28 - 10:50 AM