
تشهد الساحة الاقتصادية العراقية تحولات واعدة في مسار تنويع مصادر الدخل الوطني بعيدًا عن الاعتماد المفرط على النفط، وفي هذا الإطار، تبرز رمال السيليكا كأحد الموارد الطبيعية غير المستغلة التي تمتلك إمكانيات هائلة يمكن أن تسهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة.
مرصد إيكو عراق كشف عن كميات ضخمة من رمال السيليكا المستكشفة في محافظتي الأنبار والنجف الأشرف، واصفًا إياها بـ"الذهب الأبيض"، في ظل ما وصفه بالإهمال الحكومي لفرص استثمار هذه الثروة.
وأوضح المرصد أن الاستكشافات الأولية تشير إلى وجود نحو 600 مليون طن مكتشف في الأنبار، مع أكثر من مليار طن احتياطي، وبنقاوة تصل إلى 98%، بينما تحتوي محافظة النجف الأشرف على كميات تقدّر بنحو 330 مليون طن من الرمال الصالحة لصناعة الزجاج، وحوالي 577.5 مليون طن لصناعة الزجاج الملوّن، بإجمالي يقارب 907.5 مليون طن، بنقاوة تقارب 95%.
كما تشير تقارير هيئة المسح الجيولوجي إلى وجود 220 مليون متر مكعب من الرمال المناسبة لصناعة الزجاج في النجف، و385 مليون متر مكعب لصناعة الزجاج الملون، في حين تحتضن الأنبار ترسبات كبيرة في مناطق الگعرة ووادي العامج وأرضمة غرب الرطبة، تُقدّر بأكثر من 330 مليون متر مكعب، إضافة إلى احتياطي جديد يُقدّر بمليار طن بنسبة نقاوة تصل إلى 99%، ما يؤهل هذه الرمال لدخول الصناعات التقنية الدقيقة.
ويتراوح سعر الطن الواحد من السيليكا عالميًا بين 100 و150 دولارًا، ما يجعل استثمار هذه المادة قادرًا على رفد الموازنة العامة بمليارات الدولارات، فضلًا عن إمكانية توفير أكثر من 10 آلاف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة في المحافظتين. ورغم هذه الأرقام الضخمة، انتقد المرصد ضعف الإجراءات الحكومية وتقصيرها في تفعيل هذه الإمكانات، داعيًا إلى تعديل قانون الاستثمار المعدني رقم 91 لسنة 1988 بما يتيح فرصًا أوسع للاستكشاف والتطوير.
وتستخدم رمال السيليكا في صناعة الزجاج، والسيليكون، ومواد البناء، والإلكترونيات، والخلايا الشمسية، وأعمال الفلترة، وقد بلغ حجم استهلاكها العالمي في 2024 نحو 479 مليون طن، بقيمة سوقية تتراوح بين 14 و72 مليار دولار، حسب جودة الرمال وسعر السوق.
في تطور نوعي ضمن هذا الإطار، تم في 29 نيسان/أبريل الماضي توقيع اتفاقية تعاون بين الشركة العامة للزجاج والحراريات العراقية وشركة أجيال السعودية لإنشاء أكبر مجمع صناعي متكامل لمشاريع السيليكا في محافظة الأنبار، يمتد على مساحة 800 دونم.
المشروع، الذي ما يزال في مراحله الأولية، سيشمل إنتاج السيليكون، والزجاج المسطح بطاقة 700 طن يوميًا، ومصانع لإنتاج القناني والجرار بطاقة ابتدائية 200 طن قابلة للزيادة إلى 800 طن، بالإضافة إلى مصنع لإنتاج القناني الطبية بطاقة 120 طنًا يوميًا، مخصص لدعم القطاع الصحي العراقي. كما يتضمن المشروع إنشاء مجمع كهربائي خاص لتغذية المصانع، إلى جانب مجمعات سكنية للعمال، مما يفتح الباب أمام تنمية عمرانية واقتصادية واسعة في المناطق الصحراوية للأنبار.
مدير عام الشركة العامة للزجاج، حامد محمد كودي، أوضح أن اختيار الأنبار جاء بناءً على وفرة السيليكا عالية النقاوة وخبرة الكوادر العراقية، مؤكدًا أن المشروع سيوفر ما بين 5 آلاف إلى 10 آلاف فرصة عمل، وسيشكل قاعدة لانطلاق صناعات تحويلية أخرى، منها صناعة الألواح الزجاجية، والسيليكون، وسيليكات الصوديوم، وزجاج السيارات، والألواح الشمسية، مع توقعات ببلوغ عدد المنتجات النهائية نحو 12 منتجًا بعد اكتمال المجمع.
الخبير الاقتصادي مصطفى حنتوش أكد بدوره أن محافظة الأنبار تحتل موقعًا استراتيجيًا في هذا المجال، وأن الاستثمارات السعودية تعكس تنامي جاذبية العراق كوجهة استثمارية، مشيرًا إلى أن تهيئة البيئة الاستثمارية عبر تسهيل الإجراءات، وتوفير القروض، والإعفاءات الضريبية، باتت ضرورة وليست ترفًا.
كما لفت إلى تحديات أبرزها ضعف البنية التحتية الصناعية، والحاجة إلى ضبط الواردات، ودعم المنتجات المحلية.
ويمثل مشروع السيليكا في العراق فرصة تاريخية لإعادة بناء الصناعة الوطنية وتعزيز تنوع الاقتصاد، كما يُظهر قدرة البلاد على الانتقال من تصدير المواد الخام إلى تصنيعها محليًا، ما يفتح آفاقًا واسعة للتنمية المستدامة، وتوظيف الطاقات البشرية العراقية، واستقطاب الاستثمارات النوعية، في وقت باتت فيه الحاجة ملحة لرؤية اقتصادية جديدة تواكب المتغيرات العالمية وتستثمر مكامن القوة الوطنية.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام