
أثار اللقاء الأخير بين الرئيس الصيني شي جين بينغ ونظيره الأميركي دونالد ترامب موجة من التفاؤل في الأوساط الصينية، بعد أشهر من التوترات المتصاعدة بين أكبر اقتصادين في العالم. اللقاء الذي جرى صباح الخميس في مدينة بوسان الكورية الجنوبية، تصدر منصات التواصل الاجتماعي الصينية، وسط آمال بانفراجة اقتصادية وسياسية.
قال رئيس شركة "هونغلف للاستشارات" في بكين أليكس هونغكاي شو إن كل لقاء بين الزعيمين يخلق "أجواء إيجابية" تسهم في دفع المفاوضات قدماً. وأضاف، في تصريحات نقلتها "CNBC" وترجمتها عن الصينية، أن خفض الرسوم الجمركية إلى ما دون 10% من كلا الطرفين سيعزز تدفق رؤوس الأموال والتعاون التجاري، مشيراً إلى أن الصين قد تزيد من مشترياتها من فول الصويا الأميركي وطائرات بوينغ.
وفي تحول مفاجئ، أعلن ترامب خفض الرسوم الجمركية المرتبطة بالفنتانيل – المخدر الصناعي المرتبط بأزمة الأفيون الأميركية – من 20% إلى 10%، ليصل إجمالي الرسوم على السلع الصينية إلى 47%. هذا الإعلان جاء بعد تهديد سابق بفرض رسوم إضافية بنسبة 100% بدءاً من السبت، ما يعكس تغيراً في نبرة واشنطن تجاه بكين.
ورغم ذلك، لم يقدم ترامب تفاصيل واضحة بشأن تشجيع الاستثمارات الصينية في الولايات المتحدة، مكتفياً بالقول: "لديهم استثمارات هنا، وسيتوسعون فيها".
الصين تأمل في فتح أبواب الاستثمار
شو أعرب عن أمله في أن تسمح واشنطن بمزيد من الاستثمارات الصينية داخل الأراضي الأميركية، مؤكداً أن ذلك سيسهم في خلق وظائف وتعزيز الإنتاج المحلي، ويقلل من اعتماد الصين على التصدير.
من جانبه، قال لوك لي، العامل في قطاع التصنيع والتجارة المرتبط بالطاقة في بكين، إن وضوح السياسة الأميركية أو تقديم وعود بخفض الرسوم سيشجع الاستثمارات الصينية في الخارج، خاصة في ظل تباطؤ الاقتصاد المحلي.
وأضاف: "طالما أن الزعيمين يلتقيان، فهناك تقدم"، مشدداً على أن التركيز الأكبر في الصين ينصب على الرسوم الأميركية، وما إذا كانت ستُعدل قريباً.
تفاعل واسع على منصات التواصل
تصدر وسم "قمة بوسان بين قادة الصين والولايات المتحدة" منصة "ويبو" الصينية، فيما جاء وسم "خفض سعر الفائدة" في المرتبة الثانية، واحتل اللقاء المرتبة الرابعة بين المواضيع الأكثر تداولاً.
ورغم أن معظم المنشورات جاءت من وسائل الإعلام الرسمية، فإن تعليقات المستخدمين كانت مختصرة، مثل: "تحيا الصداقة الصينية-الأميركية" و"نجاح مشترك للصين والولايات المتحدة"، وفق ترجمة "CNBC".
أما على تطبيق "شياو هونغشو" الشهير، فكتب الاقتصادي والمعلق المعروف سونغ تشينغهوي: "نتطلع إلى وصول سريع لفترة شهر العسل بين الصين والولايات المتحدة".
خفض الرسوم الجمركية.. بداية انفراجة
أعلن ترامب عن خفض كبير في الرسوم الجمركية المفروضة على الصين، من 57% إلى 47%، في خطوة تهدف إلى تهدئة التوترات التجارية التي أثقلت كاهل الأسواق العالمية. كما شمل الخفض الرسوم على مادة الفنتانيل، المخدر الصناعي المرتبط بأزمة الأفيون في الولايات المتحدة، من 20% إلى 10%.
كما أكد ترامب التوصل إلى اتفاق ينهي النزاع حول المعادن النادرة، وهي عناصر حيوية تدخل في صناعة الهواتف الذكية والرقائق الإلكترونية والسيارات الكهربائية والصواريخ. الصين، التي تهيمن على إنتاج هذه المعادن، كانت قد فرضت قيوداً على تصديرها، ما أثار قلقاً واسعاً في واشنطن وبروكسل. ويفتح الاتفاق الجديد الباب أمام تدفق أكثر سلاسة لهذه المواد، ما ينعكس إيجاباً على قطاع التكنولوجيا العالمي.
ويعني خفض الرسوم أن السلع الصينية – من الإلكترونيات إلى الملابس والألعاب والمنتجات المعدنية – ستصبح أرخص في الأسواق الأميركية. هذا الانخفاض في الأسعار قد يسهم في كبح جماح التضخم عالمياً، ويعيد الاستقرار إلى سلاسل الإمداد، مع استفادة محتملة لدول مثل الهند التي تعتمد على انسيابية التجارة الدولية.
الرسوم المخفضة على الفنتانيل لا تعني فقط تخفيف القيود التجارية، بل تعكس أيضاً تنسيقاً صحياً بين واشنطن وبكين لمواجهة أزمة المخدرات. حيث يبرز التعاون في هذا الملف الحساس تقاطع المصالح بين الجانبين في مجالات تتجاوز الاقتصاد.
أوكرانيا على طاولة التنسيق
على الجانب الآخر، أعلن ترامب أن البلدين سيعملان معاً بشأن الأزمة الأوكرانية، ما قد يفتح الباب أمام جهود دبلوماسية مشتركة لدفع مسارات السلام في الصراع الروسي-الأوكراني.
كون الولايات المتحدة والصين أكبر اقتصادين في العالم، فإن أي تقارب بينهما ينعكس فوراً على الأسواق المالية. انخفاض التوترات يخفف الضغط على أسواق الأسهم والعملات، ويقلل من تكاليف الإنتاج، ما يعزز أرباح الشركات، خصوصاً في قطاعات التكنولوجيا والمعادن والإلكترونيات.
وأكد ترامب أن العقبات التي كانت تعرقل التجارة مع الصين – من الرسوم إلى المعادن النادرة – باتت في طريقها للحل. "الحرب التجارية الطويلة بدأت تهدأ"، بحسب ترامب، الذي أشار إلى بداية مرحلة جديدة من العلاقات الاقتصادية الدولية.
لا يقتصر الاتفاق بين ترامب وشي على أرقام ورسوم، بل يمثل نقطة تحول في مسار الاقتصاد العالمي. من خفض التضخم إلى تعزيز الاستثمارات في التكنولوجيا، ومن استقرار سلاسل الإمداد إلى تعاون دبلوماسي في ملفات حساسة، يبدو أن العالم على أعتاب فصل جديد من الانفتاح والنمو.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام