شهد العراق خلال العقود الأخيرة تحولات جذرية في بنيته الاقتصادية والمالية، لا سيما بعد العام 2003، حيث أعادت البلاد بناء مؤسساتها المالية تدريجياً بعد عقود من الحصار والعزلة الاقتصادية.
وبرز موضوع الاحتياطي المالي الأجنبي كأحد أبرز مؤشرات القوة الاقتصادية للدولة، إذ يعكس مستوى الاستقرار النقدي والقدرة على مواجهة الأزمات.
وبين التصورات الشعبية عن "الثروات المجمدة" وبين الواقع القانوني والمؤسساتي لإدارة تلك الاحتياطيات، تعددت التفسيرات والتوقعات.
وفي وقت سابق، أعلن البنك المركزي العراقي عن ارتفاع احتياطياته من العملة الأجنبية خلال شهر مايو الماضي إلى أكثر من 98 مليار دولار.
وقال البنك المركزي العراقي، إن الاحتياطيات الأجنبية حتى 22 مايو 2025، بلغت 98.83 مليار دولار، مرتفعة عن الأول من مايو، الذي بلغت فيه 97.943 مليار دولار.
وأضاف أن هذه الاحتياطيات ارتفعت أيضًا عن شهر أيريل، الذي بلغت فيه 98.089 مليار دولار، مشيرًا إلى أن الاحتياطيات انخفضت عن العام الماضي عندما بلغت 100.276 مليار دولار، كما انخفضت عن عام 2023 عندما سجلت 111.736 مليار دولار.
وسجل الاحتياطي المالي العراقي في عام 2025 نحو 102 مليار دولار، بحسب الباحث في الشأن السياسي والاقتصادي نبيل جبار التميمي، الذي استعرض تطورات الاحتياطي النقدي خلال 25 عاماً من التغيرات الاقتصادية والأزمات المحلية والدولية.
وأشار التميمي إلى أن احتياطيات العراق كانت في أدنى مستوياتها خلال الأعوام 2000 إلى 2003، حيث لم تتجاوز 7 مليارات دولار نتيجة الحصار الاقتصادي المفروض آنذاك. وبعد عام 2003، بدأت الاحتياطيات بالارتفاع مع إعادة بناء المؤسسات المالية ورفع القيود الاقتصادية، لتصل إلى 30 مليار دولار بحلول عام 2007.
وشهدت الفترة بين 2008 و2013 قفزة نوعية في حجم الاحتياطيات، حيث بلغت نحو 77 مليار دولار بفعل ارتفاع الإيرادات النفطية. إلا أن الأزمات التي عصفت بالعراق بين عامي 2014 و2017، من انخفاض أسعار النفط إلى التحديات الأمنية، أدت إلى تراجع الاحتياطي إلى أقل من 50 مليار دولار.
وبعد انتعاش جزئي في 2018، انخفض الاحتياطي مجدداً إلى 54 مليار دولار في 2020 نتيجة أزمة كورونا وتداعياتها الاقتصادية، فضلاً عن قرارات "أوبك" بتقليص الإنتاج النفطي.
غير أن السنوات اللاحقة شهدت تعافياً واضحاً، حيث ارتفعت الاحتياطيات بشكل ملحوظ بين 2022 و2025، لتبلغ ذروتها في 2024 بقيمة تجاوزت 112 مليار دولار، قبل أن تستقر عند حدود 102 مليار دولار في العام الحالي 2025.
ويعكس هذا المسار – وفق التميمي – تأثر الاحتياطي المالي العراقي بشكل مباشر بالظروف الاقتصادية العالمية وأسعار النفط، بالإضافة إلى الاستقرار الداخلي والإدارة المالية للدولة.
في خضم الارتفاع القياسي في احتياطيات العراق المالية، والتي تجاوزت عتبة الـ100 مليار دولار، يتزايد الجدل الشعبي والنيابي وحتى النخبوي حول مصير هذه الأموال، وسط دعوات متصاعدة لتأسيس صندوق سيادي يكون بمثابة أداة استراتيجية لاستثمار الفوائض المالية وحمايتها من الهدر وسوء الإدارة، على غرار تجارب دول نفطية نجحت في تحويل ثروتها إلى أصول مدرّة للعوائد على المدى البعيد.
لكن هذه الدعوات تصطدم بحقيقة مؤسسية مهمة أكدها مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، الدكتور مظهر محمد صالح، الذي أوضح أن العراق لا يمتلك صندوق ثروة سيادية يتبع للسياسة المالية.
وقال صالح خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز"، إن الاحتياطيات الأجنبية الحالية لا تُعدّ أموالاً سيادية للاستثمار العام، بل هي جزء من السياسة النقدية وتدار حصراً من قبل البنك المركزي العراقي.
وأضاف صالح أن هذه الاحتياطيات مخصصة لحماية سعر صرف الدينار ومواجهة التضخم، ولا يجوز استخدامها لتمويل مشاريع استثمارية أو تنموية، لأن هذا يقع ضمن صلاحيات الحكومة والموازنة العامة، وليس ضمن مهام البنك المركزي، الذي يعمل كجهة مستقلة بموجب قانونه الخاص.
يذكر أن الموازنة التشغيلية في العراق والتي تشمل رواتب الموظفين والمتقاعدين والرعاية الاجتماعية والبطاقة التموينية، تشكل حاليًا نحو 65% من إجمالي الموازنة العامة، وتكلف الرواتب فقط خزينة الدولة سنويًا ما يصل إلى 62 تريليون دينار "47 مليار دولار".
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام