لأكثر من شهرين تمارس الولايات المتحدة ضغوطًا على الهند لدفعها إلى تقليص وارداتها من النفط الروسي، غير أنّ نيودلهي على ما يبدو لم ترضخ بعد لتلك الضغوط. وقد تصاعدت المواجهة بين الهند وأمريكا إلى حد فرض رسوم جمركية جديدة، إذ قرّر الرئيس الأمريكي رفع التعرفة الجمركية على معظم السلع المستوردة من الهند من 25 إلى 50 في المئة، تنفيذًا لتهديده بمعاقبة أحد أكبر اقتصادات العالم بسبب شرائه النفط الروسي بأسعار منخفضة. ومع ذلك، حتى الآن، ترى الهند أن الجدوى الاقتصادية للنفط الروسي ما تزال تفوق الخسائر الناجمة عن زيادة الرسوم الأمريكية.
وتستهلك الهند نحو 4.7 ملايين برميل من النفط الخام يوميًا، يُغطَّى ما يقارب 40 في المئة منها عبر النفط الروسي منخفض السعر. وفي ردّها على ضغوط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أبلغت نيودلهي واشنطن بأنها مستعدة لتقليص مشترياتها من النفط الروسي، شرط أن يُسمح لها باستيراد النفط الإيراني أو الفنزويلي المخفَّض السعر كبديل.
ووفقًا لبيانات وزارة التجارة الهندية، دفعت المصافي الهندية في يوليو/تموز نحو 68.90 دولارًا للبرميل الواحد من النفط الخام الروسي، مقابل 77.50 دولارًا للنفط السعودي و74.20 دولارًا للنفط الأمريكي. وتجد الولايات المتحدة نفسها الآن في موقف حرج؛ فإذا رفضت اقتراح الهند، فإن تجارة النفط بين نيودلهي وموسكو ستستمر، وإذا قبلت به، فستؤدي النتيجة إلى زيادة صادرات النفط من فنزويلا وإيران، ما يُضعف سياسة «الضغوط القصوى» التي تتبعها واشنطن ضد البلدين. وفي ظل هذه المعادلة، يُتوقّع أن يطرح ترامب قريبًا مقترحًا آخر لتزويد الهند بالنفط، غير أن بعض الخبراء يرون أن تأمين نحو مليوني برميل يوميًا لا يمكن تحقيقه عبر مقترحات بديلة بسيطة.
وتُظهر الإحصاءات أن الهند، التي أوقفت استيراد النفط الإيراني منذ عام 2018 بسبب العقوبات، عادت مؤخرًا لتكون من زبائن النفط الإيراني. فقد بلغ إجمالي صادرات النفط الخام والمشتقات النفطية الإيرانية إلى الهند خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2025 نحو 205 ملايين دولار. كما أظهرت البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة التجارة والصناعة الهندية قبل أيام أن نيودلهي استوردت شحنة نفط خام من إيران بلغت قيمتها 111 مليون دولار.
ويأتي استئناف الهند لواردات النفط الإيراني في وقتٍ كانت فيه الصين، خلال سنوات العقوبات، الزبون الرئيس الوحيد للنفط الإيراني، فيما جعل تفعيل «آلية الزناد» وعودة العقوبات الدولية على طهران صادراتها النفطية أكثر تعقيدًا من ذي قبل. واليوم يرى بعض المراقبين أن الحرب التجارية الدائرة بين الولايات المتحدة وكلٍّ من الصين والهند، إلى جانب الإشارات الإيجابية من نيودلهي نحو سوق النفط الإيراني، تمثل بصيص أمل لقطاع النفط في إيران.
فعلى سبيل المثال، صرّح رضا سبهوند، عضو لجنة الطاقة في مجلس الشورى الإسلامي، بأن دولًا كبرى مثل روسيا وإيران والصين والهند وباكستان تقف الآن في صف واحد، الأمر الذي يجعل من تجاوز العقوبات أمرًا أسهل. وأضاف: «إن طلب الهند شراء النفط من إيران رغم علمها بعودة آلية الزناد، دليل على هذا الواقع. لا أعرف الرقم الدقيق للعرض الذي قدمته الهند لإيران، لكنه يُقدَّر بنحو 10 ملايين برميل سنويًا».
من جانبه، أوضح حميد حسيني، الرئيس السابق لاتحاد مصدّري المشتقات النفطية والبتروكيميائية، أن هناك مصافي هندية تمتلك فيها كل من روسيا والهند حصصًا مشتركة، وتُعد من أهم المصافي في البلاد. وكانت هذه المصافي تستورد النفط الثقيل من روسيا، بينما تعتمد في استيراد النفط الخفيف على السعودية والعراق. غير أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات على هذه المصافي، وبما أنها مدرجة أصلًا في قائمة العقوبات، فإنها لا تخشى شراء النفط الخفيف من إيران. وأضاف حسيني: «لهذا السبب، تمتلك إيران فرصة حقيقية لدخول سوق النفط الهندية. كما أن العقوبات الأممية المفروضة حاليًا تقتصر على المجالات المالية والمصرفية، ولم يفرض مجلس الأمن أي قيود على تصدير النفط».
في المقابل، يرى بعض الخبراء أن الهند لا يمكن اعتبارها منقذًا أو زبونًا مستقرًا للنفط الإيراني. ففي حديث لصحيفة «شرق»، قال آرش نجفي، رئيس لجنة الطاقة في غرفة التجارة، إن العراق وعُمان والسعودية والكويت، هي على الأرجح من ستلبّي احتياجات السوق النفطية، نظرًا لعلاقاتها الوثيقة وتعاونها الواسع مع الولايات المتحدة.
وأضاف نجفي أن التجارب السابقة أثبتت أن الهند لا تميل إلى الدخول في صدام مباشر مع واشنطن حول أي قضية. وأوضح قائلًا: «تحقق الهند سنويًا أكثر من 300 مليار دولار من عائدات الخدمات البرمجية والتقنية المقدمة إلى الولايات المتحدة، ولذلك فهي بالتأكيد لن تخاطر بهذه المصالح الضخمة مقابل صفقات نفطية لا تتجاوز قيمتها 20 إلى 30 مليار دولار. لذا لا ينبغي أن نُعلّق آمالًا كبيرة على التعاون النفطي مع الهند».
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام