توقع صندوق النقد الدولي أن يشهد سعر خام دبي، وهو معيار تسعير النفط الإيراني، انخفاضاً يقارب خمسة دولارات في عام 2026. ومع هذا التراجع، إذا استمرت الصادرات عند مستوى 1.4 مليون برميل يومياً، فإن الإيرادات السنوية لإيران قد تنخفض بنحو 1.7 مليار دولار، أي أقل من 8% من إجمالي العائدات. غير أن خبراء يرون أن التحدي الأساسي لا يكمن في انخفاض السعر، بل في الحفاظ على مستوى الصادرات وسط ضغوط العقوبات وأهمية الإبقاء على العلاقات مع المشترين التقليديين.
ووفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي، فإن سعر خام دبي الذي يُعد أساساً لتسعير النفط الإيراني في الأسواق العالمية سيتراجع من نحو 69 دولاراً في 2025 إلى نحو 64 دولاراً في 2026. ورغم أن هذا التراجع قد يخلق تحدياً محدوداً أمام تمويل الحكومات في الدول النفطية، إلا أن أثره على إيران يبقى أقل خطورة من مسألة حجم الصادرات.
وتشير البيانات إلى أنه في حال بقاء الصادرات الإيرانية مستقرة عند 1.4 مليون برميل يومياً حتى نهاية العام، فإن الانخفاض في الأسعار سيؤدي إلى تراجع العائدات النفطية بنحو 1.7 مليار دولار. لكن أي عودة إلى مستويات أقل في الصادرات ستفرض خسائر أكبر بكثير.
سناريوهات مختلفة للنفط الإيراني
وقالت صحيفة دنياي اقتصاد في تقرير لها، إن الانخفاض المتوقع في أسعار النفط يسلط الضوء مجدداً على مدى تأثر الاقتصاد الإيراني بتقلبات سوق الطاقة العالمية. وبحسب تقرير صندوق النقد الدولي، من المتوقع أن ينخفض سعر خام دبي، وهو المرجع لتسعير النفط المصدر من إيران، من نحو 69 دولاراً في عام 2025 إلى نحو 64 دولاراً في عام 2026. ويبدو أن هذا الانخفاض البالغ خمسة دولارات ليس كبيراً عند النظر إليه لأول مرة، ويعادل أقل من 8% من الإيرادات النفطية الإيرانية. وبمعنى آخر، فإن التحدي الرئيسي للحكومة الإيرانية لا يكمن في انخفاض الأسعار العالمية للنفط، بل في مستوى صادرات النفط والقيود المفروضة على الاقتصاد بسبب العقوبات. ومع ذلك، فإن حتى هذا التغير المحدود في الأسعار العالمية يمكن أن يؤدي، إذا استمرت الصادرات عند مستواها الحالي، إلى انخفاض الإيرادات النفطية السنوية بنحو 1.7 مليار دولار.
ويجب دراسة تأثير الانخفاض المحتمل في أسعار النفط في عام 2026 مع مراعاة سيناريوهات صادرات النفط الإيرانية. ووفقاً لبيانات مؤسسة كبلر الخاصة بتتبع شحنات النفط، تصدر إيران حالياً نحو 1.4 مليون برميل يومياً. وكان حجت الله ميرزائي، رئيس صندوق التقاعد الإيراني، قد أشار سابقاً إلى خصومات كبيرة على غالبية صادرات النفط الإيرانية. وبناءً على افتراض خصم أقصى قدره 30%، إذا استمرت صادرات النفط عند المستوى الحالي، ستصل الإيرادات النفطية للبلاد عند سعر 69 دولاراً للبرميل إلى نحو 24.3 مليار دولار في عام 2026، فيما ستتراجع إلى 22.6 مليار دولار إذا انخفض السعر إلى 64 دولاراً، أي انخفاض يبلغ نحو 1.7 مليار دولار فقط.
لكن إذا انخفضت الصادرات إلى 925 ألف برميل يومياً، فستصل الإيرادات السنوية عند سعر 64 دولاراً (مع احتساب الخصم المفترض) إلى نحو 14.9 مليار دولار، أي أقل بأكثر من 7 مليارات دولار مقارنة بالسيناريو الأول. وفي السيناريو الأسوأ، إذا تراجعت الصادرات إلى 450 ألف برميل يومياً، وهو المستوى الذي سجلته إيران في عام 2020 وفق بيانات صندوق النقد الدولي، ستنخفض الإيرادات إلى نحو 7.3 مليار دولار، أي أقل من ثلث الإيرادات في سيناريو الصادرات المستقرة عند 1.4 مليون برميل يومياً. وتوضح هذه المقارنة أن تأثير انخفاض الصادرات أكبر بكثير وأكثر حسمًا من تأثير انخفاض الأسعار العالمية.
نظرة إلى تجربة “الضغط الأقصى”
في عام 2018، ومع فرض سياسة “الضغط الأقصى”، هبطت صادرات النفط الإيراني إلى نحو 450 ألف برميل يومياً، ما أدى إلى انهيار الإيرادات النفطية. واضطرت الحكومة آنذاك إلى الاقتراض من البنك المركزي وطباعة النقود، وهو ما تسبب بارتفاع كبير في معدلات التضخم وانخفاض حاد في قيمة العملة الوطنية. لذا فإن التحدي الأساسي مستقبلاً ليس في انخفاض أسعار النفط العالمية بشكل نسبي، بل في مدى قدرة إيران على الحفاظ على مستوى الصادرات والوصول إلى الأسواق الدولية.
وعلى المستوى الكلي، يحتاج الاقتصاد الإيراني إلى إصلاحات هيكلية في الموازنة وتنويع مصادر الدخل. فالاعتماد المفرط على النفط يجعل أي صدمة سعرية أو تصديرية ذات آثار واسعة. تخفيف هذه التبعية يتطلب توسيع القاعدة الضريبية، وزيادة الإنتاجية، وتطوير الصادرات غير النفطية، وتحسين بيئة الأعمال. غير أن مثل هذه الإصلاحات تحتاج إلى إرادة سياسية وتخطيط طويل الأمد. وفي المدى القصير، يمكن لإدارة الموارد النفطية بذكاء وتقليص حجم التخفيضات السعرية أن تحد من أثر تقلبات الأسعار والصادرات.
ومن زاوية السياسات، هناك نقاط أساسية يجب مراعاتها. أولاً، التغير في أسعار النفط العالمية على المدى القصير أمر لا يمكن التحكم به، لذا ينبغي تصميم السياسة المالية بما يقلل الاعتماد على النفط ويحد من عجز الموازنة. ثانياً، جزء كبير من الضغوط على العائدات النفطية يأتي من العقوبات والتخفيضات السعرية المفروضة، وهو ما يستدعي تحركاً دبلوماسياً لتخفيف القيود وخفض المخاطر المرتبطة بالسياسة الخارجية. ثالثاً، لمواجهة آثار تراجع الإيرادات، ينبغي تفعيل أدوات مالية مثل السندات للحد من حاجة الحكومة إلى الاقتراض التضخمي من البنك المركزي.
وبناءً على ذلك، فإن مستقبل النفط الإيراني في 2026 يعتمد بدرجة أكبر على حجم الصادرات وقدرة طهران على تجاوز العقوبات أكثر مما يعتمد على تقلبات محدودة في الأسعار العالمية. فالتراجع بمقدار خمسة دولارات في سعر خام دبي يعادل خسارة 1.7 مليار دولار فقط في سيناريو التصدير المستقر، لكنه يبقى أقل خطورة بكثير من احتمال انخفاض الصادرات إلى أقل من مليون برميل يومياً، وهو ما قد يجر الاقتصاد إلى عجز أكبر، وضغوط على سوق الصرف، وتضخم أعلى، وانكماش اقتصادي أعمق.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام