إيران تعرض تطوير حقول الغاز في العراق

الاقتصاد نيوز — متابعة

يواجه العراق أزمة طاقة متصاعدة، وسط فجوة كبيرة بين الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي والاستهلاك الفعلي، إذ يستهلك البلد نحو 131 مليون قدم مكعبة يومياً بينما يصل إنتاجه المحلي إلى 82 مليون قدم مكعبة يومياً فقط، ويستورد من إيران نحو 50 مليون قدم مكعبة يومياً، وفق أحدث الأرقام الرسمية.

وفي هذا السياق، أكّد وكيل وزير النفط الإيراني حسين زادة، أمس الاثنين، استعداد بلاده للعمل على تطوير حقول الغاز في العراق، مشيراً إلى أن الحكومة العراقية هي التي تحدد مستقبل التعاون في هذا القطاع الحيوي في ظل الضغوط الدولية المستمرة.

وقال، في تصريح صحافي، إنه في ما يتعلق بقطاع الغاز ينبغي على العراق أن يتخذ القرار بشأن استمراره أو التأثر بالضغوط الدولية، موضحاً أن إيران، رغم حالة عدم التوازن التي سادت طوال السنوات الماضية، “كانت تمد يد العون للشعب العراقي”. وأضاف أنّ بلاده مستعدة للعمل داخل الأراضي العراقية لتطوير الحقول واستخراج الغاز، وهو ما من شأنه دعم ضخه إلى شركة الغاز العراقية الوطنية، مؤكداً أنّ “الاستثمار والمساعدة في هذا المجال مطروح منذ زيارة وزير النفط الإيراني محسن باك نجاد إلى بغداد”.

وتأتي هذه التصريحات بينما يعاني العراق من عجز يومي يهدد تشغيل محطات الكهرباء بشكل مستمر، خصوصاً بعد انتهاء صلاحية الإعفاءات الأميركية من العقوبات على استيراد الغاز الإيراني في مارس/ آذار 2025، في وقت يحتاج فيه البلد إلى نحو 50 ألف ميغاواط لتغطية حاجته الصيفية، في حين لا تنتج محطات الكهرباء سوى نحو 28 ألف ميغاواط فقط.

شراكات واسعة لتأمين الغاز

وفي السياق، أوضح مظهر محمد صالح، المستشار المالي لرئيس الحكومة العراقية، أنّ العراق يحافظ على علاقاته المتوازنة مع الجميع ويعمل وفقاً لمصالح الدولة بما يضمن سيادته الكاملة، مشدداً على أن من حقه التوجه للاستيراد من الطرف الأنسب بما لا يضر بمصالحه الاقتصادية ويعزز قدرته على تأمين الطاقة بشكل مستدام. وأفاد صالح، لـ”العربي الجديد”، بأن هناك خيارات عديدة، وأن صيف عام 2026 سيشهد تأمين منصة توفر الغاز الطبيعي لمحطات إنتاج الكهرباء في البلاد، مشيراً إلى أن هذا التطور يُعدّ تراجعاً عن خطط استيراد الغاز المسال التي كانت مقررة في صيف 2025 والتي أعلنتها حكومة بغداد في يوليو/ تموز الماضي.

وأضاف أنّ الحكومة تعمل على بناء شراكات أوسع لتأمين الغاز لمحطات الكهرباء واستكمال تجهيز المنصة العائمة، إلى جانب العمل على وجود منصة ثابتة لاستقبال الغاز المسال في ميناء الفاو الكبير، بما يحقق المرونة في تلبية احتياجات المحطات الغازية بشكل مستدام، وأكد أن العراق يعتزم البدء في استيراد الغاز المسال فور اكتمال تجهيز البنية التحتية في ميناء خور الزبير، والتي تشمل التعاقد على منصة عائمة للتفريغ والتخزين، وربطها بأنبوب بطول 40 كيلومتراً ينقل الغاز مباشرة إلى الشبكة الوطنية، لضمان وصول الغاز إلى المحطات بشكل مستمر وموثوق.

استثمار الغاز المصاحب في العراق

من جانب آخر، كشف وكيل وزارة النفط العراقية لشؤون الغاز عزت صابر إسماعيل عن تطور كبير في استثمار الغاز المصاحب في العراق، مؤكداً أن نسبة استثماره ارتفعت إلى 70% بعد أن كانت 50% فقط قبل ثلاث سنوات. وقال إسماعيل، في حديث صحافي على هامش منتدى بغداد الدولي للطاقة، السبت الماضي، إن السنوات الثلاث الماضية كانت نسبة استثمار الغاز العراقي المحروق فيها 50%، والآن 70%، أي تم استثمار أكثر من 20% من كل الغاز المحروق سابقاً.

وأضاف أن هذا التقدم ساهم في زيادة صادرات العراق من الغاز السائل، وتقليل استيرادات الدولة من الغاز الجاف، مؤكداً أن العراق يسير نحو استثمار كامل الغاز المصاحب في السنوات المقبلة، وفي نهاية العام 2029 سيكون كامل الغاز المصاحب المستهلك مسبقاً مستثمراً بالكامل وفقاً للخطة الخمسية، وأشار إلى التزام العراق باتفاقية وقّع عليها عام 2015 ضمن اتفاق باريس للمناخ، والتي تنص على إنهاء حرق الغاز المصاحب بشكل كامل بحلول عام 2030، لافتاً إلى أن كل نسبة مئوية من الغاز المستثمر تمثل إيرادات إضافية للدولة العراقية، لأن هذه الكميات لم تُحرق لسنة واحدة أو خمس سنوات فقط، بل هناك حقول كانت تحرق الغاز منذ 90 سنة.

سياسات “غير متوازنة”

من جهته، قال الخبير في مجال الطاقة محمد هورامي إن العراق كان يعاني خلال العقدين الماضيين من سياسات طاقة “غير متوازنة” انعكست بشكل مباشر على تدهور القطاع الكهربائي وزيادة الاعتماد على استيراد المشتقات النفطية، خصوصاً بعد السنوات الطويلة من التدهور الاقتصادي الذي أعقب حربي الخليج الأولى والثانية، وما رافقهما من تراجع الاستثمار في البنية التحتية للطاقة وتراجع إنتاج الغاز والنفط المحلي.

وأضاف هورامي، أن هذه السياسات قصيرة النظر، والاعتماد الكلي على الوقود الأحفوري جعل البلاد عرضة للأزمات المستمرة، خاصة مع محدودية الاستثمارات في الطاقة النظيفة والمتجددة، ما خلق فجوة كبيرة بين الطلب المحلي المتزايد للطاقة وبين الإنتاج المحلي المتاح. وفي ما يتعلق باستيراد الغاز الإيراني، تحدث هورامي عن أن العراق ينتظر حالياً موافقة وزارة الخزانة الأميركية، لأن استيراد الغاز من تركمانستان سيكون عبر خطوط الأنابيب الإيرانية.

وأشار إلى أن العراق “يمتلك اليوم فرصاً حقيقية لتصحيح المسار، وذلك من خلال استثمار التنوع الكبير في مصادر الطاقة، بما في ذلك الطاقة الشمسية المتاحة على مدار العام، والطاقة المائية والرياح في بعض المناطق، وهو ما يمكّن البلاد من السير في مسار مزدوج يجمع بين الوقود الأحفوري والطاقة النظيفة، مع خفض الاعتماد على الاستيراد وتحقيق أمن الطاقة بشكل مستدام”. وأكد هورامي أن العراق اليوم “أمام فرصة تاريخية ليصحح أخطاء العقدين الماضيين، ويستثمر ثرواته المتنوعة لمصلحة التنمية المستدامة، بعيداً عن التبعية والضغوط الخارجية، ليكون نموذجاً إقليمياً في الموازنة بين الطاقة التقليدية والمتجددة”.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 103
أضيف 2025/09/09 - 2:34 PM