طفرة في الإيرادات الضريبية بالعراق.. خطوة أولى على طريق إصلاح طويل

الاقتصاد نيوز — بغداد


في ظل التحديات الاقتصادية التي يواجهها العراق واعتماده شبه الكامل على عوائد النفط، برز ملف الإصلاح الضريبي كأحد أهم محاور الإصلاح المالي والاقتصادي للحكومة الحالية.

فبعد سنوات من التعقيد الإداري وضعف التحصيل وتفشي الفساد، أعلنت اللجنة العليا للإصلاح الضريبي تسجيل زيادة في الإيرادات الضريبية بنسبة 26% خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق، ما عُدّ منجزاً أولياً يعكس جدية التوجه نحو تنويع مصادر الدخل.

لكن في الوقت ذاته، يرى خبراء أن الطريق ما زال طويلاً، وأن ما تحقق حتى الآن يمثل بداية لمسار يتطلب إصلاحات قانونية وهيكلية أوسع لضمان بناء نظام ضريبي عادل ومستدام.

في وقت سابق من يوم أمس، أعلنت اللجنة العليا للإصلاح الضريبي في العراق، تسجيل زيادة في الإيرادات الضريبية بنسبة 26 بالمئة خلال 2024، مقارنة بعام 2023.

وقال رئيس اللجنة عبد الحسين العنبكي، إن "هذه الحكومة هي الأولى التي شكلت لجنة عليا لمتابعة تنفيذ الإصلاحات الضريبية"، مشيرا إلى أن "ما تحقق حاليا يمثل إصلاحا كاملا مقارنة بالسنوات السابقة".

وكان رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، قد أكد، في وقت سابق، أن قرار مجلس الوزراء (24074 لسنة 2024) وضع حزم الإصلاح الضريبي موضع التنفيذ، وتبعه تشكيل اللجنة العليا لمتابعة "الإصلاح الضريبي"، منوهاً بأن “جهودنا أثمرت عن اهتمام دولي من جانب المستثمرين الدوليين بالإصلاح الضريبي في العراق".

وأشار إلى أن “العوائد الضريبية ارتفعت في عام 2024 بنسبة (26%) عن العام الذي سبقه، وزيادة (3%) في النصف الأول من العام الحالي عن نفس الفترة للعام الماضي”، مبيناً أن “التحوّل الرقمي أسهم في تعزيز القدرة والدقة الضريبية”.

وبهذا الصدد، أكد مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية، مظهر صالح محمد، أن الزيادة التي تحققت بنسبة 26% في الإيرادات الضريبية المباشرة وغير المباشرة خلال العام الجاري تمثل "مؤشراً إيجابياً قصير الأمد ومنجزاً يستحق الترحاب"، مشيراً إلى أهميتها في دعم نجاح السياسة المالية للبلاد ضمن إطار الإصلاحات الجارية.

وأوضح صالح لـ"الاقتصاد نيوز"، أن المنهاج الحكومي يطمح إلى رفع نسبة الإيرادات غير النفطية لتصل إلى ما لا يقل عن 20% من إجمالي الإيرادات العامة في الموازنة، وذلك في إطار تنويع مصادر الدخل وتوسيع النشاطات الإنتاجية لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة.

وبيّن أن دلالة هذه الزيادة في الإيرادات ستكون أوسع وأكثر رسوخاً إذا ترافق ذلك مع مؤشرات بنيوية، من أبرزها ارتفاع نسبة الضرائب إلى الناتج المحلي الإجمالي، وتقلص فجوة الامتثال الضريبي بما يحقق مستويات التحصيل المخططة.

وأشار الى توسيع قاعدة المكلفين واحتواء الأسواق الرمادية والقنوات الضريبية غير الواضحة، وكذلك تطوير الإدارة الضريبية عبر الأتمتة وتبسيط الإجراءات وضمان حمايتها من الفساد.

وتطرق كذلك الى إصلاح القانون الضريبي نفسه ليتواءم مع متطلبات الإصلاح المالي الشامل.

وأكد صالح أن البرنامج الحكومي يسير بخطوات متسارعة وفاعلة في عملية الإصلاح المالي، مشدداً على أن هذه الجهود تمضي بشكل متواصل ودون توقف، ما يعزز الثقة بقدرة الدولة على إدارة مواردها بفعالية أكبر وتوجيهها نحو خدمة التنمية الوطنية.

ويشكّل النفط أكثر من 90% من الإيرادات العامة للعراق، ما جعل المالية العامة عرضة للتقلبات في أسعار الخام. ورغم أن الحكومات المتعاقبة تحدثت عن تنويع مصادر الدخل، فإن التنفيذ ظل محدوداً حتى 2022، حيث لم تتجاوز نسبة الإيرادات غير النفطية 7% من إجمالي الإيرادات.

ومع الإصلاحات الأخيرة، ارتفعت النسبة إلى 14% في 2024، وهو تحول يُنظر إليه كخطوة أولى على طريق طويل، بحسب رئيس الوزراء.

وبحسب لجنة الإصلاح الضريبي، فإن الإيرادات الضريبية سجلت زيادة بنسبة 26 بالمئة خلال العام الماضي (دون تحديد القيمة بالعملة المحلية أو الدولار)، قياسا مع عام 2023".

والسبت، قال عضو اللجنة العليا خالد الجابري، إن "نسبة النمو هذا العام، قد تصل إلى ما بين 30 و35 بالمئة، ما يعكس تعزيز الثقة بين الهيئة العامة للضرائب والمكلفين".
وأوضح الجابري أن هذه الثقة "بدأت تتبلور من خلال تسهيل إجراءات الأعمال، ما أدى إلى نمو تدريجي في الأنشطة الاقتصادية".

بدوره، أكد الخبير بالشأن الاقتصادي علي دعدوش، أن النظام الضريبي في البلاد ما يزال يواجه تحديات كبيرة مرتبطة بالتعقيد الإداري، وضعف التحصيل، وانتشار التسويات خارج الإطار القانوني، فضلاً عن الفساد.

وأضاف دعدوش خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز" أن الزيادة المسجلة في الإيرادات الضريبية بنسبة 26% خلال عام 2024 تعد خبراً إيجابياً، لكنها لا تكفي بمفردها للحكم على نجاح إصلاح هيكلي عميق أو إثبات اكتماله، معتبراً الحديث عن تحقيق إصلاح ضريبي بنسبة 100% في العراق "تعبير سياسي طموح أكثر منه توصيفاً مهنياً مكتمل الأركان".

وأوضح أن الإصلاح الضريبي المتكامل يستلزم في حده الأدنى حزمة مترابطة من العناصر، أبرزها إطار قانوني مستقر يشمل قانون إجراءات ضريبية موحّد، نظام اعتراضات فعّال، تنظيم واضح للإعفاءات، ومعالجة الثغرات القائمة، بالإضافة إلى إدارة ضريبية حديثة قائمة على المخاطر، من خلال التسجيل الشامل للمكلّفين، الفوترة الإلكترونية (e-invoicing)، التدقيقات المبنية على البيانات، تتبّع سلاسل التوريد، وربط كامل مع الجمارك والمنافذ الحدودية.

وأشار الى سياسات لتوسيع الوعاء الضريبي، وتقليص الاستثناءات، وإدخال ضرائب غير مباشرة حديثة مثل ضريبة القيمة المضافة عندما تتوافر البنية الملائمة، وكذلك مؤشرات أداء منشورة تُظهر مستويات التغطية، فجوة الامتثال، جودة الخدمة الضريبية، زمن الردّيات، وحجم المنازعات الضريبية.

وأكد دعدوش أن التصريحات الرسمية حتى الآن اقتصرت على الإعلان عن تشكيل لجنة عليا وحزم قرارات حكومية وتحسن في التحصيل وزيادة الإيرادات غير النفطية، لكنها لم تُرفق بـ"لوحة مؤشرات تفصيلية" تعكس جدية الإصلاح ودرجة اكتماله.

وأوضح أن مناهج المالية العامة تعتمد معايير واضحة لقياس فعالية النظام الضريبي، أهمها نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي غير النفطي، ونسبة الإيرادات الضريبية إلى إجمالي الإيرادات العامة مبيناً أن هذه النسب ما تزال "منخفضة جداً بل تكاد لا تُذكر".

وبين الباحث بالشأن الاقتصادي، أن الطريق نحو الإصلاح الضريبي الشامل لا يزال طويلاً، ويتطلب تعزيز هذه المؤشرات لتحقيق الهدف الأسمى المتمثل في بناء نظام مالي عادل ومستدام.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 1461
أضيف 2025/09/03 - 2:02 PM