أزمة الكهرباء تتفاقم.. إيران توقف التصدير والعراق يخسر آلاف الميغاواط 

الاقتصاد نيوز - بغداد

في ظل معاناة الشعب العراقي من أزمة الكهرباء التي رافقته طيلة الـ22 عاماً الماضية، تعود الأزمة إلى الواجهة من جديد هذا الصيف مع تراجع الإمدادات الإيرانية من الغاز والكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة.

فالعراق الذي يحتاج إلى أكثر من 55 ألف ميغاواط لتغطية الطلب المحلي، لا يملك سوى أقل من نصف هذه القدرة في أفضل الأحوال، الأمر الذي يضع ملايين المواطنين أمام صيف ملتهب بانقطاعات طويلة، ويزيد من الضغط على مؤسسات الدولة التي باتت مطالبة بخطوات جريئة تتجاوز الحلول الترقيعية، نحو استثمار الغاز المحلي والتوجه الفعلي إلى الطاقة المتجددة.

القرار الجديد المتمثل بـ قطع إيران صادراتها من الكهرباء إلى العراق، وتقليص تجهيزها من الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات الإنتاج يضع البلاد أمام عجز يتجاوز نصف حاجتها الفعلية من الطاقة، ويهدد بصيف أكثر ظلمة وحرارة لملايين المواطنين.

وفي وقت سابق، أعلن مسؤول في شركة الكهرباء الإيرانية أن واردات الكهرباء إلى إيران ارتفعت إلى أكثر من خمسة أضعاف حجم الصادرات، في محاولة للحد من عجز التيار الكهربائي خلال فصل الصيف، ولا سيما في أيام ذروة الاستهلاك، موضحاً أن الجزء الأكبر من هذه الواردات يهدف إلى الحفاظ على استقرار الشبكة وتلبية الطلب المحلي.

ونقلت وكالة إيسنا للأنباء عن محمد الله‌ داد قوله إن صادرات الكهرباء تراجعت بشكل حاد في الأشهر الأخيرة، مشيراً إلى أن التصدير الأساسي الذي كان يتم سابقاً إلى العراق بموجب عقود دولية توقف بالكامل حالياً، بينما يقتصر التصدير إلى أفغانستان على التزامات تعاقدية محدودة لا تقارن بحجم الواردات.

وأضاف نائب شؤون النقل والتجارة الخارجية في شركة الكهرباء الإيرانية أن جميع الإمكانات تُستخدم حالياً لزيادة واردات الكهرباء لتعويض العجز، موضحاً أن البلاد استوردت الليلة الماضية نحو 400 ميغاواط من الكهرباء مقابل تصدير 80 ميغاواط فقط.

الى ذلك، بينت لجنة النفط والطاقة النيابية، تأثير إيقاف إيران تصدير الكهرباء إلى العراق.

وقال عضو اللجنة باسم الغريباوي، إن العراق يعتمد يومياً على ما يقارب 50 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني لتشغيل محطات إنتاج الطاقة، وفي حال توقف هذه الكميات قد نخسر ما بين 6 إلى 7 آلاف ميغاواط من الإنتاج.

وأشار خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز" إلى أن الإنتاج المحلي في أفضل حالاته لا يتجاوز 29 ألف ميغاواط، بينما يتطلب العراق أكثر من 40 ألف ميغاواط لتغطية الحاجة الفعلية، ما يعني استمرار ساعات القطع وزيادة الضغط على المواطن خصوصاً في فصل الصيف.

وينتج العراق بحدود 28 ألف ميغاواط من الكهرباء، في حين أن الحاجة الفعلية للكهرباء في وقت الذروة، تصل حالياً إلى 50 ألف ميغاواط، بحسب ما ذكره مستشار رئيس الوزراء العراقي للسياسات المالية، مظهر محمد صالح، في مقابلة سابقة مع «إرم بزنس» مطلع ديسمبر الماضي.

ويشكل العراق مع روسيا وإيران والولايات المتحدة الدول ذات أكبر معدلات في حرق الغاز، فيما تنتج بغداد حالياً 3.122 مليار قدم مكعب من الغاز يومياً، وفق تصريحات سابقة لوكيل وزارة شؤون الغاز، عزت صابر.

وأشار الغريباوي الى، ان الحلول المؤقتة لم تعد كافية، وكان الأجدر بالوزارة التوجه مبكراً نحو مشاريع الطاقة المتجددة، وعلى رأسها الطاقة الشمسية، مبيناً أن المواطن العراقي اليوم بحاجة إلى دعم حكومي مباشر لتبني منظومات الطاقة الشمسية، سواء عبر القروض الميسرة أو الإعفاءات والدعم المالي.

وختم نغميش تصريحه بالتأكيد على أن المشكلة ليست في نقص الإنتاج فقط، بل في غياب القرارات الجريئة التي تضع حلولاً جذرية للأزمة، بعيداً عن الإجراءات الترقيعية أو الضغوط الخارجية.

وقبل أيام، غرقت بعض شوارع بغداد ومدن العراق الكبرى في الظلام خلال الأيام الماضية بسبب تعرض بلاد الرافدين لانقطاع شبه كامل للكهرباء؛ إذ لم يبق سوى أضواء السيارات المارة التي تضيء بعض الشوارع.

تزامن هذا مع ارتفاع درجات الحرارة خلال أيام الصيف القائظ حيث تقترب الحرارة من 50 درجة مئوية في بغداد خلال انقطاع الكهرباء.

بدوره، حذّر خبير النفط والطاقة كوفيند شيرواني من تفاقم أزمة الكهرباء في العراق نتيجة تراجع تجهيز الغاز الإيراني وانخفاض الإمدادات الكهربائية المستوردة من طهران، مؤكداً أن العجز في الطاقة سيصل إلى مستويات حرجة تتجاوز نصف حاجة البلاد الفعلية.

وأوضح شيرواني خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز" أن العقد المبرم بين العراق وإيران كان ينص على تجهيز 50 مليون متر مكعب يومياً من الغاز، إلا أن الكمية انخفضت إلى 20 مليون متر مكعب فقط بسبب حاجة إيران الداخلية، ما أدى إلى تراجع القدرات التوليدية بنحو 4000 ميغاواط.

ومنذ أواخر أكتوبر الماضي، تراجعت إمدادات الغاز من إيران، إلى العراق، وحمل ذلك تأثيرات متزايدة على قطاع الطاقة، مما دفع بغداد للبحث عن بديل.

وكشف وزير الكهرباء، زياد فاضل، في تصريحات صحفية نشرت في حينه، أن الاتفاق مع الجانب الإيراني الخاص بتوريد الغاز، ويمتد على مدار 5 سنوات، يتضمن تزويد بغداد بـ50 مليوناً م3 يومياً.

لكن كمية الغاز التي وصلت البلاد في ذلك الوقت، بلغت 15 مليوناً فقط، وفق فاضل الذي أضاف: "الفارق بين ما هو مفترض وما يصلنا حالياً أدى إلى خسارة 7 آلاف ميغاواط من الطاقة.

وأضاف خبير النفط والطاقة، أن العراق خسر أيضاً 1000 ميغاواط من الكهرباء المستوردة، ما يعني أن إجمالي النقص سيبلغ حوالي 5000 ميغاواط من أصل 28 ألف ميغاواط متاحة، في حين أن حاجة البلاد الفعلية تتجاوز 55 ألف ميغاواط، مشدداً على أن العجز أصبح يتخطى 50% من حجم الطلب.

وأشار شيرواني إلى ضرورة تحرك وزارة الكهرباء والحكومة العراقية بشكل عاجل لإيجاد بدائل، من بينها الاستيراد السريع للغاز المسال من الخليج وقطر، إلى جانب تسريع استثمارات الغاز الطبيعي داخل العراق، وإنشاء مشاريع للطاقة الشمسية لتعويض النقص.

وفيما يتعلق بالعقوبات الأمريكية، أوضح الخبير أن الطائرات الأمريكية تفرض قيوداً صارمة على التعاملات المالية الخاصة بدفع مستحقات الغاز والكهرباء إلى إيران، مبيناً أن الاستثناءات الممنوحة للعراق انتهت في آذار الماضي. لكنه أشار إلى أن استمرار تدفق الغاز والكهرباء قد يكون نتيجة تغاضٍ أمريكي لأسباب إنسانية، أو لعدم الرغبة في ممارسة ضغوط إضافية على الحكومة العراقية التي تواجه تحدياً كبيراً في تأمين الطاقة.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 181
أضيف 2025/08/17 - 10:32 AM