في خطوة إصلاحية كبرى تهدف إلى إعادة ضبط السوق العراقية ومواجهة التهريب الجمركي، أطلقت الحكومة، نظام "التتبع الإلزامي" للسلع، في مرحلة أولى تشمل السجائر والسلع الكهربائية.
ويمثل هذا التوجه تحولاً نوعيًا في المنظومة الكمركية والضريبية للبلاد، ويندرج ضمن التزامات العراق تجاه الاتفاقيات الدولية وبرنامج التحول الرقمي الحكومي.
وكانت وزارة التخطيط قد أعلنت رسميًا عن بدء تطبيق النظام، عبر بيان صدر عن الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية، مشيرة إلى أن القرار يستند إلى توصية المجلس الوزاري للاقتصاد رقم (230339 ق) لسنة 2023، وينص على إلزام الموردين والمستوردين بتطبيق التتبع الإلزامي على السلع الكهربائية والسجائر، بشرط الحصول على شهادة الفحص المسبق وعلامة الجودة العراقية، مع تثبيت الشفرة الشريطية على المنتجات.
وبحسب الوزارة، دخل القرار حيز التنفيذ بدءاً من 1 تموز 2024 بالنسبة للبضائع التي وردت في إعلان الجهاز رقم 15 لسنة 2024، على أن يمنع دخول أي سلعة لا تحمل علامة الجودة العراقية بعد 15 أيلول 2025.
وبهذا الصدد، يرى مظهر محمد صالح، مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، أن نظام التتبع الإلزامي يمثل آلية رقمية متطورة ستمكن السلطات من مراقبة حركة السلع، وتحقيق الشفافية في فرض الرسوم والضرائب، وتقليص التهرب الجمركي والضريبي، لا سيما في ما يخص المنتجات عالية التهريب مثل السجائر والأجهزة الكهربائية".
وتزخر الأسواق العراقية بعشرات الأنواع من السجائر التي تدخل البلاد بشتى أنواع الطرق الرسمية وغير الرسمية، ويشير العديد من المراقبين إلى أن غالبية هذه السجائر غير خاضعة للفحص والسيطرة النوعية للتأكد من جودتها ودول المنشأ ومدى مطابقتها لشروط السلامية الصحية.
وتشير تقارير إلى أن العراقيين ينفقون يوميا ما يزيد على مليون دولار لشراء السجائر، في وقت تحاول فيه الجهات المختصة السيطرة على دخولها وتقنينها من خلال زيادة الضرائب والتعريفات الجمركية.
وخلال حديثه لـ”الاقتصاد نيوز"، قال صالح، إن "السكائر تُعد من أكثر المواد عرضة للتهريب، بسبب صغر حجمها وربحيتها العالية، ما يؤدي إلى خسائر كبيرة في الإيرادات غير النفطية، فيما تمثل السلع الكهربائية فئة أخرى عرضة للتلاعب، بسبب ارتفاع قيمتها وخضوعها أحياناً لإعفاءات أو دعم حكومي، وهو ما يجعلها هدفاً لعمليات التهريب والتلاعب بالفواتير".
وشدد صالح على أن النظام الجديد سيمكن الجهات الرقابية من تتبع كل سلعة داخل السوق، وضمان إخضاعها للرسوم والضرائب وفقاً للقانون، ما يعزز العدالة الضريبية ويقلل من الفساد والمنافسة غير العادلة، مضيفاً أن هذا الإجراء يصب في مسار الحوكمة الإلكترونية، ويدعم مشروع الجباية الإلكترونية ضمن البرنامج الحكومي.
ولفت إلى أن النظام يتماشى مع المعايير الدولية، ومنها اتفاقية FCTC لمكافحة التبغ، التي تنص على إلزام الدول بوضع نظام تتبع وتعقب لمنتجات التبغ حتى وصولها إلى المستهلك، مؤكداً أن العراق ملتزم بهذه الاتفاقية، وخاصة في مادتها 15 التي تنص على “اعتماد تدابير فعالة للقضاء على التجارة غير المشروعة بمنتجات التبغ”.
واختتم صالح حديثه بالقول إن النظام الجديد سيحقق أهدافاً متعددة: من تعزيز الإيرادات غير النفطية، إلى ضبط السوق، وتقليل تهريب السلع المغشوشة، وتوفير حماية للمستهلك، مؤكداً أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في طريق تنظيم الاقتصاد العراقي وتحديث آليات عمله.
وأصدرت وزارة المالية في 25 أبريل/نيسان 2021 كتابا تضمن فرض الضرائب على السجائر المستوردة بنسبة 100% وعلى المشروبات الكحولية بنسبة 200%.
بالمقابل، يستعد إقليم كردستان لتطبيق إجراءات إصلاحية جديدة في النظام الكمركي، في إطار خطة شاملة تنفذها الحكومة الاتحادية لضبط الحدود وتعزيز الإيرادات غير النفطية، وذلك بحسب ما أكده الخبير بالشأن الاقتصادي مصطفى حنتوش.
وقال حنتوش في حديث لـ"الاقتصاد نيوز"، إن "من بين أبرز الخطوات التي سيتم تطبيقها في العراق هي نظام التصريح المسبق، الذي سيدخل حيز التنفيذ في 1 كانون الأول المقبل، وينص على أن التاجر ملزم بإبلاغ الكمارك مسبقًا عن المبالغ التي سيتم تحويلها مقابل البضائع المستوردة، وهو ما سيساهم في ضبط التسعير ومنع التحايل".
وأضاف أن "هذه الإجراءات تشمل كذلك نظام الأسكودا وعمليات المطابقة الكمركية، والتي تمثل سلسلة مترابطة من الإصلاحات تهدف إلى تقليص التهريب، لا سيما عبر منافذ الإقليم التي طالما شكلت ممرًا لدخول البضائع دون رقابة مركزية".
وأشار حنتوش إلى أن "نجاح هذه الخطوات في المنافذ الرسمية سيشكل تحولًا مهمًا في منظومة الإيرادات العامة للدولة، لكنه شدد على ضرورة أن ترافقها مرونة إدارية وتشغيلية، لتفادي تعقيد الإجراءات على التاجر وتقليل التأثير على السوق".
وتابع قائلاً: "بعض السلع، وخاصة الأجهزة الكهربائية، تدخل إلى البلاد من دون مرور بالسلسلة الرسمية للتوريد، مما يسبب اختلالًا في الأسعار والتكلفة النهائية، لذلك من الضروري أن يتم وضع نظام خاص لمراقبة تلك المواد المهربة، وتحديد سلسلة التوريد بشكل واضح”.
بين توجه الحكومة الاتحادية لتوسيع القاعدة الضريبية، وتأكيد الخبراء على ضرورة ضمان الشفافية والمرونة، يبدو أن نظام التتبع الإلزامي سيكون حجر الزاوية في إصلاح النظام الجمركي في العراق، بشرط نجاح تنفيذه على الأرض. فبينما يُعوَّل عليه لرفع الإيرادات غير النفطية وتنظيم السوق، تبقى قدرته على التأثير مرهونة بالتنسيق بين الحكومة المركزية، وإقليم كردستان، والقطاع الخاص، لتحقيق أهدافه دون أن يُثقل كاهل المستهلك أو يعوق حركة التجارة.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام