تواجه الصناعة الفرنسية، المحرك الرئيسي لثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، تحديات وجودية تهدد مكانتها العالمية، فارتفاع أسعار الطاقة، مدفوعاً بأزمة الطاقة العالمية، يضغط بقوة على هامش الربح للشركات المصنعة، مما يجبرها على تقليص الإنتاج وتسريح العمال.
هذه الضربة القوية تزيد من حدة المنافسة الشرسة التي تواجهها الصناعة الفرنسية من الاقتصادات الناشئة، وعلى رأسها الصين، والتي تتمتع بتكاليف إنتاج أقل وتكنولوجيا متطورة، مما يثير تساؤلات جدية حول مستقبل الصناعة الفرنسية، وهل ستتمكن من الحفاظ على مكانتها كقوة صناعية في أوروبا، أم ستدفع بها إلى الركود الاقتصادي؟
وانخفض إنتاج المصنعين الفرنسيين في سبتمبر مما يهدد بنهاية قاتمة للعام الجاري بالنسبة لقطاع التصنيع الفرنسي والأوروبي على وجه العموم والذي يعاني من فواتير الطاقة المرتفعة والمنافسة الشديدة من الصين، بحسب تقرير نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" واطلعت عليه سكاي نيوز عربية".
وأظهرت بيانات وكالة الإحصاء الفرنسية (إنسي) أن إنتاج السلع انخفض بنسبة 0.8 بالمئة على أساس شهري. وكان هذا انخفاضاً أشد من توقعات خبراء الاقتصاد، وفقاً لاستطلاع أجرته الصحيفة الأميركية.
وقال الخبير الاقتصادي كلاوس فيستسن، من معهد الاستشارات "بانتيون ماكرو إيكونوميك" "كان الأداء الصناعي في فرنسا ضعيفاً خلال شهر سبتمبر، ومن المرجح أنه سيزداد سوءاً في بداية الربع الأخير من العام الجاري".
وأشار التقرير إلى أن صناعة السيارات الأوروبية تعاني من زيادة المنافسة من الخارج، ولا سيما الصين، حيث ينتقل القطاع إلى مستقبل يركز على السيارات الكهربائية، والتي تهيمن عليها الصين. وقالت شركة ميشلان الفرنسية لصناعة الإطارات: "إنها ستغلق مصنعين"، وقالت شركة شافلر الألمانية الموردة للسيارات أيضاً: "إنها ستقلل العمليات في بعض مصانعها، مما يدفعها لتسريها أكثر من 5000 عامل.
في حين ذكرت نقابة عمال فولكس واجن، أكبر شركة صناعة سيارات في أوروبا، الشهر الماضي إن الشركة ستغلق ثلاثة مصانع في ألمانيا وتخفض عدد العمال بعشرات الآلاف. ولم تؤكد فولكس واجن هذه الخطط لكنها قالت إنها تهدف إلى خفض تكاليف العمالة وضمان استدامة أعمالها على المدى الطويل.
وأوضح التقرير أنه على الرغم من استقرار أسعار الطاقة منذ أزمة روسيا وأوكرانيا في عام 2022 التي دفعتها للارتفاع الصاروخي، إلا أنه لا تزال بعض الصناعات كثيفة الاستخدام للطاقة تدفع تكاليف أعلى في العقود الموقعة في عامي 2022 و2023، ذروة الأزمة، كما تؤثر تكاليف الطاقة المرتفعة على الشركات المصنعة التي تستهلك الكثير من الطاقة، مثل صانعي الصلب والزجاج والورق، لافتاً إلى أن هذه التكاليف تشكل عباً كبيراً على هذه الصناعات، وتؤثر بشكل مباشر على أرباح الشركات المصنعة.
كما أن الصادرات المتراجعة لا تزال مشكلة كبيرة بالنسبة للمصنعين الفرنسيين، إذ سجلت المبيعات في أكتوبر الماضي أسرع انخفاض في الطلبات الدولية على الإطلاق، وفقاً لاستطلاعات "ستاندرد آند بورز غلوبال".
وقال طارق كمال شودري الاقتصادي في بنك هامبورغ التجاري: "انخفضت مؤشرات أحجام الطلبات، وخاصة من العملاء الدوليين، إلى مستويات مقلقة، فالتقارير تشير إلى أن التوترات الجيوسياسية وتباطؤ الاقتصاد العالمي يؤثران بشدة على المبيعات الدولية، لا يزال قطاع التصنيع الفرنسي غارقاً في أزمة عميقة".
وأضاف شودري: "تقوم الشركات بتقليص قوى العمل الخاصة بها وأصبحت أكثر تشاؤماً بشأن العام المقبل".
وسجل الاقتصاد الفرنسي واقتصاد منطقة اليورو نمواً أسرع قليلاً من المتوقع بين يوليو وسبتمبر الماضيين مدفوعاً بالإنفاق في الألعاب الأولمبية والبارالمبية في باريس. لكن مع تلاشي هذه الهالة في الربع الأخير من المتوقع أن يسجل ثاني أكبر عضو في منطقة اليورو نمواً ضعيفاً في أفضل الأحوال، حيث يتوقع الاقتصاديون أن يؤدي الركود شبه الكامل إلى تقليل آمال فرنسا في هبوط سلس من أزمة التضخم في السنوات الأخيرة، حيث يساهم الضغط المالي في كبح الاستثمار، طبقاً لما ذكره تقرير الصحيفة الأميركية.
ونما اقتصاد فرنسا في الربع الثالث من العام الجاري بنسبة 0.4 بالمئة، وهو ما يتماشى مع التوقعات التي قدمها المعهد الوطني للإحصاء والدراسات الاقتصادية في سبتمبر عندما قلص توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الفرنسي في الربع الثالث إلى 0.4 بالمئة من 0.5 بالمئة سابقاً.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبد الله الشناوي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الزقازيق: "يعاني قطاع التصنيع الفرنسي من تفاقم التباطؤ في الوقت الذي تفرض فيه التكاليف المتزايدة تحديات إضافية، حيث يحتاج القطاع إلى استكشاف حلول مبتكرة لتحسين استهلاكه للطاقة، بل ويمثل ذلك أولوية رئيسية وبذلك تتاح الفرصة لتقليص استهلاك الطاقة مع تقليص تكاليفها إلى أدنى حد".