البلوك تشين العمود الفقري للعملات الرقمية

مهدي حنون العلاق 

تعني كلمة Blockchain سلسلة الكتل ، وهو دفتر أستاذ رقمي تُسجِل فيه المعاملات عبر الإنترنت ويُعد قاعدة البيانات الأساسية ونظام الأرشفة الرقمي للعملات المشفرة مثل البيتكوين التي كانت العملة الأولى التي تنظم ضمن إطاره، يعمل البلوك تشين على سلامة العملة المشفرة عن طريق تشفير المعاملات والتحقق من صحتها وتسجيلها بشكل دائم ،فهو يشبه دفتر الأستاذ المصرفي، ولكنه مفتوح ويمكن الوصول إليه من مستخدمي العملة المشفرة ،إذ يتم فيه تخزين جميع المعاملات ويستطيع أي شخص رؤية هذه المعاملات وهو سبب ظهور العملات المشفرة فهذا الابتكار يضمن دقة وأمن سجل البيانات ويولِد الثقة دون الحاجة إلى طرف ثالث موثوق به (بنك).
إضافة إلى موقعه في سياق العملة المشفرة ، فالبلوك تشين يتم استخدامه لمعالجة المعاملات بالعملة الورقية مثل الدولار واليورو ، وله القدرة على إرسال الأموال بسرعة تفوق المصارف والمؤسسات المالية ومعالجة المعاملات خارج أوقات العمل، أو نقل سند ملكية دون تقديم الأوراق يدوياً لتحديث السجلات الحكومية إذ يتم تحديثه في اللحظة والتو ، كما إن هناك ابتكاراً آخر للبلوكشين هو "العقود ذاتية التنفيذ" أو ما تسمى عادة بـ" العقود الذكية " إذ يتم تطبيق هذه العقود الرقمية تلقائياً بمجرد استيفاء الشروط المحددة ، على سبيل المثال قد يتم إطلاق مبلغ من المال مقابل سلعة على الفور، و بمجرد استيفاء المشتري والبائع لجميع الشروط المحددة للصفقة يمكن للعقد القانوني الذكي المشفر بشكل صحيح أن يقلل، أو يلغي الحاجة إلى أطراف خارجية ثالثة للتحقق من العملية ، كما يبحث الخبراء عن طرق لتطبيق البلوك تشين لمنع الاحتيال في التصويت خلال الانتخابات والذي سيزيل الحاجة إلى قيام الأشخاص بجمع بطاقات الاقتراع الورقية والتحقق منها يدوياً.
تأخذ الأصول المتداولة في Blockchain شكلين ، الأول ملموس كـ (منزل أو سيارة أو نقد أو أرض) أو غير ملموس كـ ( ملكية فكرية أو براءات اختراع أو حقوق نشر أو علامات تجارية ) ويمكن لأي شيء ذي قيمة تداوله على شبكة البلوك تشين، مما يقلل من المخاطر ويخفض التكاليف لجميع المعنيين بما في ذلك تكاليف " الامتثال " .
ولتوضيح ذلك بمثال بسيط ، لو فرضنا إن شركة ما تمتلك 10,000 جهاز كمبيوتر تستخدمها للحفاظ على 44 قاعدة بيانات تحتوي على جميع معلومات حساب زبائنها وموظفيها وتخزن أجهزتها في مستودع يضم جميع أجهزة الكمبيوتر تحت سقف واحد ولديها السيطرة الكاملة على كل جهاز من تلك الأجهزة ومعلوماتها ومع ذلك، قد يحدث فشل كانقطاع الكهرباء أو قطع الإتصال بالأنترنت أو حدوث حريق او قيام مستخدم سيء بمحو كل شيء بضغطة واحدة فهذا يسبب فقدان البيانات أو تلفها.
لذا ما تفعله البلوك تشين هو السماح بنشر البيانات الموجودة في قاعدة البيانات بين العديد من عقد الشبكة في مواقع مختلفة ، هذه الخطوة لا تنسخ العملية فحسب، بل تحافظ أيضاً على دقة البيانات المخزونة - فإذا حاول شخص ما تغيير سجل في مكان واحد من قاعدة البيانات، فلن يتم تغيير العُقد الأخرى وبالتالي سيمنع أي عمل تخريبي في البيانات فإذا عبث مستخدم واحد بسجل معاملات البيتكوين فإن جميع العقد الأخرى ستراجع بعضها البعض ويتم تحديد العقدة ذات المعلومات غير الصحيحة أي بمعنى إن غالبية العقد تؤكد على التحقق من شرعية البيانات الجديدة وتأكيدها قبل إضافة كتلة جديدة إلى دفتر الأستاذ ،مما يساعد النظام على إنشاء ترتيب دقيق وشفاف للمعاملات إذ يصعب إجراء تغيير في المعلومات.

يوجد نوعان من البلوك تشين ، أحدهما هو العام (Public Blockchains) 
والآخر هو الخاص (Private Blockchains)
ففي العام ، يمكن لأي شخص قراءة أو كتابة أو تدقيق البيانات الموجودة على سلسلة العقد، كما أنه من الصعب جداً تغيير المعاملات التي تم تسجيلها البلوك تشين العام.
أما في الخاص فيتم التحكم في البيانات من منظمة أو مجموعة تقرر من المدعو للدخول للنظام ولديها التحكم في تغييره.
عيوب البلوك تشين 
بالنظر إلى أن البلوكشين يعتمد على شبكة أكبر للموافقة على المعاملات، فهناك حد لمدى سرعة تحركها ،على سبيل المثال يمكن للبيتكوين معالجة 4.6 معاملة فقط في الثانية مقابل 1700 معاملة في الثانية باستخدام Visa. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي الأعداد المتزايدة من المعاملات إلى حدوث مشكلات في سرعة الشبكة ، لذا يُعد تحدٍ كبير في حال عدم تحسينه مستقبلاً .
هناك عيب آخر من الممكن الإشارة إليه ، يتمثل بأن تأمين بعض الأصول الرقمية يتم باستخدام مفتاح تشفير، مثل العملة المشفرة في محفظة البلوك تشين ، مما يدعو إلى مراقبة شديدة لمفتاح التشفير، فعند فقدان مالك الأصل الرقمي مفتاح التشفير الخاص به والذي يمنحه إمكانية الوصول إلى أصوله ، فلن يتمكن من استرجاعه نهائياً ، لأن النظام لامركزي، فلا يمكنك الاتصال بسلطة مركزية ( البنك مثلاً )الذي تتعامل معه، لطلب استعادة الوصول.
كما أن اللامركزية وتوسع الخصوصية والسرية تجذب المجرمين ،فمن الصعب تتبع المعاملات غير القانونية على هذا النظام ، وينحصر اليوم الاستخدام الأكثر شيوعاً للبلوك تشين في العملات المشفرة فهو الأرضية الخصبة لها، مثل البيتكوين و الإيثيريوم وغيرها من العملات، فعند تبادل العملات المشفرة أو إنفاقها يتم تسجيل المعاملات على البلوك تشين ، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يستخدمون العملة المشفرة، كلما أصبحت هذه التقنية أكثر انتشاراً.
تعلقاً بما سبق وضمن إيضاح بعض المفاهيم الرقمية ، فإن العملات المشفرة هي شكل من أشكال العملة الرقمية (الإلكترونية) التي يمكن استخدامها للتحقق من نقل الأصول والتحكم في إضافة وحدات جديدة وتأمين المعاملات المالية باستخدام التشفير والتي لا تخضع لإي سيطرة مركزية .
وهناك العديد من العملات المشفرة المتاحة في السوق ومن أكثرها شعبية كل من ( بيتكوين، الإيثيريوم، تيذر ، باينس..إلخ)
وسيتم تسليط الأضواء هنا على البيتكوين والايثيريوم لكونهما العملتين الأكثر انتشاراً في الوقت الحالي. 
يتشابه البيتكون والإيثيريوم في نواحٍ عدة فكل منهما عملة رقمية يتم تداولها عبر الإنترنت بشكل لا مركزي، ما يعني عدم إصدارهما أو تنظيمهما من بنك مركزي أو سلطة أخرى، وكلاهما يستخدم تقنية دفتر الأستاذ الموزع البلوك تشين ( كما أسلفنا ) في المعاملات والتداولات ، وكان القصد من إيثر أن يكمل البيتكوين بدلاً من أن ينافسه ، لكنه برز منافساً في بورصات العملات المشفرة ، تتم مقارنة البيتكوين بالذهب الرقمي لأنها كانت أول عملة معماة وأكبرها بقيمة سوقية تتجاوز 1 تريليون دولار، في حين أن العرض المحدود (الحد الأقصى لعدد عملات البيتكوين التي يمكن تعدينها هو 21 مليون)، وتتم مقارنة Ethereum بالفضة الرقمية لأنها ثاني أكبر عملة مشفرة من حيث القيمة السوقية.
تم إطلاق عملة الـبيتكوين في يناير 2009، وقد قدمت فكرة جديدة تم وضعها في ورقة بيضاء من قبل شخص غامض يدعى Satoshi Nakamoto (ساتوشي ناكاموتو) وهو الاسم المستعار الذي صاغ الورقة البيضاء الأصلية للبيتكوين وهي الهوية التي يُنسب إليها اختراع هذه العملة، بينما ادعى العديد من الأشخاص أنهم ساتوشي، وإلى الان لم يتم التحقق من الهوية الحقيقية أو الكشف عنها ! .
ساهمت هذه العملة في ظهور شكل جديد من النقود الرقمية تعمل خارج سيطرة أي حكومة أو شركة ،على الرغم من أن عملة البيتكوين لم تكن العملة الرقمية الأولى عبر الإنترنت، إلا أنها كانت الأكثر نجاحاً في جهودها، وقد عُرفت بأنها المرجع لجميع العملات المشفرة التي تم تطويرها على مدار العقد الماضي ،والتي لاقت اعتمادية في شركات عالمية كبرى مثل AT&T و Microsoft وNike و Starbucks وبعض تجار السيارات وشركة التأمين السويسرية AXA.
يشتري بعض الأشخاص بيتكوين لرغبتهم في خزنها في مكان آخر غير البنك، أما البعض الآخر فيقوم بشرائها لاستثمارها معتقدين إن سعرها سيكون أكثر من الآن بعد بضعة أشهر أو سنوات ، إذ تبلغ قيمة البيتكوين الواحد نحو (39) ألف دولار أمريكي.
أما الـ إثيريوم فهي ثاني أكثر عملة رقمية شيوعاً  من حيث القيمة السوقية ،و تم إطلاقها يوليو 2015 بقيمة أقل من 3$ وهي أكبر منصة برمجيات لامركزية مفتوحة العضوية وايضاً تتيح نشر العقود الذكية والتطبيقات اللامركزية (Decentralized application)  إذ تم بناؤها وتشغيلها دون أي توقف أو احتيال أو تحكم أو تدخل من طرف ثالث ، والتي لاقت اعتمادية أيضاً في شركة المحاماة البريطانية Gunnecooke وشركة صناعة الرقائق في مايكروسوفت AMD.
وينحصر استخدام "إيثر" بفقرتين الأولى تداولها كعملة رقمية في البورصات بنفس طريقة تداول العملات المشفرة الأخرى، الثانية استخدامها من الأشخاص في جميع أنحاء العالم ETH لإجراء المدفوعات،أو مخزناً للقيمة، أو ضماناً، إذ تبلغ قيمة الإيثيروم الواحد نحو(2630)دولاراً .
أما الاختلاف بين العملتين سالفتي الذكر فيتعلق بالأهداف العامة، إذ تم إنشاء عملة البيتكوين كبديل للعملات الوطنية وبالتالي تطمح إلى أن تكون وسيطاً للتبادل ومخزناً للقيمة،أما الهدف من  الإيثيريومفهو  أن تكون منصة لتسهيل العقود والتطبيقات غير القابلة للتغيير والبرمجة من خلال عملتها الخاصة.
فيما يتعلق في التوسع ، ينمو نظام  إيثيريوم بشكل متواصل بفضل الشعبية المتزايدة للتطبيق اللامركزي dApps في مجالات عدة مثل (التمويل اللامركزي) والفنون، والألعاب والتكنولوجيا، وقد مكن هذا ETH من زيادة في الطلب إلى ما نسبته 510٪ في نوفمبر 2021، مقارنة مع مكاسب بنسبة 93٪ لـ BTC، نتيجة لذلك فأن القيمة السوقية لـ ETH كانت 528 في يناير 2020 والتي تمتلك حصة سوقية تبلغ %23.4، بينما كانت القيمة لـ BTC البالغة 1.08 تريليون دولار منذ نوفمبر وهو ما يمثل نحو 48٪ من إجمالي سوق العملات المشفرة والتي بلغت قيمتها السوقية ما يزيد عن 2.25 تريليون دولار ، أما حسب آخر تقرير في شهر آذار الحالي فقد بلغت القيمة السوقية للبيتكوين أكثر من 750$ ملياراً  أما الإيثيريوم فقد بلغت أكثر من 320$ مليار دولار.
وختاماً من الممكن طرح بعض التساؤلات التي يُمكن أن تُحدد إجابتها في المستقبل القريب أو البعيد :
- هل سنرى توسعاً للبلوك تشين مستقبلاً ولاسيما في محيطنا العربي؟
- هل هناك مؤشرات لاعتمادية العملات الرقمية؟ 
- هل ستزول باقي العملات الأقل شعبية مستقبلاً؟  
- هل إن تشديد البنوك المركزية لسياساتها النقدية سيؤثر على حجم تداولات العملات الرقمية؟


مشاهدات 1569
أضيف 2022/03/07 - 8:07 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 11825 الشهر 65535 الكلي 7637081
الوقت الآن
الخميس 2024/3/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير