تلعب كل من السياسة المالية والنقدية دوراً كبيراً في إدارة الاقتصاد ولكل منهما تأثيرات مباشرة وغير مباشرة على الشؤون المالية الشخصية والعامة. تتضمن السياسة المالية قرارات الضرائب وايرادات الدولة والإنفاق التي تحددها الحكومة، وتؤثر على كمية الضرائب التي يدفعها الافراد والشركات وإمكانية توفير فرص العمل في المشاريع الحكومية.
ما هي السياسة المالية؟
تشير السياسة المالية إلى استخدام الإنفاق الحكومي والسياسات الضريبية للتأثير على الظروف الاقتصادية، وخاصة ظروف الاقتصاد الكلي، بما في ذلك إجمالي الطلب على السلع والخدمات، والتشغيل، والتضخم، والنمو الاقتصادي. بشكلٍ عام، الهدف من معظم السياسات المالية الحكومية هو استهداف المستوى الإجمالي للإنفاق، أو مكونات الانفاق الكلي، أو كلاهما في الاقتصاد. الوسيلتان الأكثر استخداماً للتأثير على السياسة المالية هما التغييرات في سياسات الإنفاق الحكومي أو في السياسات الضريبية الحكومية وادارة موارد البلاد.
إذا اعتقدت الحكومة أنه لا يوجد نشاط تجاري كافٍ في الاقتصاد، فيمكنها زيادة مقدار الأموال التي تنفقها، وغالباً ما يشار إلى ذلك باسم الإنفاق التحفيزي. إذا لم تكن هناك إيرادات حكومية كافية لدفع تكاليف الزيادات في الإنفاق، تقترض الحكومات الأموال عن طريق إصدار سندات الدين مثل السندات الحكومية، وفي هذه العملية، تتراكم الديون. يشار إلى هذا باسم الإنفاق بالعجز. من خلال زيادة الضرائب، تسحب الحكومات الأموال من الاقتصاد وتبطئ النشاط التجاري. عادة، يتم استخدام السياسة المالية عندما تسعى الحكومة لتحفيز الاقتصاد. قد تخفض الضرائب أو تقدم خصومات ضريبية في محاولة لتشجيع النمو الاقتصادي. التأثير على النتائج الاقتصادية من خلال السياسة المالية هو أحد المبادئ الأساسية للاقتصاد الكينزي.
قبل الكساد العظيم، الذي استمر من 29 تشرين الأول 1929، إلى بداية انخراط الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية، كان نهج الحكومة الأمريكية تجاه الاقتصاد هو سياسة عدم التدخل. بعد الحرب العالمية الثانية، تقرر أنه يتعين على الحكومة القيام بدورٍ استباقي في الاقتصاد لتنظيم البطالة ودورات الأعمال والتضخم وتكلفة المال. باستخدام مزيج من السياسات النقدية والمالية (اعتماداً على التوجهات السياسية وفلسفات من هم في السلطة في وقتٍ معين، قد تهيمن سياسة ما على أخرى)، تتمكن الحكومات من توجيه الظواهر الاقتصادية باتجاهً ما.
فهم السياسة المالية
تعتمد السياسة المالية إلى حدٍ كبير على أفكار الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز (1883-1946)، الذي حاجج بأن حالات الركود الاقتصادي ناتجة عن نقص في الإنفاق الاستهلاكي ومكونات الاستثمار التجاري للطلب الكلي. آمن كينز أن الحكومات يمكن أن تعمل على استقرار دورة الأعمال وتنظيم الإنتاج الاقتصادي من خلال تعديل سياسات الإنفاق والضرائب لتعويض النقص في القطاع الخاص. تم تطوير نظرياته رداً على حالة الكساد العظيم، الذي تحدى افتراضات الاقتصاد الكلاسيكي بأن التقلبات الاقتصادية تصحح نفسها بنفسها. كانت أفكار كينز مؤثرة للغاية وأدت إلى بروز سياسة اقتصادية جديدة سميت "الصفقة الجديدة" في الولايات المتحدة، والتي تضمنت إنفاقًا حكومياً هائلاً على مشاريع الأشغال العامة وبرامج الرعاية الاجتماعية.
في الاقتصاد الكينزي، يدفع إجمالي الطلب أو الإنفاق أداء نمو الاقتصاد. يتكون الطلب الإجمالي من الإنفاق الاستهلاكي والإنفاق على الاستثمار التجاري والإنفاق الحكومي وصافي الصادرات. وفقاً للاقتصاديين الكينزيين، فإن مكونات القطاع الخاص للطلب الكلي متغيرة للغاية وتعتمد بشكلٍ كبير على العوامل النفسية بالاضافة إلى التوقعات الاقتصادية للحفاظ على النمو المستدام في الاقتصاد. يمكن أن يؤدي التشاؤم والخوف وعدم اليقين بين المستهلكين والشركات إلى ركود وكساد اقتصادي، ويمكن أن تؤدي الوفرة المفرطة في الأوقات الجيدة إلى اقتصاد محموم وتضخم. ومع ذلك، وفقاً للاقتصاديين الكينزيين، يمكن إدارة الضرائب والإنفاق الحكومي بشكلٍ عقلاني واستخدامهما لمواجهة التجاوزات وأوجه القصور في استهلاك القطاع الخاص والإنفاق الاستثماري من أجل استقرار الاقتصاد.
عندما ينخفض إنفاق القطاع الخاص، يمكن للحكومة أن تنفق أكثر و/أو تفرض ضرائب أقل من أجل زيادة الطلب الكلي بشكلٍ مباشر. عندما يكون القطاع الخاص أكثر تفاؤلاً وينفق الكثير، وبسرعة كبيرة على الاستهلاك والمشاريع الاستثمارية الجديدة، يمكن للحكومة أن تنفق أقل و/أو تفرض ضرائب أكثر من أجل تقليل الطلب الكلي. يعني هذا أنه للمساعدة في استقرار الاقتصاد، ستواجه الحكومة عجزاً كبيراً في الميزانية أثناء فترات الركود الاقتصادي ولابد أن تدير فوائض الميزانية عندما ينمو الاقتصاد. تُعرف هذه السياسات بالسياسات المالية التوسعية أو الانكماشية، على التوالي.
السياسات المالية التوسعية
لو كان الاقتصاد يعاني من الركود، قد تقرر الحكومة منح خصومات ضريبية تحفيزية لزيادة الطلب الكلي ودعم النمو الاقتصادي. المنطق وراء هذا النهج هو أنه عندما يدفع الناس ضرائب أقل، يكون لديهم المزيد من الأموال للإنفاق أو الاستثمار، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب. يقود هذا الطلب الشركات إلى تشغيل المزيد من العاملين، مما يقلل البطالة. وهذا بدوره يؤدي إلى رفع الأجور وتزويد المستهلكين بمزيدٍ من الدخل للإنفاق والاستثمار. إنها دورة فاضلة، أو حلقة ردود فعل إيجابية. بدلاً من خفض الضرائب، قد تسعى الحكومة إلى التوسع الاقتصادي من خلال زيادة الإنفاق (بدون الزيادات الضريبية المقابلة). من خلال بناء المزيد من الطرق السريعة والجسور والمباني والمدارس على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي ذلك إلى زيادة التشغيل، وزيادة الطلب والنمو.
تتميز السياسة المالية التوسعية عادة بالانفاق بالعجز حيث تتجاوز النفقات الحكومية الإيرادات من الضرائب والمصادر الأخرى. من الناحية العملية، يميل الإنفاق بالعجز إلى تحقيق مزيج من التخفيضات الضريبية وزيادة الإنفاق.
سلبيات التوسع المالي
تعد العجوزات المتزايدة من بين المشاكل التي تواجهها السياسة المالية التوسعية، حيث يحاجج المنتقدين لها من أن تدفق الأموال الحكومية يمكن أن يؤثر على النمو ويؤدي في النهاية إلى خلق الحاجة إلى تقشفٍ مدمر. يشكك العديد من الاقتصاديين ببساطة في فعالية السياسات المالية التوسعية، ويقولون إن الإنفاق الحكومي يزاحم استثمارات القطاع الخاص ويطردها من السوق.
بشكلٍ أساسي، تستهدف السياسة المالية الطلب الكلي. تستفيد الشركات أيضاً من زيادة الإيرادات. ومع ذلك، إذا كان الاقتصاد قريباً من طاقته الانتاجية الكاملة، فإن السياسة المالية التوسعية تُعد مخاطرة يمكن أن تثير التضخم. يأكل هذا التضخم هوامش أرباح بعض الشركات في الصناعات التنافسية التي قد لا تكون قادرة على نقل التكاليف بسهولة إلى العملاء؛ كما أنه يأكل أموال الأشخاص ذوي الدخل الثابت.
تحظى السياسة التوسعية بشعبية إلى درجة خطيرة، كما يقول بعض الاقتصاديين. من الصعب من الناحية السياسية عكس حركة التحفيز المالي. سواء حققت الآثار المرجوة على الاقتصاد الكلي أم لا، فإن الناخبين يحبون الضرائب المنخفضة والإنفاق العام المتزايد. بسبب الحوافز السياسية التي يواجهها صانعو السياسات، هناك نزعة ثابتة نحو الانخراط في إنفاق عجزٍ مستمر إلى حدٍ ما يمكن تبريره جزئياً على أنه "مفيد للاقتصاد".
في نهاية المطاف، يمكن أن يخرج التوسع المالي عن السيطرة ويؤدي ارتفاع الأجور إلى التضخم وتبدأ فقاعات الأصول في التكون. يمكن أن يلحق التضخم المرتفع وخطر التخلف عن السداد على نطاقٍ واسع عندما تنفجر فقاعات الديون ضرراً شديداً بالاقتصاد وهذا الخطر بدوره يدفع الحكومات (أو بنوكها المركزية) إلى عكس مسارها ومحاولة تحقيق "انكماش" الاقتصاد.
السياسات المالية الانكماشية
في مواجهة التضخم المتصاعد وأعراض السياسة المالية التوسعية الأخرى، يمكن للحكومة اتباع سياسة مالية انكماشية، ربما حتى إلى حد إحداث ركود قصير من أجل إعادة التوازن إلى الدورة الاقتصادية. تقوم الحكومة بذلك عن طريق زيادة الضرائب وخفض الإنفاق العام وخفض أجور أو وظائف القطاع العام.
إذا كانت السياسة المالية التوسعية تنطوي على عجز، فإن السياسة المالية الانكماشية تتميز بفائض في الميزانية. نادراً ما تُستخدم هذه السياسة، لأنها لا تحظى بشعبية كبيرة على الصعيد السياسي. وهكذا يواجه صانعو السياسات العامة عدم تناسق كبير في حوافزهم للانخراط في سياسة مالية توسعية أو انكماشية. بدلاً من ذلك، فإن الأداة المفضلة لكبح جماح النمو غير المستدام هي عادة السياسة النقدية الانكماشية، أو رفع أسعار الفائدة وتقييد المعروض من النقود والائتمان من أجل كبح جماح التضخم.
عندما يكون التضخم قوياً للغاية، فقد يحتاج الاقتصاد إلى تباطؤ. في مثل هذه الحالة، يمكن للحكومة استخدام السياسة المالية لزيادة الضرائب لامتصاص الأموال من الاقتصاد. يمكن للسياسة المالية أيضاً أن تملي انخفاض الإنفاق الحكومي وبالتالي تقليل الأموال المتداولة. بطبيعة الحال، يمكن أن تكون الآثار السلبية المحتملة لمثل هذه السياسة، على المدى البعيد، هي تباطؤ الاقتصاد وارتفاع مستويات البطالة. مع ذلك، تستمر العملية حيث تستخدم الحكومة سياستها المالية لضبط مستويات الإنفاق والضرائب، بهدف تنظيم دورات الأعمال.
على من تؤثر السياسة المالية؟
لسوء الحظ، فإن تأثيرات أي سياسة مالية ليست هي نفسها بالنسبة للجميع. اعتماداً على التوجهات السياسية وأهداف صانعي السياسة المالية، يمكن أن يؤثر التخفيض الضريبي فقط على الطبقة الوسطى، والتي تعد عادةً أكبر مجموعة اقتصادية. في أوقات التدهور الاقتصادي وارتفاع الضرائب، قد تضطر هذه الطبقة نفسها إلى دفع ضرائب أكثر من الطبقة العليا الأكثر ثراءً.
بالمثل، عندما تقرر الحكومة تعديل إنفاقها، فإن سياستها قد تؤثر فقط على مجموعة معينة من الناس. قرار بناء جسر جديد، على سبيل المثال، سيوفر فرص عمل ودخل أكبر لمئات من عمال البناء. من ناحية أخرى، فإن قرار إنفاق الأموال على بناء مكوك فضائي جديد لا يفيد سوى مجموعة صغيرة ومتخصصة من الخبراء، والتي لن تفعل الكثير لزيادة مستويات التشغيل الإجمالية.
عندما تنفق الحكومة المال أو تغير السياسة الضريبية، ينبغي عليها اختيار مكان الإنفاق أو تغيير الضريبة. عند القيام بذلك، يمكن للسياسة المالية الحكومية أن تستهدف مجتمعات أو صناعات أو استثمارات أو سلعاً معينة إما لصالح زيادة الانتاج أو تثبيطه. في بعض الأحيان، تستند أفعال الحكومة إلى اعتبارات ليست اقتصادية بالكامل. لهذا السبب، غالباً ما تكون السياسة المالية محل نقاش ساخن بين الاقتصاديين وصانعي السياسات الحكومية.
واحدة من أكبر العقبات التي تواجه صانعي السياسة هي تحديد مدى مشاركة الحكومة في الاقتصاد. في الواقع، كانت هناك درجات مختلفة من التدخل من قبل الحكومة على مر السنين. ولكن بالنسبة للجزء الأكبر، من المقبول أن تكون هناك درجة من مشاركة ضرويرية للحكومة للحفاظ على اقتصادٍ نشط، يعتمد عليه الرفاه الاقتصادي للسكان.
السياسة المالية في العراق: ما هو التحدي؟
الهدف طويل الأجل للسياسة المالية في معظم البلدان المنتجة للنفط هو الاستفادة من الثروة النفطية المستنفدة لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة. يتضمن ذلك اتخاذ خيارات استراتيجية حول حصة عائدات النفط ليتم تحويلها إلى أشكال أخرى من الأصول (حقيقية أو مالية) أو يتم استهلاكها، مع مراعاة الاستدامة المالية طويلة الأجل واعتبارات العدالة بين الأجيال. ينبغي أن تعكس الخيارات الأولويات الاقتصادية والاجتماعية للحكومة، وقدرتها على الإنفاق بكفاءة، وكذلك معدل العائد والمخاطر المرتبطة بكل شكلٍ من أشكال الأصول.
يتمتع العراق بواحدة من أكثر قواعد الإيرادات غير المتنوعة في العالم، وهو بالتالي أكثر عرضة من معظم البلدان لتحركات أسعار النفط. في عام 2018، شكلت عائدات النفط حوالي 92% من إجمالي إيرادات الميزانية. أدى ارتفاع إنتاج النفط إلى تضخيم هذا الاعتماد. على سبيل المثال، عند مستويات الإنتاج الحالية، يؤدي كل دولار تغيير في أسعار النفط إلى تغيير في إجمالي الإيرادات بنسبة 1.1% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي (1.5 مليار دولار)، مقارنة بـ 0.6% في البلدان المصدرة للنفط الأخرى من دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. من ناحية أخرى، فإن القاعدة الضريبية غير النفطية ضيقة وتآكلت بسبب ضعف الامتثال الضريبي. في عام 2018، مثلت الإيرادات الضريبية أقل من 5٪ من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي.
شكل تقلب أسعار النفط وعدم القدرة على التنبؤ بها في السنوات الأخيرة تحدياتٍ كبيرة لواضعي السياسات المالية. غالباً ما تكون صدمات أسعار النفط كبيرة ومستمرة، مع فترات الازدهار والانهيار التي تنطوي على تحرك الأسعار بنسبة تصل إلى 40-80% لمدة تصل إلى عقدٍ من الزمن. زاد تقلب أسعار النفط بشكلٍ حاد، لا سيما خلال صدمة أسعار السلع الأساسية 2014-2015، وأظهر تقلباً متجدداً منذ الربع الرابع من عام 2018. ومن ثم، فقد ثبت أن التنبؤ بأسعار السلع الأولية صعب للغاية في السنوات الأخيرة. هناك عامل إضافي للتقلب في العراق ألا وهو الفرق مع الأسعار الدولية، والذي تقلب بشكلٍ كبير منذ عام 2004، مما يعكس التغيرات المتعلقة بالأمن في تكلفة الشحن، ومزيج الخام الخفيف والثقيل، ومخاطر التسليم.
أطر السياسات والمؤسسات العراقية غير مجهزة للتعامل مع هذه التحديات. سياسة المالية العامة الموجَّهة سياسة قصيرة الأجل وتُجرى إلى حدٍ كبير في سياق الميزانية السنوية، في حين أن التخطيط المالي على المدى المتوسط إلى البعيد المدعوم بسياسة لبناء هوامش واقية كافية كان غير موجود. تعكس توقعات الإيرادات بشكلٍ عام أسعار النفط السائدة في وقت إعداد الميزانية، بينما تتبع مخصصات الإنفاق عادة نهجاً من القاعدة إلى القمة، مما يؤدي إلى الاتجاهات المتزايدة دون اعتبار كافٍ لتغيير أولويات الحكومة أو المالية العامة.
علاوة على ذلك، سمحت نقاط الضعف في الإطار القانوني بالموافقة على الإنفاق خارج إجراءات الموازنة، كما أدى عدم كفاية مراقبة الالتزام وعمليات إدارة النقد إلى تقويض نزاهة الميزانية السنوية، والتي أصبحت مؤشراً سيئاً على نتائج المالية العامة. أدت هذه العوامل مجتمعة إلى سياسة مالية مسايرة للتقلبات الدورية إلى حدٍ كبير وإلى هيكل إنفاق غير متوازن، مما أثر سلباً على النمو والتنمية.
ارتبط الانفاق الحكومي ارتباطاً وثيقاً بتغيرات أسعار النفط. كان الارتباط بين نمو الإنفاق الحكومي وأسعار النفط 70% أثناء الفترة 2003-2018. إن التأثير السلبي لتقلبات الإنفاق على النمو طويل الأجل موثق جيداً، ويتفاقم بسبب استجابات السياسة المالية غير المتكافئة للتغيرات في أسعار النفط. تم زيادة الإنفاق الحالي، ولا سيما تكلفة الأجور، خلال فترات الازدهار، في حين كانت التخفيضات المفاجئة في الإنفاق الرأسمالي وتراكم المتأخرات بمثابة خط الدفاع الأول عندما انخفضت أسعار النفط. أدى هذا التفاوت إلى انحراف هيكل الإنفاق نحو الإنفاق الجاري حيث لم تمثل النفقات الرأسمالية غير النفطية سوى 4٪ من إجمالي الإنفاق في عام 2018، وأدى إلى جمودٍ شديد في الإنفاق ومحدودية الاحتياطيات. ونتيجة لذلك، شهد العراق تقلباً اقتصادياً أكبر من البلدان المقارنة، ومعدلات استثمار أقل، والتي تُرجمت بمرور الوقت إلى انخفاض تراكم رأس المال البشري والمادي.
هدف العراق قصير إلى متوسط المدى هو تلبية المطالب الملحة بعد فترات الصراع ومعالجة فجوات البنية التحتية مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي. إن مساحة الاستثمار مقيدة بسبب تقلب أسعار النفط الدولية والافتقار إلى الهوامش المالية الوقائية، في حين أن القدرة المتواضعة على تحمل الديون والوصول غير الكامل إلى أسواق رأس المال يحدان من نطاق تمويل الإنفاق من خلال الاقتراض. لذلك ينبغي للسياسة المالية أن تهدف إلى خلق حيز ضمن الميزانية، من خلال رقابة صارمة على الإنفاق الجاري وزيادة الضرائب والإيرادات، لتوسيع البنى التحتية المطلوبة والإنفاق الاجتماعي، وإدارة تقلبات عائدات النفط وتجنب السياسة المالية المسايرة للتقلبات الدورية من خلال بناء احتياطيات مالية كافية (والتي يمكن استخدامها لحماية الإنفاق الرأسمالي أثناء فترات الركود).
إن تطوير توجه متوسط الأجل لتخطيط الميزانية من شأنه أن يساعد في تخفيف مسايرة التقلبات الدورية وضمان إنفاق عائدات النفط بطريقة مستدامة. يساعد التخطيط المالي على المدى المتوسط الأجل في الحيلولة دون ترجمة الإيرادات السنوية المتقلبة إلى تقلبات في الإنفاق قد تزعزع استقرار الاقتصاد وتقلل من جودة الإنفاق.
* أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة ولاية كنساس، الولايات المتحدة الأمريكية.