مفاهيم سعر الصرف
الدكتور مهند طالب الحمدي

 

تستخدم الأعمال التي تفتح أبوابها وتمارس نشاطها في بلدٍ واحد العملة المحلية لدفع تكاليف الانتاج واجور العاملين، والفوائد المستحقة على القروض، وربما توزيع الأرباح على الشركاء. لكن الشركات التي تعمل في بلدانٍ متعددة، ربما تبيع منتجاتها بعملاتٍ مختلفة وتدفع لمورديها المنتشرين عبر بلدانٍ متباعدة بعملات تلك البلدان، وعليه تحتاج إلى تغيير العملة المحلية إلى عملاتٍ أجنبية عديدة.

 

من المعروف أيضاً أن تقوم الشركات والبلدان باستخدام النظام المالي الدولي للاقتراض بالعملات الأجنبية. أفضل مثالٍ على ذلك قيام الحكومة العراقية باصدار سندات خزانة مقومة بالدولار تبيعها في أسواق المال الأمريكية والأوروبية لاقتراض مبالغ بالدولار لسد عجز الميزانية العراقية. عندما تستخدم البلدان والشركات العملات الأجنبية، يكون لزاماً عليها التعامل مع التغيرات في سعر الصرف.

 

في هذا المقال سنستعرض بعض المفاهيم الأساسية بما يتعلق بسعر الصرف وتغير سعر العملة وسعر الصرف الإسمي والحقيقي كبداية لسلسة مقالات تتعلق بهذا الأمر الحيوي ليكون القارئ على إطلاعٍ أوسع حول مفاهيم أختلطت في وسائل الإعلام مما سبب تشوه في فهم الموضوع وتأثيراته على الاقتصاد.

 

سعر الصرف الإسمي

يسمى كذلك سعر الصرف للسهولة، وهو سعر وحدة واحدة من عملةٍ ما بما يعادلها من عملة بلدٍ آخر. وللسهولة، نُعبر عن سعر الصرف الإسمي كنسبة عدد وحدات العملة الأجنبية مقابل وحدة واحدة من العملة المحلية. مثلاً نقول دولار واحد مقابل 1,450 دينار عراقي. وبالمقابل نعبر عن سعر الصرف الإسمي في العراق بالقول ان كل دينار عراقي يمكن صرفه مقابل 0.0007 من الدولار.

 

يمكن للتذبذبات في سعر الصرف أن تلعب دوراً هاماً في تحديد قدرة الشركات لبيع منتجاتها لدولٍ أخرى وعلى الأسعار التي يدفعها المستهلكون المحليون مقابل البضائع والسلع المستوردة. لنأخذ على سبيل المثال كيس من الرز يتم تصديره من الولايات المتحدة إلى العراق. لو كان سعر كيس الرز في الولايات المتحدة 50 دولاراً فسيكون سعره في العراق  72,500  دينار لو كان سعر الصرف 1,450 دينار لكل دولار. لكن لو انخفض سعر صرف الدينار مقابل الدولار واصبح 1,600 دينار لكل دولار لأصبح سعر كيس الرز 80,000 دينار عراقي. على الرغم من عدم تغير سعر كيس الرز في الولايات المتحدة، إلا أن الانخفاض في سعر صرف الدينار العراقي (حوالي 10%) سيسبب أن يخسر المصدر الأمريكي بعض مبيعاته في السوق العراقية بسبب إرتفاع السعر المحلي للبضاعة التي يصدرها للعراق.

 

وبالمثل، وبسبب إنخفاض سعر صرف الدولار أمام الين الياباني في الفترة مابين 2008 و 2012، واجهت العديد من شركات صناعة السيارات اليابانية إنخفاضاً في مبيعاتها من السيارات المصدرة إلى أسواق الولايات المتحدة. ومن أجل تجنب المخاطر التي تتضمن بيع السيارات مقابل الدولار في الوقت التي تتحمل فيه تكلفة الانتاج بالين الياباني، قامت تلك السيارات بإنشاء مصانع لانتاج سياراتها في الولايات المتحدة نفسها.

 

لكون الصادرات أصبحت جزءاً كبيراً من الناتج المحلي الاجمالي لأغلب دول العالم، فإن تذبذبات سعر الصرف تؤثر بشكلٍ متزايد على الاقتصادات المحلية. يمكن أن يؤدي أي ارتفاع في سعر الصرف الذي ينتج عنه إنخفاض هام في الصادرات إلى أن تقلل الشركات المحلية من إنتاجها وتسرح بعض العمالة. وليس من المستغرب أن تنشر النشريات الاقتصادية الهامة حول العالم بيانات سعر الصرف ومقالات حول تأثير حركة سعر الصرف على مبيعات وانتاج الشركات. يراقب الاقتصاديون وصناع القرار عن كثب الحركة في سعر الصرف بسبب تأثيرها على الاقتصاد بشكلٍ عام.

 

يتم التبديل الفوري بين عملتين حسب سعر الصرف الحالي أو ما يسمى سعر الصرف الفوري. يستطيع البائعون والمشترون للعملات كذلك الاتفاق اليوم لتبديل العملات في وقتٍ لاحق حسب سعر صرفٍ آجل. تسمى الاتفاقيات لتبادل العملات في أوقاتٍ مستقبلية عقود التبادلات الآجلة و عقود التبادلات المستقبلية.

 

يتم التفاوض على عقود التبادلات الآجلة بين مؤسستين ماليتين، عادةً بنوك تجارية. على سبيل المثال، يتفق مصرف بغداد مع بنكٍ أمريكي اليوم أنه بعد 90 يوماً، سوف يشتري 100 مليون دولار مقابل دنانير عراقية بسعر صرف 1,450 دينار للدولار. بينما تتم عقود التبادلات المستقبلية لتبادل المنتجات المالية مثل الأسهم والسندات من قبل الناس في أسواق تبادل تلك المنتجات كسوق شيكاغو للتبادل التجاري. يتم صياغة تفاصيل العقود المستقبلية، مثل كمية العملة التي يتضمنها كل عقد والوقت الذي ينقضي فيه أجل العقد، من قبل إدارة السوق الذي يتم فيه العقد. يسمح وجود العقود الآجلة والمستقبلية للشركات أن تتحوط أو تقلل من مخاطر الخسائر التي يمكن أن تنتج عن تذبذبات سعر الصرف.

 

على سبيل المثال، قد تعاني شركة تصدير النفط العراقية (سومو) بعض الخسائر لو ارتفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار. لنفترض أن شركة سومو باعت شحنة نفط إلى شركة أمريكية مقابل مبلغ 50 مليون دولار، وتم الاتفاق أن تدفع الشركة الأمريكية المبلغ بعد 90 يوماً عندما يتم تسليم الشحنة. تواجه شركة سومو بعض المخاطر، أو ما يسمى مخاطر سعر الصرف، حيث ربما يرتفع سعر صرف الدينار مقابل الدولار في فترة التسعين يوماً مابين الاتفاق على البيع وحين استلام الدفعة المالية. لو حدث ذلك، سوف تحصل شركة سومو على دنانير عراقية أقل مقابل الخمسون مليون دولار. من خلال الدخول في عقد سعر صرفٍ آجل في وقت الاتفاق على البيع، يمكن لشركة سومو أن تثبت سعر الصرف على نسبة معينة تستطيع أن تستبدل الدولارات التي ستستلمها بعد 90 يوماً مقابلها، وعليه تقلل من مخاطر سعر الصرف. عادة لاتكتب الشركات عقود الصرف الآجلة بنفسها بل تعتمد على بنوكٍ معينة لتقديم تلك الخدمات مقابل أجور.

 

لكل عملة سعر صرف فوري مقابل كل عملة أخرى أو مايسمى سعر الصرف الثنائي. يرى الاقتصاديون وصناع السياسات فائدة أكبر في النظر لسعر الصرف المتعدد والذي يبين سعر عملة بلدٍ ما مقابل مجموعة من عملات بلدانٍ أخرى. تسمى هذه المجموعة من العملات سلة العملات وعادة ما تتضمن الدولار الأمريكي، والجنيه الاسترليني، واليورو، والفرنك السويسري، والين الياباني، والدولار الكندي، وربما عملات أخرى. يتم منح كل عملة في هذه السلة وزناً حسب مقدار التبادل التجاري بين بلدان تلك العملات والبلد الأصلي. في هذه الحالة يُشار إلى سعر الصرف كرقمٍ دلالي وليس سعراً مباشراً. وكأي مؤشر آخر، مايهم في الأمر هو تحركات سعر الصرف المتعدد عبر الزمن وليس قيمته في وقتٍ محدد.

 

تذبذب سعر صرف الدولار بشكلٍ كبير منذ عام 1973. وشهد إرتفاعاً أثناء فترة الثمانينيات مقابل عملات أخرى كثيرة مما خلق صعوبات جمة أمام الشركات الأمريكية لتصدير منتجاتها إلى دول العالم الأخرى. لكن منذ عام 2001، شهد سعر صرف الدولار في الأسواق انخفاضاً بالمقارنة مع عملاتٍ اخرى مما ساعد الشركات الأمريكية المصدرة لزيادة مبيعاتها حول العالم.

 

سعر الصرف الحقيقي

يخبرنا سعر الصرف الإسمي عدد وحدات العملة الأجنبية التي يمكن استبدالها للحصول على وحدة واحدة من العملة المحلية. لكن الاقتصاديين وصناع القرار يهتمون أكثر بأسعار السلع والبضائع الأجنبية مقابل السلع والبضائع المحلية. بمعنى آخر، يهتمون بشروط التبادل التجاري، أي النسبة التي يمكن بها تبادل السلع والبضائع المحلية مقابل السلع والبضائع الأجنبية. تسمى نسبة التبادل تلك سعر الصرف الحقيقي. يوفر سعر الصرف الحقيقي مقياساً أفضل لتغير أسعار بضائع وسلع بلدٍ ما بالمقارنة مع سلع وبضائع أجنبية مما يوفره سعر الصرف الإسمي. وعليه، عندما يحاول الاقتصاديون وصناع الساسات تقدير تأثير التغير في سعر الصرف على الصادرات والواردات، فإنهم يعتمدون على سعر الصرف الحقيقي وليس سعر الصرف الاسمي.

 

قياس سعر الصرف الحقيقي من خلال استخدام سلعة واحدة: مؤشر بك ماك

قامت مجلة الإيكونومست البريطانية بإدخال استخدام مؤشر بك ماك في أيلول عام 1986 كمؤشر لمقياس تعادل القوة الشرائية للعملات. يعتمد المؤشر على الفرضية المنطقية أن عمليتن مختلفتين ينبغي أن تتكيفا بشكلٍ طبيعي حتى تصبح تكلفة سلة متماثلة من البضائع والسلع هي نفسها بالعملتين. وبناءً عليه تم إختيار ساندويتش شركة ماكدونالدز المسمى بك ماك ليمثل سلة البضائع والسلع المتماثلة تلك لكونه متوفر بشكلٍ متماثل إلى حدٍ كبير في العديد من دول العالم. وعليه، يساعد المؤشر في مقارنة عملتي بلدين مختلفين.

 

لو أخذنا على سبيل المثال سعر الساندويتش في الولايات المتحدة ليكون خمس دولارات مثلاً، وفي العراق سبعة آلاف دينار. وفي الوقت نفسه يبلغ سعر الصرف الاسمي بين العملتين 1,750 دينار للدولار. من أجل حساب سعر الصرف الحقيقي، علينا أن نجد عدد الساندويتشات العراقية التي يمكن استبدالها مقابل ساندويتش أمريكي واحد. يمكن ان نحقق ذلك على خطوتين. أولاً، نستخدم سعر الصرف الإسمي لتحويل سعر الساندويتش الأمريكي إلى الدينار العراقي. الخطوة الثانية هي أن نقسم ذلك على سعر الساندويتش في العراق بالدنانير العراقية لنصل إلى عدد الساندويتشات العراقية التي تشتري ساندويتش أمريكي واحد. أي:

 

 

سعر الصرف الحقيقي= 1750 دينار لكل دولار * 5 دولارات للساندويتش الأمريكي/7000 دينار للساندويتش العراقي = 1.25 ساندويتش عراقي مقابل كل ساندويتش امريكي

 

أي أن ساندويتش بك ماك في الولايات المتحدة، بأخذ الأسعار في البلدين وسعر الصرف الإسمي بالاعتبار، يمكن أن يشتري ساندويتش وربع من السندويتشات المماثلة المنتجة في العراق. من الجدير بالملاحظة أن سعر الصرف الحقيقي يخبرنا كمية البضائع والسلع الأجنبية التي يمكن أن تشتريها وحدة واحدة من السلع والبضائع المحلية. أي أننا نستطيع قياس سعر الصرف الحقيقي من خلال تبادل البضائع والسلع بدلاً من تبادل العملات.

 

عادة لا نقوم بقياس سعر الصرف الحقيقي باستخدام سعر سلعة واحدة ولكن باستخدام معدل الأسعار، أو مستوى الأسعار العام، في كل بلد. وعليه يمكن بناء معادلة بسيطة لمقارنة معدل الأسعار المحلية ومعدل الأسعار في البلد الآخر مع سعر الصرف الإسمي لتحديد سعر الصرف الحقيقي كالآتي:

سعر الصرف الحقيقي= سعر الصرف الاسمي * (معدل الأسعار المحلية / معدل الأسعار الأجنبية)

 

على سبيل المثال، لو كان سعر الصرف الحقيقي للدينار العراقي هو 1,500 دينار لكل دولار، فإن تلك القيمة تشير إلى أن سلعة عادية منتجة في الولايات المتحدة يمكن أن تشتري 1,500 وحدة من سلعة عادية مماثلة منتجة في العراق.

 

يتحرك سعر الصرف الحقيقي وسعر الصرف الإسمي بشكلٍ متماثل فقط إذا كانت نسبة معدل الأسعار المحلية إلى معدل الأسعار الأجنبية ثابتة تقريباً. يشير ذلك بوضوح إلى مخاطر الارتفاع الكبير في الأسعار المحلية، أي التضخم، مقارنة بالتضخم في البلد الآخر على تغيير سعر الصرف الحقيقي.

*أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة ولاية كنساس، الولايات المتحدة الأمريكية.


مشاهدات 3843
أضيف 2021/01/07 - 5:42 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 7083 الشهر 65535 الكلي 11448116
الوقت الآن
الإثنين 2024/11/25 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير