اعادة الروح لشارع الرشيد .. ذاكرة البغداديين النديه ، وتاريخ مدينتهم العطر

 غسان القاضي
 المستشار الاعلامي لرابطة المصارف الخاصة العراقية
مابين عامي 1916 و2016 ,مائة عام بالتمام والكمال , هي عمرشارع الرشيد ,شريان بغداد النابض وارثها التليد ,وتاريخها المجيد, ومرآة حياتها المترعة بالامل و المفعمة بالتفاؤل ,رغم قساوة الظروف وعتمة الاحداث الجسام التي مرت عليه ,ورغم الخطوب التي شهدها وكان شاهدا عليها ,
حتى اقترن اسمه باسمائها واصبحت جزءا من سفره الذي طرزته الزهوراحيانا, وكتبت بدماء الشهداء احيانا,
احداث جسام عبرت على اسفلته, اوعلى مقتربات جسوره التي اخذ بعضها اسم الشهادة ومعانيها
من اجل هذا تسعى جهات عدة رسمية وشعبية في مقدمتها البنك المركزي العراقي وامانة بغداد ورابطة المصارف الخاصة العراقية من اجل اعادة الروح لهذا الشارع الشاهد, الذي توقف عنده تاريخ بغداد بفصوله ومجرياته طويلا,ويابى ان يغادره.
ورغم سنوات الاهمال الطويلة وزحف رائحة زيوت السيارات ، وأصوات المولدات الكهربائية وضجيجها بدلاً من مقاهيه الفاخرة ، ومحاله التجارية العامرة ، فان قلوب الخيرين وضمائرهم وسواعدهم امتدت من جديد لاعادة ملامح الجمال التي ارتبطت بذاكرة العراقيين عموما والبغداديين بشكل خاص بابهى الصور.  
تركت سنوات الاهمال والارهاق والتآكل اثرها على وجه شارع الرشيد حتى اصبحت تهدده بالفناء بعد ذلك الزهووالعنفوان ,وكأن الزمن  قد توقف وان الامل قد غاب  بعدما غابت عنه أماكن اللهو والترفيه البريء , دورالسينما والمسارح والمقاهي التي كانت تعج بالزبائن من مختلف الاعماروالمشارب والأهواء ، يومها كان البغداديون يتنفسون كل صباح ، عبق هذا الشارع الخالد ورائحة بغداد المنقوشة على جدران بناياته العتيقه واعمدته التي تزيد على الالفين والتي تتراص على جانبيه في زهو وخيلاء .
وبغفلة من الزمن تحول شارع الرشيد,من ملتقى للفنانين والادباء الى سوق كبيرللعدد الصناعية ومولدات الكهرباء وضجيج عربات الحمالين والباعه الجوالين .
واصبح لسان حاله يصرخ في وجوه البغداديين ,هل من منقذ ينقذني ؟
نبذة تاريخية
افتتح شارع الرشيد يوم 23 تموز 1916  واقترن افتتاحه بيوم اعلان اول دستورللبلاد,  كان الشارع في مرحلته الاولى يمتد من الباب المعظم الى منطقة السيد سلطان علي, واطلق عليه أول الأمراسم /شارع خليل باشا جادة سي/ , وسمي ايضا /شارع هندنبرغ / قبل ان يطلق عليه الانكليزبعد احتلالهم بغداد اسم / الشارع الجديد/ ,
كان الشارع في بداية افتتاحه عبارة عن سوق مسقف يبدأ من ساحة الميدان وينتهي بساحة الرصافي الحالية ,وبسبب قربه من الثكنة العسكرية العثمانية /القشلة/ فقد حازعلى اهتمام  خاص من لدن والي بغداد العثماني انذاك  خليل باشا .
وبعد دخول القوات البريطانية الى بغداد عام 1917 بادرت الى رفع الأنقاض من جانبيه ,كما قامت بمده الى بداية شارع /أبو نؤاس/ للاستفادة منه في التنقل من والى القنصلية البريطانية في منطقة السنك انذاك,ورصفت أرضية الشارع بالحجارة والصخورفي بداية الامر وجرى تبليطه بالإسفلت لاحقا .
واثار دخول السيارات إلى شارع الرشيد اول مرة  بعد الاحتلال البريطاني دهشة البغداديين وذهولهم, حيث كانت وسيلة النقل السائدة في تلك الفترة العربات التي تجرها الخيول أو ما يعرف بالعامية بـ/الربل/.
والعراقيون عموما والبغداديون على وجه الخصوص ,حريصون الى اليوم على اطلاق تسمية /الشارع الشاهد/ على شارع الرشيد على كثرة ماشهد من احداث سياسية وتظاهرات واعتصامات ومواجهات عبرتاريخه الطويل الممتد مائة عام ،ابتداء باستعراض الجيش البريطاني بعد احتلال بغداد عام 1917 مرورا بتظاهرات وثبة كانون 1948 ووثبة تشرين 1952 ومحاولة اغتيال عبدالكريم قاسم عام 1959 ,الى التظاهرات والوثبات التي شهدها بخاصة جامع الحيدرخانه الذي كان من ابرزالخطباء والشعراء فيها الملاعثمان الموصلي ومحمد مهدي الجواهري ومحمد مهدي البصير, الذين مهدت خطبهم الوطنيه لثورة العشرين،
ضم شارع الرشيد عبر تاريخه الطويل العديد من المقاهي ودورالسينما والجوامع الاثرية, كما تفرعت عنه جسورمهمة ربطت جانبي بغداد الكرخ والرصافة.
وأقيمت على جانبي شارع الرشيد محلات وحارات عريقة عديدة منها البقجة والحيدرخانة والعاقولية والخشالات و جديد حسن باشا والدشتي وعكد الجام ,وتحت التكية ، والمربعة ، وعكد النصارى, وسيد سلطان علي ، وعارف اغا .
كما اشتهرشارع الرشيد بجوامعه التراثيه الكثيرة التي بني غالبيتها في العهد العثماني ,منها جامع المرادية وجامع الازبكية  وجامع الاحمدي وجامع عثمان بن سعيد، وجامع الامام طه وجامع مرجان، وجامع سيد سلطان علي، وجامع الحيدرخانه الذي شيدهُ الوالي العثماني داود باشا عام 1819 ،
كان شارع الرشيد ومازال يضم اشهر واقدم اسواق بغداد,/ الشورجة والخفافين ، والهرج , والصفافير، والشابندر والسراي ، وسوق البزازين , وسوق الذهب / .
وتميز شارع الرشيد منذ تاسيسه بوجود العشرات من مقرات الصحف والمطابع التي تركزت بشكل خاص في منطقة الحيدرخانه ومحلة جديد حسن باشا,وتشيرالمعلومات الى ان 38 صحيفة صباحة ومسائية  و91 مطبعة اتخذت من الشارع وازقته مكاتب ومقرات لها.
واقيمت في شارع الرشيد مقاهٍ مشهورة من ابرزها مقهى الزهاوي، و حسن عجمي، وعارف أغا، والوقف، وعزاوي، و وهب، والقراء خانه، و البلدية، و اسماعيل الخشالي ,والمقهى البرازيلي الذي كان ملتقى الادباء والمثقفين والنخبة من البغداديين,فضلا عن المقهى السويسري ، ومقهى الحاج خليل  ،والشابندرفي مدخل شارع المتنبي, وانشئت في وقت لاحق مقاه اخرى منها مقهى المربعة ومقهى ام كلثوم.
وفي مرحلة لاحقة من الاحتلال البريطاني عام 1917 تأسست في شارع الرشيد عدة بنوك منها البنك العثماني والبنك البريطاني,واصبح البنك المركزي ومصرف الرافدين بعد انشائهما احد معالم هذا الشارع الذي كان يضج بالحيوية والنشاط التجاري.
وضم شارع الرشيد العديد من دورالسينما في مقدمتها / رويال والحمراء وسنترال والرشيد والزوراء والوطني والرافدين الصيفي ,وروكسي, وريكس، وريجنت/ .
ومن معالم شارع الرشيد التي لايمكن ان تنسى / أورزدي باك/ وهو اول /مول تجاري/ بمواصفات عصرية راقيه ليس في العراق فقط ,وانما في عموم المنطقة التي كانت تفتقرعندما انشيء في خمسينات القرن الماضي لمثل هذه / المولات/، الى جانب متاجرشهيرة مثل حسون اخوان والياس حسو ومتاجراخرى انشئت على الطريقتين اللندنيه والباريسية .
ومن معالم شارع الرشيد الذي يمتد اربعة كيلومترات ,محلات اشتهرت باسماء اصحابها مثل محل وفرن كعك السيد في الحيدرخانة تأسس عام 1906  وشريت الحاج زبالة الذي تأسس عام 1910 , وكبة السراي الشهيرة التي تاسست في وقت لاحق.
ونظرا لشهرة شارع الرشيد التي عمت الافاق ,فقد اصرت كوكب الشرق المطربه ام كلثوم على زيارته في ثلاثينيات القرن الماضي حيث غنت في احد مقاهيه /مقهى الهلال/ بمنطقة الميدان, والذي  حمل اسمها الى يومنا الحاضر.
بقي ان نقول ان الفرصة مازالت مواتية لانتشال شارع الرشيد ونجدته,وهاهي سواعد الرجال المخلصين تمتد لازالة غبارالاهمال عن وجهه الجميل.




مشاهدات 2124
أضيف 2016/12/02 - 4:26 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1556 الشهر 65535 الكلي 8007908
الوقت الآن
السبت 2024/4/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير