طريق الحرير .. من بغداد الى بكين

بغداد/الاقتصاد نيوز ...

عبدالزهرة محمد الهنداوي

طريق الحرير ، هو شبكة من الطرق القديمة التي كانت تسلكها قوافل التجارة ، و تربط  عددا من المقاطعات الصينية بدول اخرى في اوروبا والشرق حتى تصل الى  العراق مرورا بسوريا وتركيا وقد اسهمة هذا الطريق بتحسين الحياة في البلدان التي يمر عبرها 
.. وينظر الصينيون الى  تاريخ الحرير  باحترام وتبجيل لأنه كان مصدرا من مصادر حياتهم تمكنوا من خلاله  تصدير مالديهم من منتجات واستيراد ما يحتاجونه من مستلزمات ومواد اولية للصناعة .. لهذا فقد وضعوا جناحا خاصا في المتحف الوطني الصيني وسط بكين لطريق الحرير ويتضمن هذا الجناح لوحات وصورا ومقتنيات لقوافل تجارية عربية  وأوروبية وعثمانية وفارسية  وغيرها وفيه ايضا لوحات  لبغداد ومدن
 اخرى .. 
ويعتقد الكثير من الصينيين ان  احد اسباب نهضتهم الحديثة  هو انفتاحهم على العالم عبر طريق  الحرير وهم مؤمنون جدا بمبدأ الانفتاح هذا ، لأنهم يمثلون جزءا من المنظومة العالمية يتأثرون بها  ويؤثرون فيها، ولهذا فقد اصبحت الصين دولة عملاقة في كل شيء ولم يؤثر في هذا التعملق الاقتصادي والسياسي ثقلها السكاني اذ وصل تعداد سكانها الى مليار و350 مليون انسان .. التأثير الصيني في الاقتصاد العالمي بات واضحا واصبحت بكين لاعبا قويا في المشهد السياسي الدولي لانها تمتلك اقتصادا قويا  .. وقد يستغرب الزائر لبكين ان السيارات ذات المناشئ الاوربية تملأ الشوارع ولا اثر للسيارات الصينية التي نعرفها مثل الشيري واخواتها .. وحين تسأل عن سبب هذا الغياب تأتيك الاجابة مع انحناءة وابتسامة : كل هذه السيارات التي تراها هي صناعة صينية!! لان اغلب الشركات العالمية المتخصصة  بصناعة السيارات  فتحت لها فروعا  في مختلف المقاطعات الصينية  في اطار سياسة التوطين الصناعي وتعمل على سد الحاجة المحلية والتصدير الى الكثير من دول الشرق الاوسط واوربا بسبب رخص الايدي العاملة وتوافر المواد الاولية .. وفضلا عن ذلك فالصين تحتكر 60 بالمائة من صناعة الاحذية في العالم .. ولاتوجد دولة في الارض لاتستورد من الصين ، ولكن ثمة فرقاً  بين ما يستورده تجارنا من الصين وبين مايستورده تجار العالم .. كما لاتسمح السلطات الصينة بتداول اي سلعة في اسواقها المحلية غير مطابقة للمواصفات  المعتمدة ويتعرض من يخالف ذلك الى اجراءات صارمة.. والمواصفات الصينية  تعد من افضل المواصفات في العالم .. ولكن المشكلة  ان الصينيين  يمتلكون قدرات وإمكانات هائلة في تقليد اية سلعة وصناعتها بالمواصفة التي تريدها الجهة المستفيدة غير الصينية ، ويستغل تجارنا هذه الخاصية ليأتونا بسلع وبضائع ام الـ(24) ساعة !! او حتى اقل من ذلك !! لذلك لم نستفد من الامكانات الصينية  في الجانب الاستيرادي  ، بل لحقنا ضرر من رداءة المستورد منها.. لهذا – وهنا بيت القصيد – جاءت زيارة رئيس الوزراء حيدر العبادي الى الصين في الحادي والعشرين من شهر كانون الاول المنصرم  لتكون بمثابة  اعادة افتتاح لطريق الحرير ليمتد هذه المرة مباشرة من بغداد الى بكين .. اذ اثمرت الزيارة عن نتائج مهمة جدا من بينها ان العبادي طلب من الصينيين عدم السماح بتصدير اية بضائع غير مطابقة للمواصفات الى العراق وبهذا  سنتخلص من  من تلك (الازبال) التي تردنا من بلاد التنانين !.. فضلا عن الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعت بين الجانبين في المجالات العسكرية والنفطية  والاستثمار في مختلف المجالات ما يعطي انطباعا واضحا ان شراكة  ستراتيجية قوية بين البدين  بدأت ملامحها  تتضح  وسيكون العراق الجانب الاكثر استفادة من هذه الشراكة ، لان الصينيين وضعوا العراق نصب اعينهم منذ سنين طويلة وهم ينتظرون فرصتهم للدخول بقوة في البيئة الاستثمارية العراقية الواحدة .. ومما يقوي هذه الشراكة ويعززها هو ضرورة ان يتحرك العراق بقوة نحو الانضمام  الى البنك الاسيوي للاستثمار الذي انشئ في الصين وتنخرط في عضويته 60 دولة من اسيا وأوروبا وأفريقيا وأميركا اللاتينية ويعنى هذا البنك بمنح القروض للدول الاعضاء  لتنفيذ المشاريع في مجال البنى التحتية وسد احتياجات سكانها من هذه ألخدمات ، ومن المؤكد ان انضمام العراق لعضوية هذا البنك سيمنحه امكانية في مواجهة التحديات الاقتصادية في الجانب الاستثماري وتحقيق الخدمات في ظل تزايد مطرد للسكان (نحو 37 مليون نسمة) ، فضلا عن تحرير الاقتصاد العراقي من الضغوط التي تمارسها بعض المؤسسات الدولية .. ومن المؤكد ان الصين وادارة الصندوق سيقبلان على العراق بقوة فيما لو طلب الانضمام اليه بسبب الموقع الستراتيجي لبلاد النهرين على طريق الحرير ، وبطبيعة الحال ان شروط الحصول على القروض من هذا الصندوق لن تكون شبيهة بشروط صندوق النقد الدولي ، انما هي شروط ميسورة مقدور عليها تتعلق بتحسين البيئة الاستثمارية في البلد بهدف تحقيق سياسة التوطين الصناعي الصيني في العراق، ناهيك عن تطوير واقع المنشآت الجمركية في المنافذ الحدودية وغير ذلك من الاصلاحات الداخلة اصلا في سياسة الاصلاح الحكومي  . خلاصة القول ان الشراكة الجديدة الصينية  - العراقية ستدفع  دولا اسيوية اخرى تعد نفسها من النمور  مثل كوريا الجنوبية واليابان وغيرها الى اعادة النظر في اطر علاقاتها مع العراق والتخفيف من مخاوفها الامنية  التي تمنعها من الولوج  بقوة الى السوق العراقية  ومعنى هذا ، ان طرقا حريرية جديدة ستفتح  في الافق وهذا مؤشر نجاح في السياسة
 الحكومية . 

مشاهدات 1152
أضيف 2016/01/18 - 9:08 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 5830 الشهر 65535 الكلي 8157256
الوقت الآن
الإثنين 2024/5/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير