منهج اقتصادي مقترح للحكومة الجديدة

 

بعد عام ٢٠٠٣ تعاقبت على حكم العراق وادارته 6 حكومات، بدأت بحكومة مجلس الحكم وبول بريمر الحاكم المدني الامريكي وان هذا الرجل اصدر عدة قوانين لتنظيم الحياة الاقتصادية الجديدة منها قانون البنك المركزي العراقي وقانون المصارف وقانون مكافحة غسل الاموال وقانون سوق العراق للاوراق المالية وقانون الادارة المالية. وان جميع الحكومات اللاحقة ومن خلال تنفيذهم والسير وفق هذه القوانين اثبتت التجربة انها قوانين قاصرة وبحاجة الى اعادة صياغة وتعديل لانه بالرغم من موارد العراق النفطية العالية خلال السنوات اعلاه والارقام المتعاظمة للموازنات العامة لم يتحقق شيء على مستوى البناء الاقتصادي السليم بل بالعكس وصل العراق الى ادنى مستوى في اغلب مجالات الحياة واخرها انه عانى من ازمة اقتصادية ومالية خانقة لاسباب موضوعية كأنخفاض اسعار النفط العالمية وتكاليف الحرب على الارهاب ولكن هناك اسباب ذاتية تتحملها الحكومات والكوادر السياسية والاقتصادية المتعاقبة التي تحملت مسؤولية ادارة الدولة بسبب عدم الخبرة والمهنية والتخصص اضافة الى عدم وجود منهجية وفكر إقتصادي وقوانين تخدم تطبيق المنهج الاقتصادي والطامة الكبرى التي سببت ذلك هو المحاصصة وسوء التخطيط السليم للاقتصاد وسوء ادارة المال العام مع احترامنا لجميع النوايا الطيبة والشخصيات الوطنية الشريفة وبعض المؤسسات الاقتصاديه التي كانت نقاطا مضيئة في وسط مظلم خلال السنوات الاربعة الماضية ومنها على سبيل المثال البنك المركزي ووزارة النفط وازاء ذلك الواقع لبلد غني يمتلك رابع احتياطي نفطي في العالم ونهرين كبيرين وأراضي شاسعة صالحة للزراعة واكثر من عشرة ملايين من قوى العمل القادرة على العمل من ابناء الوطن وخبرات اكاديمية وعلمية ومهنية عالية المستوى مع الاسف الشديد تم تهميشها وابعادها بقصد او بدون قصد عن قيادة الوزارات والمؤسسات الاقتصادية.

وإزاء هذا الواقع ظهرت مطالبات جماهيرية بضرورة اعادة مسار واصلاح العملية السياسية والاقتصادية بشكل جديد وفق منهج جديد بتشكيل حكومة جديدة تستند بالاساس على اصلاح الاقتصاد الوطني واشراك القطاع الخاص الحقيقي في ادارة الاقتصاد.

إن الذي يهمنا كأقتصاديين في هذه المرحلة وبعد تحليلنا لواقع الاقتصاد العراقي واسس البناء التي اعتمدت سابقا في ادارة الاقتصاد ومنهجيته في ذلك نؤكد ما أشرنا اليه سابقاً انه لغاية الوقت الحاضر ليس لدينا منهج اقتصادي ولا توجد خارطة طريق لاصلاح البناء الخاطىء الذي اعتمدته الحكومات السابقة طيلة السنوات الماضية واستمر الحال من اخفاق الى اخفاق الى ان وصلنا الى الازمة الاقتصادية والمالية في عام ٢٠١٤ ومازلنا نعاني منها بالرغم من بعض النجاحات التي حققتها بعض المؤسسات الاقتصادية في تحقيق الصمود الاقتصادي ودعم الاقتصاد الوطني بتطبيقات جيدة للسياسة النقدية والتي ساهمت في الحد من التضخم والمحافظة على استقرار سعر الصرف وبناء احتياطات اجنبية كافية وفقا للمعايير الدولية ومعايير صندوق النقد الدولي لذلك من وجهة نظري المتواضعة يمكن ان اوكد ان الاقتصاد العراقي عموما وتجاوزا ً لازمته الاقتصادية والمالية لا يحتاج فقط الى حكومة خبراء وتكنوقراط وانما الأهم من ذلك الحاجة ملحة ان يكون هناك منهج اقتصادي مرسوم ومبني على عدة ركائز اقتصادية مهمة تعتمد فلسفة جديدة لادارة الاقتصاد لتحقيق الهدف المركزي وهو (الاصلاح الاقتصادي هو الحل لجميع مشاكل العراق) وخلق التنمية المستدامة وتحقيق التنوع في الموارد وتطوير البنى الاقتصادية والبشرية من اجل البناء السليم للاقتصاد العراقي وبناء مقدمات الانتقال الى اقتصاد السوق الاجتماعي وفقا للتجربة العراقية في دراسة وتحليل الواقع السابق والحالي والنظرة للمستقبل والامكانات المتاحة وبخارطة طريق واقعية وطموحة تعتمد ادارة وتوزيع المال العام بشكل شفاف ونزيه على ان يكون المستفيد في النتائج والمخرجات الشعب وان يحس المواطن ان اقتصاده الوطني وموارده وخيراته هي مخصصة لضمان العيش الكريم له ولعائلته كما ورد في مواد الدستور العراقي الدايم وبما يحقق الرفاهية للمجتمع وان يتم وضع هذا المنهج الاصلاحي الجديد من قبل خبرائنا وكفاءاتنا العراقية ولابأس من الاعتماد والاستعانة بخبراء دوليين وبشكل خاص من الدول التي لها تجارب ناجحة في البناء الاقتصادي في التاريخ الحديث والمشابه لنا في بعض الظروف والمشاكل ويمكن ان يستفاد من تجارب اليابان والصين وماليزيا وسنغافورا وبعض الدول الاخرى التي اعتمدت نظام اقتصاد السوق الاجتماعي ويمكن تحديد خارطة الطريق لتحقيق منهج الاصلاح الاقتصادي في العراق وفقاً للاطر العامة التالية:-

أولا: اعادة تأسيس النظام الهيكلي والمؤسسي لادارة الاقتصاد باشراك القطاع الخاص في قيادة المؤسسات الاقتصادية واختيار الكفاءات والخبرات الاقتصادية الوطنية المستقلة والتي لها تجارب ناجحة في الادارة الاقتصادية.

ثانياً: وضع السياسات والاوليات لتنويع مصادر تمويل الموازنة العامة وعدم الاعتماد وبشكل رئيسي على النفط فقط.

ثالثاً: الانتقال الى الادارة اللامركزية للاقتصاد وتحويل الصلاحيات اللازمة للحكومات المحلية في المحافظات على ان يقودها مجالسها تكنوقراط مستقلين وتخضع لهيئة المتابعه المركزية التي ترتبط برئيس مجلس الوزراء وهذه الهيئة هي هيئة فنية مختصة مهمتها متابعة تنفيذ الخطط التنموية للمحافظات.

رابعاً: تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة وخلق وتهيئة المناخ الاستثماري للمستثمرين المحليين والاجانب وتحفيزهم وتشجيعهم وضمان حقوقهم التعاقدية لجذب رؤوس اموالهم وحمايتهم من ضغوطات المفسدين.

خامساً: توفير القروض الميسرة لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وتأسيس منظومة قانونية ومؤسسية لتمويلها لإدارتها وتنميتها وتطويرها.

سادساً: اصدار وتعديل قوانين البيئة القانونية لتنظيم العملية الاقتصادية ويعني هنا اصدار قوانين جديدة بدلا من القوانين التي صدرت في عام ٢٠٠٤ من قبل الحاكم الامريكي.

سابعاً: تحفيز وتشجيع الاستثمار في القطاعات الزراعي والصناعي والطاقة والسياحي والخدمات والتشييد والاسكان.

ثامناً: اصلاح القطاع المصرفي من خلال اعادة النظر بتقييم وتصنيف وهيكلة المصارف الحكومية والخاصة وتوزيعها وتطويرها وفقا لحاجة السوق النقدية والاقتصادية العراقية ووفقا للمعايير الدولية.

تاسعاً: اصلاح النظام الضريبي والمالي والكمركي باعادة اسس وصيغ التحاسب الضريبي والكمركي واستخدام التقنيات الحديثة المعتمدة في دول العالم بما يعزز وينمي الايرادات المستحصلة لخزينة الدولة.

 

*مستشار اقتصادي ومصرفي


مشاهدات 1701
أضيف 2018/08/27 - 8:37 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 6080 الشهر 65535 الكلي 8061236
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/4/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير