الاستثمار التنموي في القروض

الاقتصاد نيوز/ بغداد...



عبد الزهرة محمد الهنداوي


الحديث عن ملف القروض يحمل الكثير من الهموم والشجون لاسيما بعد ان تحول العراق من دولة دائنة إلى دولة مدينة .. واصبحنا اليوم نئن تحت وطأة دين يقصم الظهر ،اذ تشير البيانات إلى ان مقدار الدين العام الداخلي والخارجي تجاوز الـ (110) مليارات دولار وهو رقم فلكي ربما يشكل ما نسبته  (60 بالمئة ) من مقدار الناتج الاجمالي .
وتبلغ حصة الفرد من الديون وفقا لهذه الارقام قرابة 3 الاف دينار مقابل 6 الاف دينار حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ، وهذه النسبة تشعل ضوءا احمر باننا اصبحنا في المنطقة الاقتصادية الحمراء ، على اعتبار ان مقدار الدين يتجاوز نسبة النصف بالمقارنة مع الناتج الاجمالي .
فكيف سيكون بامكاننا الايفاء بهذه الالتزامات المالية الثقيلة واقتصادنا مازال يسير على قدم واحدة مصابة بالعرج نتيجة اعتماده المفرط على النفط الذي مابرح متقلبا في اسعاره متراجعا بخطوات بعيدة عن مستوياته خلال مرحلة الجنون السعري ما ادى إلى اصابتنا بالمرض الهولندي.واذا دخلنا في عمق ديون العراق وتفاصيلها نجدها تنقسم إلى قسمين الديون الداخلية والخارجية ، والخطورة تكمن في الدين الخارجي اكثر، فالدين الداخلي  يمكن السيطرة عليه من خلال اتخاذ جملة من الاجراءات والمعالجات التي من شأنها حل المشكلة كما حدث مع مستحقات المقاولين الناتجة عن قيامهم بتنفيذ المشاريع الاستثمارية المستمرة التي توقفت بسبب الازمة المالية فلجأت الحكومة إلى اصدار سندات مسيلة لسداد تلك المستحقات البالغة نحو 5 ترليونات دينار وهكذا بقية الديون.
يبلغ مقدار الدين الخارجي نحو 65 مليار دولار منها 41 مليار دولار ديون سابقة معظمها لدول الخليج كان النظام السابق قد اقترضها لإدامة زخم حربه مع ايران ، وبالتالي فهي من الديون الرديئة التي لم يستفد منها الشعب العراقي في الجوانب التنموية وهذا الدين على وجه التحديد وبسبب رداءته فان الدول الخليجية لم تطالب به حتى الان لذلك تم عده من الديون المعلقة ، فهي مثبتة في السجلات من دون جدولة او فوائد سنوية تذكر ، وهذا يقلل إلى حد ما من خطورة الدين العام ويجعل الناتج المحلي الاجمالي في مأمن من الخطر.وحين نشير إلى مقدار  الديون الخارجية فأن هذه الارقام هي الدين الصافي بعد شطب ما نسبته 80 بالمئة من الدين في اطار اتفاق نادي باريس عام 2004 الذي تم بموجبه شطب 100 مليار دولار .
وبصرف النظر عن حجم الدين داخليا كان ام خارجيا ، فان الدولة مستمرة في الاقتراض من الخارج فضلا عن ديونها الداخلية التي تحاول من خلالها تأمين رواتب الموظفين في بعض الشركات الخاسرة المملوكة للدولة اي انها باتت استهلاكية فقط وعددها ليس بالقليل ، والمشكلة الاكبر والاخطر هي ان هذه الديون الكبيرة اغلبها ديون مالية تشغيلية وليست استثمارية ، ومعنى هذا انها ديون غير منتجة وبالمقابل تترتب عليها فوائد سنوية حتى وان كانت هذه الفوائد متهاودة ولكنها في نهاية المطاف يتوجب على العراق الايفاء بها في يوم من الايام ، وهذا اليوم لم يعد بعيدا ، ففيما يتعلق بالقروض التي تم الحصول عليها من صندوق النقد الدولي وبعض البنوك فان عام 2020 الذي لا تفصلنا عنه سوى ثلاث سنوات سيكون موعدا لبدء التسديد لهذه الديون التي لا مجال لتسويتها او تأجيل تسديدها . وهنا دعونا نوجه مسار الحديث إلى وجهة اخرى ، فنقول ، ان الدين ان لم يكن منتجا فانه يمثل عبئا ثقيلا على الاقتصاد لذلك ينبغي التفكير جديا في توجيه مخرجات القروض الخارجية نحو دعم التنمية التي تعاني الكثير من الاختلالات البنيوية ، فنحن بحاجة إلى مشاريع حيوية في القطاع الزراعي ومثله قطاع السياحة وكذلك الصناعة لنضمن على الاقل امكانية تسديد الفوائد المترتبة على تلك الديون ، من جانب ومن جانب اخر نخطو خطوات باتجاه تفعيل قطاعات التنمية البديلة للنفط وتحقيق التنمية المستدامة التي اصبحت هدفا لتوجهات دول العالم كافة ، فان نجحنا في عملية الافادة من مخرجات الديون تنمويا فإننا في ذلك سنحافظ على حقوق الاجيال المقبلة.
ولكن يبقى السؤال الاهم : هل بإمكاننا ان نستغني عن الاقتراض في ظل ازمة مالية مستمرة ومطالبات من قبل البنك الدولي بوجوب اجراء حزمة من الاصلاحات والمالية والنقدية والتجارية تتمثل  بتقليص النفقات العامة من خلال الغاء الدعم لبعض الخدمات التي تقدمها الحكومة مثل المنتجات النفطية والبطاقة التموينية ، فضلا عن خصخصة القطاع العام المتمثل  بتحويل  المؤسسات  الاقتصادية والحكومية إلى  مؤسسات خاصة ، وهذا الامر لم يتحقق لأسباب كثيرة ، وكذلك الدعوة إلى تحرير التجارة برفع القيود  الجمركية  والإدارية التي من شأنها اعاقة انتقال السلع والبضائع ورؤوس الأموال وفي هذه الجزئية بالذات يرى البعض انها اضرت بالاقتصاد العراقي وفتحت الافاق امام غزو سلعي تسبب بحالة انكشاف خطيرة للاقتصاد  .. ولهذا تعتقد ثلة من الخبراء ان الديون تمثل  تكبيلا  للاقتصاد،  بلحاظ ان القروض الحالية التي يحصل عليها البلد تذهب لسد العجز التشغيلي في الموازنة ، اما ما يخصص منها للتنمية والاستثمار فلايكاد يذكر ، او بمعنى اخر انها قروض غير 
منتجة. خلاصة القول: ان ملف الدين بات يشكل ضغطا كبيرا على الاقتصاد الوطني ويمثل تهديدا للتنمية ليس في حاضرها فقط انما ستمتد تأثيراته إلى المستقبل وبالتالي فنحن بحاجة إلى اجراءات ومعالجات جذرية نحاول من خلالها تحقيق هدفين ، الاول امكانية التوقف عن الاقتراض ، اذ ليس من المنطق ان تبلغ موازنتنا العامة نحو 80 مليار دولار ونذهب لاقتراض 3 او 4 مليارات دولار ضررها اكثر من نفعها .. والهدف الثاني الشروع بتنفيذ مشاريع ممولة للاقتصاد يمكن من خلال ما تحققه من ارباح اقتطاع نسبة معينة لسداد فوائد الديون ، وبذلك يمكن لنا ان نخلق تنمية مستدامة حقيقية تضمن حياة افضل لنا وتحفظ حقوق الاجيال المقبلة . 




mm

مشاهدات 1481
أضيف 2017/03/15 - 10:40 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 12494 الشهر 65535 الكلي 7887403
الوقت الآن
الجمعة 2024/4/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير