كيف انهارت معيشة الطبقة المتوسطة في إيران خلال عقد؟

الاقتصاد نيوز - متابعة

يمرّ السجل الاقتصادي للسنوات العشر الماضية في إيران كأنّه مرثية لانكماش الطبقة المتوسطة وتلاشي أحلامها تحت ضغط التضخّم البنيوي والصدمات السياسية. فما مرّ على معيشة الإيرانيين بين عامي 2014 و2024 لم يكن مجرد ضائقة مالية، بل تحوّل عميق في بنية الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين.

وقالت صحيفة شرق في تقریر لها، إن المجتمع الإيراني خلال هذا العقد شهد تراجعاً تاريخياً. فالأسر التي كانت في مطلع العقد الثاني من الألفية ترسم آفاق الرفاه في التعليم والترفيه والسفر والغذاء الصحي، مستفيدة من الاستقرار النسبي والتوقعات الإيجابية للانفراج الدبلوماسي، وجدت نفسها بعد أزمة العملة عام 2018 وما تلاها من صدمات اقتصادية متعاقبة، في موقع الدفاع عن البقاء.

في ما يلي عرض عام لمسار هذه التحولات خلال عقد من الزمن:

أصبح السكن في الاقتصاد السياسي الإيراني أكثر من مجرد مأوى؛ فقد تحوّل إلى عبء يخلّ بالتوازن الاقتصادي للمواطنين. فعلى الرغم من أن حصة السكن في 2014 بدأت بنسب معقولة، إلا أنّها بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتحول العقار إلى ملاذ آمن للاستثمار، شهدت ارتفاعاً حاداً.

وسجّلت حصة السكن من نفقات عام 2024 مستوى 43 في المئة، ما يعكس فشلاً سياسياً شاملاً، إذ تُضطر الأسرة الإيرانية لإنفاق نصف دخلها تقريباً على الإيجار أو السكن، والنصف الآخر لتأمين أساسيات المعيشة. وبالمقارنة، تبلغ هذه الحصة نحو 25 في المئة في أوروبا و28 في المئة في تركيا، ما يكشف حجم المعضلة.

وانخفضت حصة الأثاث ولوازم المنزل من 4.13 في المئة في مطلع العقد إلى 2.85 في المئة عام 2024.

أما قطاع الصحة، فقد بلغ ذروته عند 10.87 في المئة عام 2020، وهي نسبة مرتفعة جداً مقارنة بالمتوسط الأوروبي والتركي البالغ ثلاثة إلى خمسة في المئة.

حصة النقل والاتصالات التي بلغت ذروتها عند 12.40 في المئة عام 2018، تراجعت إلى 8.78 في المئة في 2024. ويعكس هذا التراجع ليس انخفاض تكاليف الخدمات، بل تراجع السفر وتقلّص استخدام السيارات الشخصية بسبب كلفة الوقود وقطع الغيار والصيانة. للمقارنة، تتراوح نسبة الإنفاق على النقل بين 12 و15 في المئة في أوروبا ونحو 14 في المئة في تركيا، ما يدل على تقلّص قدرة الإيرانيين على الحركة.

وانخفضت حصة الترفيه والخدمات الثقافية من مستوى 3.13 في المئة عام 2016 – وهي الفترة القصيرة التي ساد فيها التفاؤل بعد الاتفاق النووي – إلى 1.97 في المئة عام 2024، في فجوة كبيرة مقارنة بالمتوسط الأوروبي الذي يتراوح بين 8 و12 في المئة، وبتركيا عند نحو ستة في المئة.

في المقابل، وعلى خلاف قطاعات أخرى يشير انخفاض حصتها إلى الفقر، فإن الحصة المرتفعة نسبياً لقطاع التعليم في إيران مقارنة بالمعايير العالمية (3.24 في المئة مقابل واحد إلى اثنين في المئة في أوروبا وتركيا) ليست مؤشراً إيجابياً بل تنبيهاً خطيراً. فقد ارتفعت هذه الحصة مع تراجع دور الدولة في تقديم التعليم المجاني، وتدهور جودة المدارس الحكومية منذ 2017، ما دفع الأسر نحو المدارس الخاصة والدروس الإضافية ودورات اللغات. وهكذا تحوّل التعليم إلى أحد أكثر بنود الإنفاق كلفة بالنسبة إلى الطبقة المتوسطة، وبات وسيلة لترسيخ الفجوة الطبقية منذ سنوات الدراسة الأولى.

ويؤكد ما يرد في قطاع الفنادق والسفر تراجع السياحة لدى الطبقة المتوسطة، إذ بات السفر حدثاً استثنائياً لا جزءاً من نمط الحياة. وتلجأ كثير من الأسر إلى التخلي عن السفر أو الاكتفاء بخيارات منخفضة الجودة واللجوء إلى التخييم القسري لعدم القدرة على تحمل كلفة الإقامة والخدمات.

أما تقلبات حصة الخبز والحبوب، فهي مؤشر مباشر على مستوى الفقر. فقد تراجعت الحصة من 5.19 في المئة عام 2014 إلى 4.02 في المئة خلال أزمة العملة عام 2018، لكنها قفزت مجدداً إلى 5.14 في المئة عام 2019، في ردّ فعل دفاعي على ارتفاع أسعار البروتين. فحين يختفي اللحم من المائدة، يحلّ الخبز مكانه.

وتراجعت حصة اللحوم من 5.34 في المئة مطلع العقد إلى 3.23 في المئة عام 2024، مقارنة بـ7 إلى 8 في المئة في تركيا.

أما أكثر المؤشرات إثارة للقلق فهو الانهيار في استهلاك الألبان، إذ انخفضت حصتها من ذروة بلغت 3.24 في المئة عام 2022 إلى 2.39 في المئة عام 2024.

وتراجعت حصة الفواكه والخضروات إلى 4.39 في المئة عام 2024، وهي نسبة بعيدة عن المعايير الأوروبية التي تتراوح بين 9 و12 في المئة.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 74
أضيف 2025/12/07 - 9:44 AM