
تعد الانتخابات التشريعية في العراق من المفاصل المحورية للعملية السياسية كونها الحلقة القانونية والشرعية التي تكفل الانتقال والتحول السلمي للسلطة وتعمل على تحقيق المقدمات اللازمة والمتطلبات الاساسية لعملية بناء الدولة بكل اجزائها ونمو المجتمع بالشكل السليم.
ان تأثير الانتخابات على الاقتصاد يكون تأثيرا ملموسا، لكن غير مباشر بما تضفيه من شرعية للحكومة الناجمة عن انتخابات ذات إقرار جماهيري قوي واجماعبرلماني تشريعي منه تستمد الشرعية اللازمة لاتخاذ قرارات إصلاحية مصيرية، مثل خفض الدعم أو إعادة هيكلة القطاع العام وتحفيز القطاع الخاص او تقليص الريعية وتوسيع مصادر الدخل او الناتج المحلي الاجمالي.
ومع ذلك، فإن ضعف الإقرار في الانتخابات من شانه ان يُضعف هذه الشرعية ويعكس فقدان الثقة بالأحزاب والنخب الحاكمة. فتأطير الصراع السياسي بدلا من حله غالباً ما يجعل الانتخابات تعيد توزيع النفوذ بين النخب السياسية(إعادة معايرة القوة) بدلاً من إحداث تغيير او تطوير في مشهد الإنجاز . ومع التلكؤ الحاصل في النظام السياسي القائم على خلق تحالفات هشة تعيق تشكيل حكومات غيرقادرة على تنفيذ رؤية استراتيجية للإصلاح الاقتصادي طويلة الأجل .
ان ما تقدمه الأحزاب والكتل السياسية من برامج انتخابية نرى بان جلها تفتقر بشكل او بآخر إلى أطرتمويل واضحة وآليات تنفيذ محددة. فضلا عن وعود بخلق فرص العمل ومحاربة الفساد من المتوقع ان تبقى شعارات عامة في غياب خطط مالية واقعية ومؤشرات أداء قابلة للقياس والتقييم.
لكن مع تنامي الحراك السياسي واستمرار ممارسة التجربة السياسية والتطور الواضح في أداء الحكومة لتقديم خدمات ضرورية وإتمام جزء كبير من المشاريع المهمة على الرغم من وجود السلبيات الكثيرة فان التفاؤل كفيل بان عملية التنافس الانتخابي ما بين الأحزاب والكتل السياسية على مختلف اطيافها ومشاربها من الممكن ان يقدم كتلة للصلاح الحكومي تأخذ على عاتقها النهوض بالبلد واكمال ما تم الوصول اليه ، عبر الاخذ بمتطلبات التحول نحو التنمية والاستثمار. ومن ثم تحويل الانتخابات من مجرد تمثيل سياسي إلى محفز حقيقي للاستقراروالنمو الاقتصاديين ، من خلال الالتزام بتقديم عدة بنود في سياسة الدولة وبرنامجها الحكومي :
1. الإرادة السياسية لمواجهة الفساد: يجب أن تتحلى الحكومة القادمة بالإرادة لمواجهة شبكات الفساد المتربعة في مؤسسات الدولة. هذا يتطلب تعزيز مؤسسات الرقابة مثل هيئة النزاهة وديوان الرقابة المالية ومنحها سلطات تنفيذية اكثر . والعمل على نجاح أنظمة مثل النظام المتكامل لإدارة المالية العامة (IFMIS) "نظام إدارة المعلومات المالية المتكامل"، الذي يجعل العمليات المالية شفافة وقابلة للتدقيق.
2. إصلاح هيكلي للاقتصاد: يجب أن يكون هناك تحول جادمن الاقتصاد الريعي المعتمد على النفط إلى اقتصاد متنوع. يتطلب ذلك تحويل الإنفاق العام من الاستهلاك الجاري إلى الاستثمار في مشاريع البنية التحتية التي تحفز القطاع الخاص .
3. مشاركة مجتمعية فاعلة ورقابة: يمكن للضغط المستمر من المواطنين ووسائل الإعلام المستقلة ومنظمات المجتمع المدني أن تلعب دوراً محورياً في محاسبة الحكومة ومطالبتها بالشفافية . المطالبة بنشر العقود ومتابعة موازنات المشاريع يمكن أن يحول دون إهدار المال العام .
ولضمان أن تنتج الانتخابات حكومة قادرة على قيادة التنمية الاقتصادية، يجب أن تركز سياساتها على بناء مؤسسات قوية ومستقرة من خلال التركيز على الخطوات الآتية:
1. إصلاح الإطار التشريعي: يحتاج العراق إلى تبني نهج "التشريع السليم" لضمان أن تكون القوانين متماسكة وقابلة للتنفيذ وتلبي الاحتياجات الاقتصادية الواقعية للمجتمع. يجب أن تركز القوانين على تعزيز الشفافية ومحاربة الفساد وحماية حقوق الملكية.
2. الإصلاح الهيكلي للاقتصاد: الهدف الأساسي هو الانتقال من اقتصاد الريع النفطي إلى اقتصاد متنوع الإنتاج. يتطلب ذلك خطة وطنية لتنمية القطاعات غير النفطية مثل الزراعة والصناعة والتجارة والسياحة والخدمات.
3. تحفيز القطاع الخاص والاستثمار: يمكن تحقيق ذلك من خلال بناء سياسة لدعم إجراءات فتح الشركات وتخفيض الضرائب على الاستثمارات الجديدة والإنتاجية، وتقديم تسهيلات ائتمانية للشركات الصغيرة والمتوسطة.
4. إصلاح المالية العامة : إعادة هيكلة الإنفاق الحكومي للحد من الإنفاق الجاري وزيادة حصة الإنفاق الاستثماري في البنية التحتية والتعليم والصحة وغيرها من القطاعات التي من شانها ان تخلق أساساً متيناً للنمو طويل الأمد.والعمل على صياغة متناغمة بين السياستين المالية والنقدية لتقليل التزاحم وتقليص الآثار السلبية لتقاطع عملهما، لا بل توحيد الأهداف المالية والسعي الى رؤية اقتصادية مشتركة فيما بينهما.
باختصار، فان الانتخابات التشريعية هي شرط ضروري ولكن غير كافٍ لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في العراق. فهي تشكل نافذة فرص لإحداث التغيير، لكن الضمان الحقيقي يكمن في تغيير القواعد السياسية التي تحكم المعادلة، وبناء إجماع وطني على برنامج إصلاحي طويل الأجل، وخلق علاقة جديدة قائمة على الشفافية بين المواطن والحكومة.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام