أزمة المياه في العراق.. عامان بلا زراعة وتحذيرات من "كارثة" جنوبية

يواجه العراق أزمة مائية غير مسبوقة، تصنّف على أنها الأخطر منذ عقود، وسط تراجع حاد في الخزين المائي، وارتفاع مستويات الملوحة، وتراجع الإطلاقات من دول المنبع، خاصة تركيا. 
وفي حين تسعى الحكومة إلى تبني حلول استراتيجية منها تحلية المياه واستنساخ التجربة التركية في إدارة الموارد المائية، تلوح في الأفق تحذيرات جدّية من كارثة بيئية وإنسانية، خاصة في محافظة البصرة.
وخلال اجتماع موسع، عُقد في وقت سابق، بديوان محافظة البصرة، ترأسه رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، بحضور وزراء الموارد المائية، الإعمار، الزراعة، ومحافظي البصرة وميسان وذي قار، تم استعراض أبرز التحديات الناجمة عن شحة المياه، وعلى رأسها ارتفاع نسب الملوحة وتأثيرها على مياه الشرب والزراعة.
السوداني شدّد خلال الاجتماع على ضرورة مواجهة الأزمة المزمنة "بروح الفريق الواحد"، معلنًا عن توقيع اتفاق استراتيجي مع تركيا لنقل تجربتها الناجحة في إدارة المياه، حيث تعتمد 90% من مصادر العراق المائية على تركيا. كما أكد التزام الحكومة بتنفيذ مشروع تحلية مياه البحر في البصرة، ووصفه بأنه "الأكبر من نوعه في المنطقة".
الى ذلك، وصف وزير الموارد المائية، عون ذياب، عام 2025 بأنه "الأصعب مائيًا"، مشيرًا إلى أن الخزين المائي في السدود الكبرى انخفض إلى أقل من 8 مليارات متر مكعب، وهو رقم غير كافٍ لتلبية الاحتياجات الزراعية والسكانية، خاصة مع التوقعات بانخفاض الأمطار واستمرار الجفاف.
الوزير كشف أن الزراعة ستتوقف فعليًا في شهر أيلول المقبل، ما يعني خسارة موسم الحنطة الذي كان قد شهد اكتفاءً ذاتيًا خلال العامين الماضيين. 
كما تحدث عن استمرار المشاورات مع تركيا للتوصل إلى "آلية تقاسم ضرر"، في ظل اعتماد أنقرة على تشغيل سدودها لأغراض الطاقة، مما يقلص المياه الواصلة إلى العراق.
عضو لجنة الزراعة والأهوار، النائب ثائر الجبوري، لم يتردد في اتهام تركيا بممارسة "سياسات مجحفة"، وخرق المواثيق الدولية، وعلى رأسها قرارات حماية الأهوار العراقية المدرجة ضمن لائحة التراث العالمي.
الجبوري وخلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز"، وصف الوعود التركية بشأن إطلاق المياه بـ"الكاذبة"، منتقدًا أداء الجانب العراقي في إدارة هذا الملف، وداعيًا إلى التعامل معه كملف سيادي لا يخضع للمجاملات السياسية. 
وطالب الجبوري بتشكيل مجلس أعلى دائم لإدارة المياه، بعيدًا عن المحاصصة والطائفية.
وفي الجنوب، حذّر الخبير البيئي والمائي عادل المختار من تفاقم أزمة الملوحة في مياه البصرة إلى مستويات غير آمنة، مؤكدًا أنها باتت تشكل تهديدًا مباشرًا لصحة السكان والمحاصيل الزراعية.
المختار أوضح أن قلة تدفق المياه، وتصريف مياه الصرف الصناعي والزراعي دون معالجة، أسهم في تدمير نوعية المياه، مطالبًا بتدخل حكومي فوري، وتفعيل مشاريع التحلية وإعادة تأهيل الأنهر والمجاري.
وقال المختار خلال حديثه لـ"الاقتصاد": "ما تشهده البصرة اليوم ليس مجرد أزمة بيئية، بل كارثة تهدد مستقبل المحافظة بأكمله، وإذا استمر التخاذل، سنشهد انهيارًا شاملًا في المنظومة البيئية والحياتية".
في ظل هذه الصورة القاتمة، لا يبدو أن الحلول الترقيعية كافية لإنقاذ العراق من جفاف يهدد ليس فقط أمنه المائي، بل سيادته الاقتصادية والبيئية والاجتماعية. يتطلب الأمر موقفًا وطنيًا موحدًا، واستراتيجية متكاملة، تبدأ من الداخل عبر إدارة رشيدة للموارد، وتستمر إلى الخارج بمفاوضات حازمة تستند إلى القانون الدولي وحقوق العراق التاريخية في مياه نهريه.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 107
أضيف 2025/08/04 - 7:32 PM