الاقتصاد نيوز - بغداد
وسط استمرار أزمة الجفاف الحادة التي تضرب العراق، أعلنت السلطات التركية عن إطلاق دفعة جديدة من المياه باتجاه الأراضي العراقية، في محاولة للتخفيف من آثار الانخفاض الكبير في مناسيب نهري دجلة والفرات.
الخطوة التركية جاءت في أعقاب تحركات دبلوماسية عراقية مكثفة، كان أخرها زيارة رئيس مجلس النواب محمود المشهداني إلى أنقرة، حيث حصل على تعهدات من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برفع الإطلاقات المائية إلى 420 متراً مكعباً في الثانية.
ورغم الترحيب الحكومي العراقي بهذه الخطوة، إلا أن مراقبين وخبراء في شؤون المياه أكدوا أنها لا تمثل حلاً جذرياً للأزمة المتفاقمة، بل تندرج ضمن الإجراءات المؤقتة التي لا تلامس عمق المشكلة.
وبهذا الصدد، حذرت لجنة المياه والزراعة النيابية من سياسة "التجويع المائي" التي تتبعها تركيا وإيران.
وخلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز"، قال عضو اللجنة ثائر الجبوري إن العديد من المحافظات، لاسيما في الوسط والجنوب، تعاني من جفاف قاسٍ دمّر مساحات واسعة من الأراضي الزراعية.
وأشار الى أن الحكومات العراقية المتعاقبة لم تتخذ خطوات حازمة للضغط على تركيا وإيران أو تدويل هذا الملف، بل اكتفت بإرسال الوفود التي تعود في كل مرة دون نتائج حقيقية على الأرض.
الحكومة العراقية، من جانبها، تسعى إلى إدارة الأزمة عبر حلول متعددة، أبرزها تعزيز التعاون مع تركيا في مجال إدارة المياه.
وفي هذا السياق، أعلن رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن حكومته وقّعت اتفاقاً إستراتيجياً مع الجانب التركي لنقل تجربة تركيا في إدارة السدود والمياه، في ظل اعتماد العراق بنسبة تتجاوز 90% على مصادر المياه المشتركة مع تركيا.
وأكد السوداني، خلال مؤتمر صحفي من محافظة البصرة، أن حكومته بدأت باتخاذ خطوات عملية تشمل تعزيز الدبلوماسية المائية، تنفيذ مشاريع استراتيجية لتحلية مياه البحر، وتطبيق إجراءات رقابية على التجاوزات في توزيعات المياه داخل العراق.
كما نوّه إلى موافقة تركيا على إطلاق كميات جديدة من المياه تصل إلى 320 م³/ثا من سد الموصل، و350 م³/ثا من الحدود السورية.
لكن هذه الوعود لا تخفي الواقع الصعب الذي تعانيه البلاد، إذ نقلت مصادر رسمية عن وزارة الموارد المائية العراقية أن مستويات الخزين المائي
وصلت إلى أدنى مستوياتها تاريخيًا، مع تراجع واردات نهر الفرات إلى نحو 300 م³/ثا، وانخفاض كبير في خزين بحيرات الثرثار والرزازة.
ويُشار إلى أن العراق يعتمد حاليًا على تشغيل سدود محددة مثل سد الموصل، وسد دربندخان، وسد دوكان، إلى جانب الإطلاقات المتقطعة من نهر الزاب الكبير.
التقارير البيئية المحلية والدولية تحذر من أن أزمة الجفاف قد تتفاقم خلال الصيف، لا سيما مع انتهاء ظاهرة "إل نينو" التي ساهمت في تقليص كميات الأمطار في عموم الشرق الأوسط، وارتفاع درجات الحرارة بمعدلات قياسية.
تقرير حديث لمجلة "فوربس" لفت إلى أن العراق فقد نصف احتياجه الصيفي من المياه، إذ انخفضت الاحتياطات الاستراتيجية إلى 10 مليارات متر مكعب فقط، مقارنة بـ18 مليار متر مكعب تحتاجها البلاد في موسم الصيف.
وفي الوقت الذي رحبت فيه بغداد بالاستجابة التركية، إلا أن خبراء عراقيين، من بينهم الخبير المائي تحسين الموسوي، حذروا من التعامل مع هذه الخطوات بوصفها حلولاً دائمة.
وفي حديث لـ"الاقتصاد نيوز"، اعتبر الموسوي أن الإطلاقات التركية لا تمثل سوى "خطوة ترقيعية"، مؤكدًا أن العراق بحاجة إلى اتفاق دائم وواضح يضمن حصصه المائية وفق القوانين الدولية.
وتبقى أزمة المياه في العراق من أعقد الملفات، حيث تتقاطع فيها العوامل المناخية، وسوء الإدارة المحلية، مع السياسات المائية الإقليمية لدول الجوار.
وبينما تتحرك الحكومة العراقية باتجاه استنساخ النموذج التركي في إدارة المياه وتحلية مياه البحر، تتزايد الحاجة إلى تحرك سياسي أوسع يضمن حقوق العراق التاريخية في مياه دجلة والفرات، ويحمي البلاد من كارثة مائية وإنسانية تلوح في الأفق.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام