عطش كردستان.. شلالات جفّت وسدود تئن

الاقتصاد نيوز - بغداد

في مشهد لم تألفه الطبيعة ولا ذاكرة سكان المنطقة، توقف شلال كلي علي بيك عن الجريان لأول مرة في تاريخه الحديث، بعدما كان أحد أبرز المعالم السياحية والبيئية في إقليم كوردستان، ووجهة يتردد عليها آلاف الزوار سنوياً لجماله الطبيعي وسحر موقعه الجبلي.

الجفاف التام الذي ضرب الشلال لم يكن وليد لحظة، بل جاء نتيجة تراكمات مناخية ومائية خطيرة، وسط شحّ متزايد في الأمطار، وارتفاع متواصل في درجات الحرارة، إلى جانب تغيرات جذرية في أنظمة التغذية الطبيعية التي كانت تمد الشلال بالحياة.

الشلال الذي كان ينبض بالمياه المتدفقة على مدار العام، يعتمد في تغذيته على الأمطار الموسمية، والينابيع الجبلية، والجداول الصغيرة، إلى جانب دور محدود للمياه الجوفية.

لكن خلال السنوات الأخيرة، بدأت هذه المصادر تتراجع تدريجياً حتى تلاشت بالكامل هذا العام، في وقت تتصاعد فيه مؤشرات الأزمة المائية في عموم المنطقة، وخصوصاً في شمال العراق، حيث تلقي التغيرات المناخية بظلالها الثقيلة.

إلى ذلك، رأى الخبير البيئي عبد الحميد الجاف، أن ما حصل في كلي علي بيك ليس حالة معزولة، بل نتيجة حتمية لمسار مناخي متدهور يضرب المنطقة، مشيراً إلى أن تراجع الأمطار وازدياد موجات الحرارة أدى إلى جفاف واسع للموارد السطحية، وأن الأثر لم يقتصر على المشهد الطبيعي فحسب، بل شمل التنوع البيئي والأنشطة الزراعية والسياحية التي كانت تعتمد على الشلال ومحيطه.

الجفاف طال أيضاً مصادر العيش، حيث أكد كاوه محمد، وهو من العاملين في القطاع السياحي المحلي، أن توقف الشلال تسبب في تراجع حاد للحركة السياحية، الأمر الذي انعكس سلباً على الفنادق والمطاعم ومكاتب السفر في المنطقة، التي بدأت تشهد ركوداً غير مسبوق منذ سنوات.

كما قال سكان محليون، للوكالة، إن هذه الظاهرة لم يشهدوها منذ عشرات السنين، ما يعكس حجم التغير الذي طرأ على الدورة المائية والطبيعة الجغرافية.

دوكان

وفي مشهد موازٍ لا يقل خطورة، يواصل سد دوكان تسجيل انخفاض حاد في خزينه المائي، ما ينذر بأزمة مضاعفة قد تمتد إلى قطاعات أوسع في الإقليم.

من جانبه، اوضح مدير السد، كوجر جمال، أن الخزين الحالي لا يتجاوز 24 بالمئة من الطاقة الكاملة، أي ما يعادل نحو 1.6 مليار متر مكعب فقط، وهو أدنى مستوى يسجله السد منذ أكثر من عشرين عاماً.

وأضاف جمال، أن "نسبة التراجع خلال عام واحد وصلت إلى 30 بالمئة، وذلك بفعل ضعف الهطولات المطرية، التي لم تتجاوز 220 ملم هذا الموسم، مقارنة بمتوسط سنوي كان يبلغ 600 ملم في العقود الماضية".

الأسباب والعوامل

التراجع الحاد في واردات المياه ليس فقط نتيجة لمناخ قاسٍ، بل يتصل أيضاً بعوامل بشرية وجيوسياسية معقدة.

وفي هذا الصدد، أشار الخبير المائي والأكاديمي علي البياتي، إلى أن إيران شيدت خلال السنوات الماضية عدداً كبيراً من السدود على الأنهار والروافد التي تصب في نهر سيروان والزاب الصغير، والتي تمثل شرايين مائية حيوية تصب في دجلة داخل الأراضي العراقية.

ومن بين هذه السدود، بحسب البياتي، سد داريان، وسد غاران، وسد شهيد كاظمي، والتي ساهمت جميعها في تقليص حجم التدفقات المائية بشكل كبير، مما أثر بشكل مباشر على بحيرتي دوكان ودربندخان.

تركيا بدورها، انتهجت سياسات مشابهة، إذ قامت ببناء سدود كبيرة على نهري دجلة والفرات، وقلصت حجم المياه المتدفقة نحو الأراضي العراقية، الأمر الذي أخلّ بالتوازن المائي على مستوى البلاد. وتشير التقديرات إلى أن العراق فقد خلال العقدين الأخيرين أكثر من نصف وارداته المائية من نهريه الرئيسيين، ما أثر على المخزون الستراتيجي، والأنظمة البيئية، والأمن الغذائي، فضلاً عن تهديد مباشر لمصادر مياه الشرب في بعض المحافظات.

وهذه الأزمة لا تقف عند حدود التراجع الطبيعي للمياه، بل تتداخل مع معضلات الإدارة والتخطيط المائي، في ظل غياب اتفاقيات ملزمة مع دول الجوار، وفي ظل ضعف مشاريع الحصاد المائي والتخزين الداخلي، تبقى كوردستان وباقي محافظات العراق مهددة بعطش متفاقم، قد لا يطال الشلالات والسدود وحدها، بل يمتد ليشمل الزراعة، والاقتصاد، والصحة العامة.

وفي الختام، دق المختصون ناقوس الخطر، مطالبين بوضع استراتيجية متكاملة لإدارة المياه، تشمل التفاوض الإقليمي على تقاسم عادل للموارد.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 149
أضيف 2025/06/29 - 10:49 AM