العراق ينزف اقتصاديا.. أزمة في الأجواء وخسائر "ضخمة" على الأرض

الاقتصاد نيوز - بغداد

يتكبد العراق خسائر اقتصادية يومية ضخمة نتيجة استمرار إغلاق أجوائه أمام حركة الطيران المدني، في ظل التصعيد العسكري المتواصل بين إيران وإسرائيل، والذي ألقى بظلاله الثقيلة على قطاعات النقل الجوي والسياحة والاستثمار في البلاد وبينما تسعى الجهات المعنية إلى تقييم الأضرار، تتعالى الدعوات لإيجاد حلول دبلوماسية تحدّ من تفاقم الأزمة وتحفظ السيادة والمصالح الوطنية.

ومنذ إعلان السلطات العراقية، في 13 أيار الماضي، وقف الرحلات الجوية المدنية والعسكرية “حتى إشعار آخر” بسبب المخاوف الأمنية الناتجة عن التصعيد الإقليمي، بدأت تتكشف ملامح أزمة اقتصادية صامتة تهدد أحد أهم الموارد السيادية للعراق، والمتمثلة في رسوم عبور الأجواء.

بحسب خبراء ومسؤولين، فإن العراق يخسر يوميًا مئات الآلاف من الدولارات نتيجة توقف حركة الطيران، وسط غياب رؤية واضحة لموعد إعادة فتح الأجواء أو آلية التعامل مع التداعيات المالية المتصاعدة.

بهذا الصدد، كشف خبير الطيران فراس الجواري، عن خسارة العراق ما يقرب من 3 ملايين دولار خلال عشرة أيام فقط من إغلاق أجوائه، وهي إيرادات كانت تُحقق يوميًا من عبور نحو 700 طائرة أجنبية، بمعدل تقريبي يصل إلى 300 ألف دولار يوميًا.

وكانت سلطة الطيران المدني العراقي، قد أصدرت بياناً رسمياً أعلنت فيه إغلاق المجال الجوي العراقي "أمام حركة الطيران المدني بشكل موقت"، مشيرة إلى أن القرار يأتي كإجراء احترازي للحفاظ على سلامة الملاحة الجوية في ظل تطورات إقليمية متسارعة.

مع مرور الساعات، تبيّن أن قرار الإغلاق لن يكون قصير الأمد كما تصور كثروخلال مدة قصيرة من الوقت بعد البيان الأول صدر تعميم جوي آخر (NOTAM ORBB A0373/25) يؤكد استمرار الإغلاق حتى إشعار آخر.

وبدأت شركات الطيران في مختلف دول العالم، من قطر والإمارات إلى تركيا وألمانيا، بتعليق رحلاتها إلى المطارات العراقية في بغداد والبصرة والنجف وأربيل، وتحويل مساراتها الجوية إلى طرق بديلة عبر السعودية والأردن ومصر وغيرها.

وأوضح الجواري خلال حديثه لـ"الاقتصاد نيوز"، أن العائدات كانت تُحتسب بواقع 450 دولارًا لكل طائرة تعبر الأجواء العراقية، مشيرًا إلى أن هذه الإيرادات توقفت بالكامل منذ بدء الإغلاق، ما شكّل ضربة موجعة لميزانية الطيران المدني.

لكن الخسائر لا تتوقف عند هذا الحد، بحسب الجواري، بل تمتد إلى شركات الشحن الجوي، والخطوط الجوية العراقية، والمطارات، والمسارات الجوية، التي باتت تواجه تحديات تشغيلية ومالية متزايدة.

وأشار إلى أن الرحلات التي تُسيّر حاليًا من مطار البصرة تتكبد تكاليف إضافية نتيجة اضطرارها لاستخدام مسارات أطول، ما يضاعف من استهلاك الوقود، ويزيد من ساعات عمل الطواقم، فضلًا عن الضغط على جداول الصيانة الدورية للطائرات.

وفي ما يخص التداعيات غير المباشرة، أكد الجواري أن قطاع السياحة تلقى ضربة قوية، خصوصًا السياحة الدينية في محافظتي النجف وكربلاء، التي تعتمد بدرجة كبيرة على توافد الزوار من الخارج. كما تراجع الإقبال على السياحة البيئية والطبيعية في إقليم كردستان، ما أثّر بشكل واضح على الفنادق، والمطاعم، وخدمات النقل الداخلي.

يذكر أن الدول المجاورة للعراق، أي الأردن ولبنان وسوريا، قد أعلنت عن إجراءات مماثلة، لكنها كانت أقل شدة من قرار العراق. اكتفت عمّان وبيروت بتعليق موقت خلال ساعات الليل أو في أوقات معينة، ثم أعادت فتح المجال الجوي نهاراً في اليوم التالي، وهي اليوم مفتوحة جزئياً لكن يبقى العراق وحده إضافة إلى إيران وإسرائيل، غالقاً أجواءه كلياً.

من جانبها، أعلنت لجنة النقل في مجلس النواب أن العراق يخسر أكثر من 250 ألف دولار يوميًا بسبب توقف عبور الطائرات

وقال عضو اللجنة، النائب عامر إسماعيل، إن العراق لم يخسر فقط إيرادات العبور، بل أيضًا الإيرادات المرتبطة بحركة الطيران المباشر، كالتذاكر، والخدمات الأرضية، وأرباح شركات الطيران

وشدد إسماعيل على ضرورة تحرك وزارة النقل ووزارة الخارجية لإيجاد مسار سياسي ودبلوماسي يحفظ سيادة العراق ويجنّبه الوقوع في تبعات صراعات لا ناقة له فيها ولا جمل، محذرًا من أن استمرار الوضع الحالي يهدد مستقبل قطاع الطيران ويضعف ثقة المستثمرين بالبنى التحتية الجوية

ودعا عضو لجنة النقل النيابية، الحكومة إلى إعداد تقرير شامل بالضرر الاقتصادي وتوثيقه ورفعه إلى الأمم المتحدة في مذكرة احتجاج تطالب بتعويضات نتيجة الأضرار المرتبطة بالصراع الإقليمي.

يأتي هذا الإغلاق في أعقاب تصاعد خطير في التوتر بين إسرائيل وإيران، بلغ ذروته في 13 حزيران/يونيو 2025، عندما شنت إسرائيل هجومًا صاروخيًا مفاجئًا على مواقع داخل إيران، لترد الأخيرة بسلسلة من الضربات الصاروخية الكثيفة ضد أهداف إسرائيلية.

من جهتها، أصدرت الوكالة الأوروبية لسلامة الطيران (EASA) تقييماً واضحاً اعتبرت فيه أن الأجواء العراقية أصبحت منطقة عالية الخطورة على الطيران المدني.

وورد في التحديث الأخير الذي أصدرته الوكالة، أنه "نظراً إلى التصعيد العسكري الجاري في المنطقة، هناك خطر مرتفع للغاية على الطيران المدني داخل أجواء العراق وإيران ولبنان وسوريا. توصي الوكالة بتجنّب استخدام المجال الجوي بجميع المستويات والارتفاعات حتى إشعار آخر."

هذا التحذير المعروف باسم  Conflict Zone Information Bulletin (CZIB)، يُصدر عادة في الحالات التي ترى فيها EASA أن هناك احتمالاً فعلياً لأن تتعرض الطائرات المدنية لأذى مباشر أو غير مباشر نتيجة النزاعات المسلحة، أو لغياب السيطرة الكافية على الأجواء، أو بسبب استخدام المجال الجوي في عمليات عسكرية غير معلنة.


ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام


مشاهدات 290
أضيف 2025/06/23 - 1:37 PM