شهد الاقتصاد الإيراني في السنوات الأخيرة تقلبات كبيرة. وقد أدّى تصاعد العقوبات الخارجية ضد طهران، إلى جانب استمرار بعض المشكلات البنيوية وسوء الإدارة في الاقتصاد الإيراني، فضلاً عن غياب التوافق بين النخب السياسية والاقتصادية حول خطاب اقتصادي موحد ومنسجم، إلى تراجع ملحوظ في عدد من المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، مما انعكس سلبًا على الوضع المعيشي للمواطنين. وفي هذا السياق، تظهر بين الحين والآخر إحصاءات تحمل دلالات ذات مغزى.
وكتب موقع فرارو، في خضم هذا المشهد، فإن إحدى النقاط المهمة فيما يتعلق بالمشاكل الاقتصادية التي تواجهها إيران اليوم هي أن جزءاً كبيراً من هذه المشاكل له جذور اجتماعية. وهي قضايا تُحفّز الأزمات الاقتصادية وتتأثر بها في الوقت ذاته. وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة تحديدًا إلى ثلاث رؤى وتحديات اجتماعية مقلقة تواجه الاقتصاد الإيراني:
1. أزمة بطالة خريجي الجامعات
استنادًا إلى أحدث الإحصاءات الصادرة مؤخرًا عن مركز الإحصاء الإيراني، من بين حوالي مليوني عاطل عن العمل في إيران، يُشكّل خريجو الجامعات ما يقارب 40%، أي حوالي 800 ألف شخص.
تؤثر هذه المسألة سلبيًا على الاقتصاد الإيراني من زاويتين. أولًا، يُخصص جزء كبير من الميزانية العامة للبلاد لقطاع التعليم، ومع ذلك، فإن النتيجة النهائية هي أن عددًا كبيرًا من القوى العاملة المُتعلمة يبقى بلا عمل، مما يعني أن الإنفاق في هذا القطاع لا يحقق أهدافه، وهو ما يشكّل تحديًا كبيرًا.
ثانيًا، إن المعدلات العالية من البطالة بين الخريجين تؤدي إلى هجرتهم بحثًا عن حياة أفضل خارج البلاد. وليس من الغريب أن إيران كانت لسنوات ضمن الدول التي تسجّل أعلى نسب للهجرة، وقد أظهرت تقارير حديثة أن سنّ الهجرة انخفض ليشمل حتى مرحلة الدراسة الثانوية وما قبل الجامعية.
من هنا، فإن استمرار هذا الاتجاه، في غياب حلول فعالة، قد يتحوّل إلى أزمة كبرى لإيران، وينذر بتحديات أكثر خطورة للاقتصاد في السنوات المقبلة.
2. الاقتصاد الإيراني وتحدي الشيخوخة السكانية
من التحديات الجدية التي تهدد الاقتصاد الإيراني في المستقبل القريب، ظاهرة شيخوخة السكان. فبينما شكّل الشباب النسبة الأكبر من الهرم السكاني الإيراني لعقود، تُشير التقديرات إلى أن هذا الاتجاه لن يستمر طويلاً. ووفقًا للإحصاءات المختلفة، بلغ عدد كبار السن (60 عامًا فما فوق) في عام 2021 حوالي 8 ملايين و863 ألف شخص، أي ما يعادل 10.43% من إجمالي السكان.
وفي عام 2022، ارتفع هذا العدد إلى نحو 9 ملايين و200 ألف شخص، ليشكّل كبار السن نسبة 11.5% من السكان. وتشير بعض التوقعات إلى أن هذه النسبة ستصل إلى 20% بحلول عام 2041، وأن عددهم قد يبلغ 31 مليون شخص بحلول عام 2051، أي ما يعادل ثلث سكان إيران. وتدق هذه الأرقام ناقوس الخطر بالنسبة للاقتصاد الإيراني.
إذ أن ازدياد الشيخوخة سيجعل حصة كبيرة من الميزانية العامة تُخصّص لتأسيس بنى تحتية للرعاية الصحية والاجتماعية للمسنين. وهذا من شأنه توسيع الجانب الإنفاقي من الاقتصاد الإيراني، وهو أمر غير ملائم. كما أن الشباب هم القوة العاملة والخلاقة التي تدفع عجلة الاقتصاد. وبالتالي، فإن تراجع عدد الشباب، إلى جانب معدلات بطالة مرتفعة في صفوف الخريجين، قد يعرض الاقتصاد الإيراني وتطلعاته المستقبلية لتحديات حقيقية.
3. معضلة السمسرة
أخيرًا، خلال السنوات الماضية، ونتيجة التقلبات الاقتصادية، تبنّت شرائح واسعة من الإيرانيين قناعة ذهنية بأن أنشطة السمسمرة تُحقق أرباحًا أكبر أو على الأقل تُحافظ على قيمة رأس المال في ظل التضخم المرتفع.
لذا، أصبحت السمسرة – سواء بشكل ظاهر أو مستتر – فكرة رائجة بين قطاعات واسعة من المجتمع. وهو ما يظهر في أسواق السيارات والعقارات والذهب والعملات، التي تعكس ميل الإيرانيين إلى التعامل مع هذه الأسواق كأدوات استثمارية، مما يُفاقم تقلباتها. في حين أن تطور أي اقتصاد يتطلب أن تسود فيه ثقافة الإنتاج والتوجه نحو الأنشطة الإنتاجية. وهذه هي الحلقة المفقودة في الاقتصاد الإيراني الحالي. ومع اقتصاد أصبح “شرطيًا”، يتفاعل مع أدنى المتغيرات السياسية، فإن بقاء ذهنية الدلالية وعدم توجيه رؤوس الأموال نحو القطاعات الإنتاجية، لا يترك أملًا كبيرًا بتحسّن الوضع الاقتصادي. بطبيعة الحال، على منظومة الحكم أن توفّر الأرضية المناسبة لهذا التحوّل أيضًا.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام