يُتوقع أن يشهد الذكاء الاصطناعي تحولاً نوعياً مستمراً في قدراته، في وقت يتم فيه يتم تطبيق تقنيات التعلم الآلي والشبكات العصبية في مجالات متعددة، بدءاً من الرعاية الصحية وصولاً إلى الصناعات التقنية والمالية.
إلا أن هذا التطور السريع يأتي مع تحديات معقدة تتراوح بين التنظيمية والاقتصادية، مما يطرح تساؤلات حول كيفية ضمان الاستخدام الأمثل لهذه التكنولوجيا.
وعلى الرغم من الوعود الكبيرة التي يحملها الذكاء الاصطناعي، إلا أن تزايد المخاوف من تأثيراته على الأمن الرقمي، الخصوصية، والتوظيف يضع الضغوط على الحكومات والشركات لتطوير سياسات تنظيمية فعالة تواكب هذه الثورة التقنية.
التحديات الاقتصادية كذلك تلعب دوراً محورياً في تحديد مسار الذكاء الاصطناعي، حيث أن الاستثمارات الكبيرة في البحوث والتطوير قد تؤدي إلى تزايد الفجوات الاقتصادية بين الدول والشركات القادرة على الاستثمار في هذه التكنولوجيا والمناطق الأقل قدرة على مواكبتها.
وفي هذا السياق، من المتوقع أن يتباطأ الابتكار السريع في الذكاء الاصطناعي في المستقبل القريب لصالح مرحلة من التحسين والتطوير المستمر للنماذج القائمة.
ومن شأن هذا التوجه أن يكون أكثر ملاءمة لتحقيق توازن بين الابتكار والاستدامة الاقتصادية، من خلال تركيز الجهود على تحسين النماذج الحالية وتوسيع نطاق استخدامها في قطاعات متنوعة.
وقد تدفع هذه التحسينات الذكاء الاصطناعي نحو تحقيق أرباح للمستخدمين التجاريين، وهو ما لم يحدث بعد، على الرغم من الاستثمارات التي من المتوقع أن تتجاوز تريليون دولار في السنوات المقبلة، وفقًا لتقرير حديث من غولدمان ساكس.
وأشار بيتشاي إلى أن التغييرات الجذرية التي قد تعيد صياغة الطريقة التي يفكر بها معظم الناس حول الذكاء الاصطناعي لن تحدث في العام المقبل.
ويشارك بعض الرؤساء التنفيذيين في شركات التكنولوجيا مثل ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، رأي بيتشاي. حيث قال في مهرجان "Fast Company Innovation Festival" في أكتوبر 2024: "على مدى 70 عامًا من الثورة الصناعية، لم يكن هناك نمو كبير في الصناعة.. لن يكون النمو خطياً أبداً."
ومع ذلك، يعارض بعض قادة الصناعة هذا الرأي بشكل علني. فقد كتب سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لـ OpenAI، على منصة "إكس" في نوفمبر الماضي: "لا يوجد جدار (حاجز)"، في رد على تقارير تشير إلى أن الإصدار الأخير من ChatGPT-4 كان أفضل بشكل معتدل فقط مقارنة بالنماذج السابقة.
في البداية، وفيما يخص تحليله للوضع الراهن، يوضح أن عديداً من العوامل تدفع الشركات للتباطؤ النسبي في إطلاق تقنيات جديدة، والتركيز بدلاً من ذلك على تحسين التقنيات الموجودة، من بين تلك العوامل:
علاوة على "حوكمة أكثر انضباطاً"، بحيث ستستمر الحكومات في وضع قيود لضمان استخدام مسؤول وآمن للذكاء الاصطناعي.
ويختتم المستشار الأكاديمي وخبير تكنولوجيا المعلومات في جامعة سان خوسيه الأميركية حديثه مع موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، بقوله إن تباطؤ الأفكار لا يشكل نهاية للزخم، إنما يرتبط ببداية لمرحلة أكثر نضجاً واستدامة. هذه المرحلة الجديدة قد تكون المفتاح لجعل الذكاء الاصطناعي أكثر فاعلية وتكاملًا مع احتياجات المجتمع، مع مراعاة الأخلاقيات والمسؤولية.
وأوضح أن المرحلة الأولى من تطور الذكاء الاصطناعي كانت بمثابة "ملعب مفتوح"، حيث استطاع أي لاعب جديد أن يحقق مكاسب كبيرة بسهولة نظراً لندرة المنافسة. ومع تطور السوق وزيادة عدد الشركات العاملة فيه مثل "أوبن أيه آي"، و"أنثروبيك"، وشركات أوروبية مثل "ديب سيك" أصبحت المنافسة أكثر صعوبة وتعقيدًا. وأكد أن الشركات الآن تحتاج إلى مستويات عالية جدًا من الابتكار لتقديم منتجات تحدث فرقًا حقيقيًا في السوق.
كما أشار سعيد إلى أن الضغوط الاقتصادية تلعب دوراً كبيراً في تشكيل مستقبل الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت الاستثمارات تُحاسب بدقة أكبر بعد موجة الإنفاق غير المحسوب التي شهدها القطاع خلال السنوات القليلة الماضية. ويأتي ذلك في ظل إعلان "أوبن أيه آي" عن تحولها إلى شركة ربحية، وهو ما يسلط الضوء على التحديات التي تواجه الشركات في تحقيق التوازن بين الابتكار وتحقيق العوائد للمستثمرين.
واتفق مع حديث بانافع لجهة أن المرحلة المقبلة ستشهد تطوراً أبطأ ولكن أكثر مسؤولية في مجال الذكاء الاصطناعي، مؤكداً أن التحولات الجارية ستؤدي إلى منتجات وتقنيات أكثر جدية وفعالية، بعيدًا عن مرحلة "الطلقات الطائشة" التي ميزت البدايات. كما أشار أيضاً إلى أن التحديات السياسية والدولية قد تضيف أعباء إضافية، خاصة فيما يتعلق بنقل الأفكار وبراءات الاختراع بين الدول، مما يعزز من تعقيد المشهد التنافسي في هذا المجال.