بعد نحو قرن من الزمن، عادت شركة “بي بي (BP)” البريطانية إلى كركوك مرة أخرى، بهدف تطوير حقولها النفطية، وليس بهدف استكشافها كما حدث خلال عشرينيات القرن المنصرم، فيما لفت خبراء إلى صيغة التعاقد مع الشركة البريطانية، والتي جاءت وفقا لتقاسم الأرباح، وليس كعقود خدمة، مبررين الأمر بمحاولة جذب الشركات العملاقة، بعد فشل الوزارة في جولات التراخيص الأخيرة التي ذهبت لشركات صينية.
ويقول خبير النفط والطاقة كوفند شيرواني، إن “شركة بي بي، كانت متعاقدة مع وزارة النفط سابقا على تطوير حقول كركوك، لكن بشكل مختلف، فالعقود القديمة كانت بأنموذج عقود الخدمة، أما الأسلوب الجديد الذي تبنته الوزارة في جولات التراخيص الخامسة والسادسة التي وقعت منتصف الشهر الحالي كانت بأسلوب تقاسم الأرباح”.
ونقلت وكالة رويترز عن مسؤولين في وزارة النفط، أن العراق و”بي بي”، التي عادت بعد غياب نحو 5 سنوات، وقعا اتفاقا مبدئيا في وقت سابق من هذا الشهر لتطوير 4 حقول للنفط والغاز في منطقة كركوك بشمال العراق، وهي منطقة تشير تقديرات “بي بي” إلى أنها قابلة لاستخراج نحو تسعة مليارات برميل نفط منها.
وأكد المسؤولان لرويترز، أن العقود مع “بي بي” لتطوير حقول كركوك وباي حسن وجمبور وخباز، ستستند إلى نموذج تقاسم الأرباح، وفيما أكدا أن وزارة النفط و”بي بي”، من المتوقع أن توقعا اتفاقا سيسلم بموجبه العراق حزمة البيانات الخاصة بحقول كركوك الأربعة ومنشآتها، لفتا إلى أن الاتفاق النهائي متوقع إتمامه بحلول نهاية العام الحالي.
ويضيف شيرواني، أن “هذا الأسلوب يعني بدء الشركات بالاستثمار والإنتاج لتسترجع مصاريفها أولا، ثم تأخذ نسبة من الأرباح وهي أرباح مضمونة”، مشيرا إلى أن “هذه الطريقة جاذبة أكثر بالنسبة للشركات، لأنه في حال ارتفاع أسعار النفط فإن مدخول هذه الشركات سيزيد، لأن العائد المادي بالدولار سيكون أعلى”.
ويتابع “وزارة النفط أوضحت أن العقود الـ13 التي وقعت في آب أغسطس الحالي، كانت كلها عقود مشاركة في الأرباح، وليست عقود خدمة تحتوي على مبلغ مقطوع على كل إنتاج إضافي يحصل في العقد النفطي”.
يذكر أن “بي بي” شركة بريطانية، تُعتبر ثالت أكبر شركة نفط خاصة في العالم بعد “إكسون موبيل” و”شل”، وكانت قد ساهمت في استكشاف النفط في كركوك في العام 1927.
لكن شيرواني، ينتقد “التعتيم الإعلامي على هذا الاتفاق”، مؤكدا أنه “ليس في محله، لأن هذا الحقل يفترض أن يعرض في مناقصة وبجولة تراخيص جديدة تفسح المنافسة بين عموم الشركات، فربما تفوز في العقد شركة أخرى أقل شهرة، وتقبل بأرباح أقل، وبالتالي تكون الفائدة أكبر”.
ويرجح سبب تحفظ الوزارة على الإعلان، إلى “رغبتها بجذب شركات نفطية غربية عملاقة بأي شكل، لاسيما أن الجولة الأخيرة التي أعلنت خلال شهر أيار مايو الماضي، وتم توقيع عقودها قبل أسبوع، كانت أغلبها شركات صينية وأخرى محلية واحدة، في صورة تظهر عزوف الشركات الغربية بدأت تنفر من المجيء إلى العراق”، لافتا إلى أن “هذا التعاقد مع بي بي قد يشكل نصرا وإنجازا للوزارة، لأنها شركة أجنبية عملاقة تحمل خبرات كبيرة، وهي من كانت وراء اكتشاف النفط في كركوك لأول مرة في العام 1927”.
وكان مكتب رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أعلن في الأول من آب أغسطس الحالي، أن العراق وقع مذكرة تفاهم مع مجموعة “بي بي” البريطانية، لإعادة تأهيل وتطوير حقول شركة نفط الشمال الأربعة في كركوك.
وتعود المحادثات بين العراق والشركة لتطوير حقول المحافظة إلى سنوات سابقة، فقد أجرت الشركة محادثات مع وزير النفط الأسبق جبار اللعيبي، في العام 2017، بغية زيادة إنتاج حقل نفط كركوك إلى ما يزيد على 700 ألف برميل يوميا، في محاولة لتنشيط اتفاق مبرم عام 2013 بين الطرفين.
من جهته، يؤكد الخبير النفطي حمزة الجواهري، أن “وزارة النفط وقعت مؤخرا 13 عقدا في كركوك، لكن لم يكن من بينها عقد مع “بي بي”، ولو كانت قد وقعت لأعلنت ذلك، فالتوقيع مع شركة عملاقة كـ”بي بي” لا ضير من الإعلان عنه، لكن ما حدث هو اتفاق مبدئي سيتطور لاحقا إلى عقد فعلي، خصوصا وأن الشركة موجودة ولها سابقة عمل في العراق”.
وبالتفريق بين نموذج عقد الخدمة، وتقاسم الأرباح، يؤكد الجواهري، أنهما “لا يختلفان كثيرا في النهاية، والفرق بينهما أن عقود الخدمة مهما ارتفعت أو هبطت أسعار النفط، فإن الشركات تأخذ مبلغا معينا عن كل برميل منتج، ومن هنا كانت ثمة اعتراضات على عقود الخدمة بسبب التذبذب في أسعار النفط، لذا ذهبت الوزارة إلى أسلوب تقاسم الأرباح”.
ويفسر الجواهري، أسلوب مشاركة الأرباح، بأن “الشركات تحوز بموجبه نسبة من الأرباح، وذلك بعد أن تخصم أولا كلف الإنتاج والتطوير والكلف اللوجستية، ثم تأخذ نسبة معينة من الأرباح كل شهر أو 3 أشهر بحسب العقد”، لافتا إلى أن “تقاسم الأرباح لا يعني مشاركة العراق حتى في الاحتياطي النفطي لكن في النفط المنتج من الحقل فقط”.
كما لا يعني تقاسم الأرباح، بحسب الجواهري، حيازة نصف الإنتاج إنما نسبة من الأرباح قد تصل إلى خمسة أو 10 بالمئة، “وتزداد الأرباح كلما زادت التحديات اللوجستية والأمنية وحجم الحقل، فإذا كان الحقل كبيرا تكون نسبة المشاركة في الأرباح أقل”، وفقا للجواهري.
ووقعت “بي بي” ووزارة النفط في عام 2013 “خطاب نيّات” لدراسة تطوير كركوك، لكن جرى تعليق هذه الصفقة في عام 2014، بسبب الظروف الأمنية، مما سمح لحكومة إقليم كردستان بالسيطرة على منطقة كركوك، واستعادة بغداد السيطرة الكاملة على الحقل من حكومة إقليم كردستان عام 2017 بعد رفض الاعتراف بنتيجة استفتاء إقليم كردستان، وحينها استأنفت شركة “بي بي” دراساتها بخصوص الحقل.
إلى ذلك، يرى الخبير الاقتصادي همام الشماع، أن “حيازة شركة بريطانية على عقود عمل في حقول كركوك أمر ليس غريبا أو جديدا، فالإنكليز يعتبرون نفط كركوك إرثا تاريخيا لا سيما أنهم من ساهموا باكتشافه أول مرة، لذا فإن الشركات البريطانية هي المفضلة للعمل في هذه المحافظة”.
ويرى الشماع، أن “عقود المشاركة في الأرباح غالبا ما تكون لصالح الشركات الأجنبية، أما عقود الخدمة فهي أن تعمل الشركة للإنتاج، وتأخذ نسبة محددة على البرميل، وهذا ما أميل إلى تفضيله، ولست مع عقود المشاركة”.