تعديل المسار إلى الصين باعتباره الطريق الى أزالة الفقر/ وفقاً للخصائص المشتركة الصينية – العراقية

 

الباحث في شؤون المالية وتنمية القطاع الخاص د.عقيل جبر علي المحمداوي

 

 

ان الحديث عن مُكافحة الفقر في الصين، غالباً يكون مُكتظاً بالأرقام والبيانات والجداول والرسوم البيانية،وهو موضُوع تختلِط فِيه السِياسة بِالإقتصاد بالعلوم الطبيعية والدِراسات الإجتماعية والتحليلات الإحصائية، وأتصور أن كثيراً من الصِينيين- ناهيك عن الأجانب- لا يستطِيعُون تقديم شرح مُبسط لمسِيرة الصِين في مُكافحة الفقر في العصر الحديث.يمكن التحدُث بسهولة عن النتائج، والتي تتلخص في كلمات قليلة.. الصين تخلصت من الفقر!، بيد أنه حتى هذه الخُلاصة تظل محل جدل ونِقاش، بإعتِبار أن الفقر مسألةً نِسبية بشكل عام، فهناك العديد من الطُرق لتعرِيف الفقر، بما في ذلك الفقر المُدقع والفقر النسبي والفقر الذاتي والفقر الغذائي وغير الغذائي وفقر القُدرات.
 
ويلعب التخفيف من حدة الفقر دورا هاما في توحيد مختلف الجهات الفاعلة الاجتماعية، ودمج الموارد، وتنسيق الآليات الاجتماعية، وزيادة مستوى الرفاهية، وتحفيز الدوافع الذاتية، وتحسين نظام الحكم في المناطق الريفية. وتهدف هذه السياسة إلى القضاء على الفقر وتستخدم الابتكار والتنسيق والخضرة والانفتاح والتنمية المشتركة كقوة دافعة لها. ويهدف كل هذا إلى بناء نموذج لتخفيف حدة الفقر يتضمن مشاركة الحكومة والسوق والمجتمع، ويمثل "الحل الصيني" للحد من الفقر والذي يمكن تنفيذه في جميع أنحاء العالم ومنه امكانية التطبيق في  العراق.

 

وفي هذا الإطار تقُول الباحِثة مريم إصلاحي : تبرُز التجربة الصينية كأحد أهم التجارب التي كُللت بالنجاح، والتي لاقت رواجأ كبيراً جعلت مِنها نموذجاً جدِيراً بالدِراسة والمُناقشة. هذا النجاح لم يكن وليدُ الصُدفة، بل نِتاج قناعتها بضرُورة إستئصال الفقر من خلال قِيامها بِذاتها بإصلاحات جذرية، وبإيمانها بأن النجاح هو المِعيار الوحيد لقياس المنهج وفعاليته.

 

ويتضمن النموذج المؤسسي الصيني للتخفيف من حدة الفقر مرحلة الدعم الموجه للأشخاص الذين هم في أمس الحاجة إليه بعد تأسيس الصين الجديدة، ومرحلة الحد من الفقر الإقليمي خلال فترة الإصلاح والانفتاح، ومرحلة الحد من الفقر لزيادة وتيرة التنمية. خلال فترة النمو الاقتصادي السريع في الصين، ومرحلة القضاء النهائي على الفقر خلال فترة بناء مجتمع متوسط ​​الرخاء. منذ المؤتمر الوطني الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني، أولت الحكومة المركزية أهمية خاصة لتخفيف حدة الفقر في الإدارة الحكومية العامة، وتم تعبئة الموارد، وتم اعتماد سلسلة من السياسات، حتى حققت الحرب ضد الفقر هدفها. أعلى النتائج في التاريخ أولاً، الانخفاض الحاد في عدد المتسولين وتواتر إفقار المواطنين - بحلول نهاية عام 2019، انخفض عدد الفقراء في الصين إلى 5.5 مليون وانخفض معدل الفقر إلى 0.6٪. ثانيا، زيادة مستوى التنمية الاجتماعية والاقتصادية الشاملة للمناطق المتخلفة ومستوى معيشة الفقراء. 
 
ثالثا، تشكيل نظام مؤسسي وتحسين النظام السياسي لمكافحة الفقر. رابعا، زيادة القدرات الداخلية وتوسيع الفرص لتحسين الرفاهية بين الفقراء. خامسًا، تشكيل نظام إدارة اجتماعية على المستوى الشعبي في المناطق الريفية، مما يؤدي إلى توسيع القدرة على القضاء على الفقر بشكل كبير [Zhang Jie, 2019: 1]. وهكذا، سلكت البلاد مساراً محدداً، فتراكمت «التجربة الصينية» التي أثبتت فائدتها في الحد من الفقر في جميع أنحاء العالم.
 
أصول مكافحة الفقر
وفي تسعينيات القرن العشرين، ظهر مفهوم "الكفاح" على نطاق عالمي أو  ما يطلق عليه اصطلاحاً "الحوكمة" - "الإدارة" ، وقد أعطى العلماء لهذا المصطلح معنى جديداً  [يو كيبينج، 2001: 40-44]. يعتقد جيمس ن. روزيناو، أحد مؤسسي نظرية الإدارة، أن الإدارة هي نشاط يدعمه هدف مشترك. ليس من الضروري أن يكون الموضوع الرئيسي لهذا النشاط الإداري هو الحكومة، ولا يتطلب بالضرورة استخدام القوة القسرية من جانب الدولة لتنفيذه [Rosenau, 1995:5]. وتشير لجنة الحوكمة العالمية إلى أن "الحوكمة هي مجموعة  الطرق العديدة التي يدير بها الأفراد والمؤسسات، العامة والخاصة، الصالح العام. إنها عملية مستمرة للتوفيق بين المصالح المتضاربة أو المتباينة واتخاذ إجراءات مشتركة، تشمل المؤسسات واللوائح الرسمية الملزمة قانوناً للمواطنين، فضلاً عن  مجموعة متنوعة من الترتيبات غير الرسمية" [لجنة الحوكمة العالمية، 1995: 23]. 
 
وفي النتائج يقول البنك الدولي في تقرير منشور موسُوم بـ تسخِیر النمُو الإقتصادي للصین في تخفیض أعداد الفقراء ويُقرر: إستناداً إلى نتائج بحوث وتحليل الفقر، إستخدمت الحُكومة مشروعات إيضاحية من تمويل البنك الدولي للإنشـاء  والتعميـر   بُغية إختبار المناهج الجديدة متعددة القطاعات التي تراعي متطلبات السوق لتوجيه سياسات تخفيض أعداد الفقراء .

 

وفي سِياق الإرتباط الوثيِق بين السياسي والإجتماعي، لابد لنا أن نُشير إلي المنظومة السياسية، وهي الحزب الشيوعي الذي يتخذ من الماركسية اللينية مرجعاً له كمنظومة إشتراكية - ذات خصائص -  صِينية، الأمر ما كان له سهم كبير في صِياغة سِياسات تخفيف وطأة الفقر، والتي في نهاية المطاف شكلت قُوة دفع إجتماعي لإرادة العيش معاً. وهو اقرب الى نهج ممارسات ومبادئ التكافل الاجتماعي الاسلامي في العراق ولكن بحاجة الى اليات ونماذج معيارية ، ذلك المعني تحديداً يُفسره علي رضا كركي ويقُول :" تلخِص الحقوق والواجبات صورة العلاقات الشائكة بين القائمين بالأعمال والوظائف والتجارة وغير ذلك، وعليه تكون العلاقات الإجتماعية في حد ذاتها نوعاً من أنواع العيش الإجتماعي ". 

على هذه الوقائع قامت الحُكومة الصينية بتحدِيث تعريفاتها للفقر، وحددت نظرتها للمُواطن الفقير بصورة أكثر دقة، وفي هذا السِياق قال ليو يونغ فو، مدير مكتب الفريق القيادي لمساعدة الفُقراء التابِع لمجلس الدولة الصيني في تصريحه للإعلام :" القضاء على الفقر يعني أن لا يقلق الفقراء من نقصِ الغذاء واللِباس، وضمان التعليم الأساسي الإلزامي والرِعاية الطبية الأساسية وتأمين السكن ".  

وبِحسب تقرير نُشر في فبراير 2021 عبر وكالة الأنباء الصينية  (شينخوا)، إسِتثمرت البلاد ما يقربُ من 1.6 تريليون يوان (حوالي 246 مليار دولار أمريكي) من الأموال الحُكومية في التخفيف من حِدة الفقر خلال السنوات الثماني الماضِية. وكانت هذه المرحلة تحت شِعار تخفيف حدة الفقر بدِقة وإنضباط.

سياسات مقاربة الفقر ذات الخصائص الصينية : 

 

نشرت صحيفة سودانيز فويز الانجليزية مقالاً للسفير الصينى لدى السودان  ( ما شينمين) فى عموده  "التركيز على الصين بعنوان " الطريق الى إزالة الفقر وفقا للخصائص الصينية"، يستعرض فيه نجاحات الصين ومُقاربتها في سِياسات القضاء علي الفقر ولكن بخصائص صينية .
ويقول : " لقد تم إخراج 98.99% من القرى التى كانت تعيش تحت خط الفقر من دائرة الفقراء، فقد أنجزت الصين المُهمة الشاقة بالقضاء التام على الفقر، حيث أنها أخرجت 832 مُقاطعة و 128,000 قرية، وأصبح الفقر الذى ظل يطارد الشعب الصينى لأكثر من ألفى سنة من قصص الماضى". 

 

فهذا بطبيعة الحال إنجاز بمعايير البنك الدولي وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. هُنا نُود أن نُفصل قليلأ في تلك السِياسات وأبرز ملامحها.

 

حوكمة الفقر..  نِظاماً فاعلاً واليات  عملية ملموسة 
لم تُكن تِلك النتائج صدفة وإنما جاءت بعد عمل كبير، حيث حشدت الإدارة الصينية أكثر من 255 ألف فريق عمل، يُباشرون العمل في الميدان، وأكثر من 3 مليون موظف يعمل كمفوض خاص  في القري الفقيرة، و2 مليون موظف في المدن، وأنُشئت إدارات مكافحة حِدة الفقر بكل مستويات الدولة وإدرات أخرى للإشراف والتقييم والرقابة المتعددة الأبعاد فتكونت أنظِمة حوكمة مُتكاملة. وفيما يتعلق بالإدارة السليمة لتحقيق الاهداف يقول السفِير ماشينمين :" قد تم رصد جميع حالات الفقر على نِطاق الدولة بالمعلومات التفصِيلية عن الذين يُعانون من الفقر، وما مُستوى حدة فقرهم وماهى الأسباب، وعلى هذا النسق تُقدم المُساعدات للأسر والافراد". 

 

كُل ذلك يسهم  في خلق مجال إجتماعي ويئس  شجعت كل الفاعلين في المجتمع للمُساهمة في هذا التحدي في كل مناطق الصين في المُدن والريف  وبالامكان اعتبار التركيز على  تجربة الصين  الحيوية للعراق في مكافحة حدة الفقر  وامكانية بناء منهجية اقتصادية وتنموية جديدة بمحاكاة تجربة الصين الناجحة وفقاً للأرقام والمعايير  والمؤشرات  القياسية  والتكييف مع البيئة العراقية لغرض استخدام تجربة الصين في الواقع العراقي   .

 

المصادر : 
(1)  أحمد فاروق عباس، 26 أكتوبر 2019م، التجربة التنموية في الصين .. الواقع والتحديات،
2) علي رضا،المستقبل العربي، العدد 491،  بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية2019 ص 64.
(3) تقرير خاص، صحيفة الشعب اليومية أونلاين، الحكومة الصينية تصيغ المعايير الصارمة للقضاء على الفقر . 
(4) الطريق الى إزالة الفقر وفقا للخصائص الصينية، السفير الصينى لدى السودان، ما شينمين
6) ساري حنفي وريغاس أرفانيتيس، المستقبل العربي، العدد483، بيروت ،مركز دراسات الوحدة العربية2019 ص 51.
(7) دراسة بعنوان: السياسة الإستثمارية الصينية في القضاء على الفقر، مريم ياسمين إصلاحي 201
8) جهود الصين لمكافحة الفقر: رؤية موضوعية، موقع الصين اليوم، حسين إسماعيل.

 

 

 


مشاهدات 5737
أضيف 2024/07/18 - 12:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 6179 الشهر 65535 الكلي 11706769
الوقت الآن
الثلاثاء 2024/12/10 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير