نمو الطلب على الطاقة و مستقبل الاقتصاد العالمي

يرتكز النموذج الأقتصادي العالمي على مفهوم النمو الأقتصادي لتلبية فوائد الديون التي ترزح تحتها دول و شركات و مؤسسات و بنوك و أفراد، فيبلغ أجمالي تلك الديون عالميا بحدود 300 ترليون دولار، في حين لا يتجاوز حجم الأقتصاد العالمي 100 ترليون دولار، فلأبقاء هذه الكتلة الضخمة من الديون/الودائع مستقرة يجب أيجاد نمو أقتصادي مناسب سنويا. فقبل 20 سنه مثلا كان معدل النمو الأقتصادي السنوي بحدود 3.5% بينما الأن يتأرجح هذا المعدل بحدود 2- 2.5% و هو ما يدق ناقوس الخطر فلأجل أبقاء الأمور تحت السيطرة و تجنب أنهيار النظام النقدي يتوجب المحافظة على هذا المعدل حتى أن لزم الأمر تزوير النمو الأقتصادي عبر التضخم و الذي بدوره سيهئ الوضع للركود مما يزيد الأمور سؤا.
و لكن هل يمكن المحافظة على نسبة النمو الأقتصادي العالمي المتواضعة هذه مستقبلا دون الوقوع في فخ التضخم؟ للجواب على ذلك يلزمنا أولا أن نحلل مالذي يحتاجه النمو الأقتصادي ليحصل. فأولا النمو الأقتصادي بحاجة لزيادة الأستهلاك، و زيادة الأستهلاك دائما مرتبطة بزيادة الكتلة السكانية، لذا لا وجود لنمو أقتصادي بدون نمو سكاني يدعمها، و فعليا الدول المتقدمة توقف فيها النمو السكاني بل على العكس أعداد السكان تتناقص في اليابان و أوربا بينما تنمو بشكل بطئ في الولايات المتحدة و أصلا أوربا و الولايات المتحدة تعتمدان على تدفق المهاجرين لأبقاء عجلة الأقتصاد تدور و أن كانت ببطئ، لذا فنحن هنا نتكلم عن نمو السكان في الدول النامية و الفقيرة الذي أخذ هو الأخر بالأنخفاض تدريجيا. فالمعدل السنوي العالمي للنمو السكاني أنخفض من 2.2% في ستينات القرن الماضي ليصل ل1.5% مطلع التسعينات و ليستمر بالأنخفاض ل1.1% في عام 2017 و لكننا نجد في أخر سنوات أنخفاض حاد ليهبط نحو 0.84% سنويا في 2023. فأذا أستمر معدل أنخفاض النمو السكاني بنفس هذه الوتيرة فقد لا يصل عدد سكان العالم ل9 مليار نسمة حيث كان العالم قد وصل لتعداد 8 مليار نسمة أواخر عام 2022، و هذا يعني تلاشي النمو السكاني في اربعينات هذا القرن، و بالمناسبة فأن هذا النمو السكاني الضعيف يتوافق مع زيادة أعداد كبار السن بسبب تحسن الرعاية الصحية و طبعا كبار السن لا يضيفون الكثير للأقتصاد لا من حيث الأستهلاك و لا الأنتاج، فلا يمكن مقارنة استهلاك شاب في ال20 يريد أن يجرب كل شئ مع عجوز في ال80 من العمر يعيش على الهامش. كل هذا يتزامن مع تزايد عمليات الأتمته و المكننه و الأعتماد على الذكاء الصناعي و القيادة الذاتية مما يسهم بتقليل فرص العمل و يجعل المزيد من الفئات سواء العاطلين عن العمل أو الأعداد المتزايدة من كبار السن يعتمدون على الدعم الحكومي. لذا فأن أحتمالية ضعف نمو الأقتصاد العالمي ستكون واردة و هو ما سيجعل فقاعة الديون العالمية غير مستقرة مما قد يهدد النظام النقدي بأكمله. فهل يمكن أعادة صياغة نظامنا الأقتصادي العالمي أم أن الوقت قد فات و الفوضى قادمة؟
نقطة أخرى يحتاجها الأقتصاد العالمي لينمو و هو أستمرار نمو أستهلاك الطاقة فالطاقة هي محرك الأقتصاد، فقد كان استهلاك الطاقة العالمي ينمو بمعدل 1.3% سنويا منذ مطلع الألفية و لكن من الأن فصاعدا العالم سيحتاج ل1.4-1.5% سنويا من نمو أستهلاك الطاقة لتعويض تباطئ النمو السكاني و هذا يتعارض تماما مع تقليل أستهلاك الوقود الأحفوري (النفط و الغاز و الفحم المهيمنة على أستهلاك الطاقة) بهدف تقليل أنبعاثات غازات الدفيئة و أبرزها غاز ثاني أوكسيد الكاربون لتحاشي تفاقم ظاهرة الأحتباس الحراري و خروجها عن السيطرة. فالعالم بحاجة لخفض الأنبعاثات و بالتالي ما يرافقها من أستخدام للوقود الأحفوري بنسبة 43% بحلول عام 2030 لضمان عدم تجاوز درجة حرارة الأرض عتبة 2 درجة سيليزية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية، و هذا غير ممكن تطبيقه بالكامل فصحيح أن الطاقات المتجددة (شمس و رياح) قد وصلت نسبة توليدها 12% من أجمالي الكهرباء العالميه في 2022 و لا تزال الأسرع نموا أذ أستحوذت على 84% من مجمل نمو توليد الكهرباء العالمي، ألا أن الكهرباء لا تشكل أكثر من 45% من مزيج الطاقة العالمي أذ تعمل أغلب وسائط النقل بمحركات الأحتراق الداخلي أعتمادا على النفط أو الغاز كما لا تزال الكثير من المصانع و أفران صهر المعادن و معامل الأسمنت تعمل بحرق الوقود الأحفوري بشكل مباشر، فحتى لو أستحوذت الطاقات المتجددة على كل النمو في توليد الكهرباء فسيبقى أستهلاك الوقود الأحفوري يزداد عام 2040 حتى مع أزدياد الأعتماد على الكهرباء و حتى أن قلت نسبته من مزيج الطاقة لحوالي 60%، فعام 2040 ليس بالبعيد و لن تحدث قفزة تقنية هائلة خلال 20 سنة فيكفي أن ننظر للوراء 20 سنة لنلاحظ أن التقنيات و طبيعة أستهلاك الطاقة لم تتطور كثيرا منذ مطلع الألفية، فمئات المليارات من أموال الدعم الحكومي التي خصصت للطاقات المتجددة لم تقلل نسبة أستهلاكنا للوقود الأحفوري أكثر من 2% من 84% قبل 12 سنة لتصل ل82% عام 2022، و لكن في الحقيقة فأن كمية الوقود الأحفوري التي نحرقها اليوم هي أكثر ب30% عما كان عليه الحال قبل 20 سنة و السبب هو أن الأقتصاد العالمي ينمو و حتى يحصل النمو فأننا بحاجة لنمو مماثل في أستهلاك الطاقة. لذا فأن أحتمالية تقليل الأنبعاثات بحلول عام 2040 معدومة فالعالم اليوم يستهلك 580 تيرا جول و يقدر أننا سنستهلك 770 تيرا جول بحلول عام 2040 للمحافظة على أدنى حد من النمو الأقتصادي تحاشيا لأنهيار النظام النقدي، و هذا يعني أن الأقتصاد العالمي بحاجة لكل جول يحرق من الوقود الأحفوري لأدامة النمو الأقتصادي و هذا ما سيضعنا في مسار تصادمي مع البيئة و مع موارد الكوكب و يفاقم أثار الأحتباس الحراري على المناخ و الذي قد يتخطى 2.5 درجة سيليزية بحلول عام 2040 مما يجعل الأمور تخرج عن السيطرة و يسرع من تدهور المناخ، و هو بدوره سينهك الدول النامية و يغرقها في الفوضى مؤثرا على النمو الأقتصادي في حلقة مفرغة. لذا أجمالا فأن تباطئ النمو الأقتصادي بسبب أنخفاض أعداد الشباب و قلة نمو السكان أضافة لخروج الأحتباس الحراري عن السيطرة هما أبرز ما سيواجه البشرية من تحديات مصيرية خلال ال20 سنة القادمة.

 


مشاهدات 1172
أضيف 2023/07/04 - 11:25 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 15431 الشهر 65535 الكلي 8264799
الوقت الآن
الإثنين 2024/5/13 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير