البنك المركزي العراقي بسبب الموازنة الثلاثية سيكون أمام تحدي ومهمة صعبة جداً وهو توفير الكتلة النقدية من الدينار العراقي من أجل تلبية النفقات التشغيلية و الاستثمارية للموازنة الثلاثية التي اقرت مؤخراً بقيمة إجمالية 200 ترليون دينار.
وحيث معضلة الموازنة التي اقرت لثلاث سنوات تكمن في تخصيصاتها، وحيث حصة الأسد تم تخصيصها كالعادة للنفقات التشغيلية على حساب النفقات الاستثمارية والتي كانت أغلبها حبراً على الورق منذ عقدين من الزمن، و حيث النفقات التشغيلية اثقلت كاهل الاقتصاد العراقي ولوت ذراعه وتحديداً في أخر عشرة أعوام التي مضت.
الركود الاقتصادي :
و المعضلة الأخرى تكمن في الموازنة وهي تسعير النفط ب 70 دولار لكل برميل، وهذا تسعير عالي جداً وغير صحيح، و علماً إن أسعار النفط من الصعب التنبؤ به لمدة ثلاث سنوات بسبب تأثره بعوامل كثيرة وأبرزها عوامل الجيوسياسية، وكان يفترض بأن يُسعر النفط ب 50 دولار للبرميل الواحد في الموازنة، لأنه حسب المعطيات المتواجدة حالياً حيث إن الاقتصاد العالمي مُقبل على ركود اقتصادي و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والصين وأعضاء الاتحاد الأوروبي وبريطانيا وبقية الدول المتقدمة وبعضها دخلت رسمياً في دوامة الركود الاقتصادي، وحيث سيكون الركود اكثر حدةً في النصف الثاني من هذا العام وذلك بسبب السياسة النقدية التشددية التي اعتمدتها اغلب البنوك المركزية للدول المتقدمة و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية و حيث بلغت نسبة الفائدة للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي 5.25% وذلك من أجل محاربة التضخم و تخفيضها إلى مستويات المستهدفة 2%، والتي تُعد نسبة مؤذية للاقتصاد الأمريكي، وفي اجتماع الاخير للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أوقف مؤقتاً رفع معدلات الفائدة من أجل أن لايدخل الاقتصاد الأمريكي في ركود حاد ، وأيضاً البنك المركزي الأوروبي يواصل في سياسته النقدية التشددية وحيث بلغت نسبة الفائدة للبنك المركزي الأوروبي 4٪ و تداعيات هذه السياسة النقدية التشددية خطيرة مؤلمة على الاقتصاد العالمي، وقطاع المصارف كانت إحدى ضحايا هذه السياسة النقدية التشددية حيث أدت إلى إفلاس عدة بنوك في الولايات المتحدة الأمريكية وفي منطقة اوروبا أيضاً.
و حيث أدت هذه السياسة النقدية التشددية للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى انخفاض في مستويات النمو للناتج المحلي للاقتصاد الأمريكي، وهذا يشير إلى بداية الركود الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية و بالتالي سيكون له تداعيات إلى انخفاض الطلب على النفط في النصف الثاني لهذا العام و ذلك سيؤثر سلباً على اسعار النفط، و من جهة أخرى وعلى غرار الولايات المتحدة الأمريكية أتت مؤخراً بيانات الاقتصادية الصينية بشكل سلبي، وهذا يوحي لنا بأن الاقتصاد الصيني أيضاً يُعاني لحد هذه اللحظة، وأيضاً القطاع الصناعي لم يتعافى بشكل المطلوب وحيث تُعد الصين أكبر مستورد للنفط في العالم، ولذلك سيكون تداعياته سلبية على اسعار النفط في الفترة المقبلة، وأيضاً الاقتصاد الألماني الذي يُعد أقوى اقتصاد في أوروبا حيث دخل اقتصاده في حالة الركود رسمياً وإذا صح التعبير مايسمى بالأنكماش التقني بعد تسجيله في تراجع في إجمالي الناتج المحلي للربع الثاني على التوالي وذلك تحت ظل سياسة نقدية تشددية من قبل بنك المركزي الأوروبي الذي وصل نسبة الفائدة 4٪، و لذلك في ظل هذه المعطيات اتوقع بأن أسعار النفط ستنخفض في النصف الثاني لهذا العام إلا إذا كانت هناك عوامل جيوسياسية من الممكن أن يُغير الإتجاه العام لأسعار النفط ويحدث عكس المتوقع.
تقرير بنك جي بي مورغان :
و مؤخراً صدُر تقرير من قبل بنك جي بي مورغان بأن يكون هناك بيعاً قوياَ للأسهم العالمية في الفترة القادمة و غالبية البيع سيكون من قبل الصناديق الثروة السيادية وصناديق المعاشات التقاعدية حيث من المتوقع بأن تبيع جزءاً من أصولها من الأسهم والتوجه إلى السندات، وهذا سيؤدي إلى موجة بيعية قوية في سوق الاسهم وتحديداً في وول ستريت، وهذا سيكون تداعياته سلبية على اقتصادات الدول المتقدمة وسيؤدي إلى تفاقم أزمة الركود الاقتصادي في الفترة المقبلة، وهذا يوحي لنا بأن أسواق تسوده حالة من لايقين والقلق وذلك سيُجبر أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة بالهروب من الأسهم والتوجه صوب السندات خوفاً من تفاقم أزمة الركود الاقتصادي، وبالتالي سيؤدي إلى ضعف الطلب على النفط مما سيأثر سلباً على اسعار النفط في الفترة القادمة.
أوبك بلس :
و لأننا مقبلين على ركود اقتصادي وهناك ضعف في الطلب على النفط، و مخاوف من انخفاض اسعار النفط أجبر تحالف أوبك بلس على إجراءات وقائية من أجل المحافظة على اسعار النفط وحيث تحالف أوبك بلس خفضت إنتاجها مرتين في غضون 3 أشهر الماضية .
ولولا تحركات أوبك بلس الاحترازية لشاهدنا اسعار النفط شارفت على مستويات 50 دولار أمريكي فما دون، حيث التخفيض الأول رفع قيمة اسعار إلى مستويات فوق 86 دولار أمريكي الا إنها لم تستطع المحافظة على هذا المستوى و عاودت أسعار النفط بالانخفاض إلى مستويات فوق 70 دولار أمريكي بسبب مخاوف الركود الاقتصادي المرتقب.
و من المرجح أن لايدوم طويلاً شهر العسل بين أعضاء أوبك بلس و ان نشاهد خلافات في الفترة القادمة من داخل تحالف أوبك بلس و إذ حصل سيكون له تأثير سلبي على اسعار النفط، وعلماً إن تاريخ أوبك حافل بالخلافات مابين اعضائها و أبرزها كان الخلاف الروسي السعودي في عام 2022
وحتى لو قام تحالف أوبك بلس بالتخفيض في الإنتاج مرة ثالثة او اكثر ، من أجل المحافظة على اسعار النفط، فسيكون ذلك على حساب تخفيض حصة العراق من الإنتاج، وكلا الحالتين ان انخفضت اسعار النفط او تخفيض كمية الصادرات فسيولد عجز اكبر في الموازنة لأن الكمية المقرة في الموازنة وهي 3.5 ملايين برميل نفط يومياً ومسعرة ب 70 دولار للبرميل الواحد.
وفي حال انخفضت اسعار النفط سيكون تداعياته خطيرة على الاقتصاد العراقي لأنه اقتصاد ريعي بأمتياز، وفي حينها سيدخل العراق في أزمة مالية لاتحمد عقباه، لأنه يعتمد على النفط بنسبة 90٪ وفي حينها الحكومة العراقية ستُجبر على إعادة سيناريو الاقتراض من أجل تغطية النفقات التشغيلية كما حصل في عام 2021
ولكن هذه المرة سينزلق الاقتصاد العراقي إلى منحدر خطير جداً ولن يسلم من هذه الأزمة المرتقبة كما حدثت في عامي 2020ـ2021
وأيضاً ستتجه الحكومة العراقية إلى الاقتراض عبر البنك المركزي العراقي و إصدار سندات اي إصدار كتلة نقدية اي ارتفاع نسبة التضخم وضعف قيمة الدينار العراقي، اي سنشاهد قيمة الدينار العراقي يتهاوى تزامناً مع ارتفاع نسبة التضخم وأيضاً سنشاهد قفزة في ارتفاع نسبة الاقتراض، وأيضاً عدم تنفيذ جزء كبير من الموازنة وتحديداً في النفقات الاستثمارية ومن ممكن ان تكون حبراً على الورق.
والعجز الحقيقي والأشد سيكون مطلع عام 2024 ويكون أشد من عام 2023 لأن بوادر الركود الاقتصادي ستظهر اكثر عمقاً في الاقتصاد العالمي، ولأن العراق باع النفط في النصف الأول من هذا العام للبرميل الواحد اكثر من 70 دولار.
*الباحث في الشؤون الاقتصادية العراقية والدولية / إيفان شاكر الدوبرداني