وكالة الإقتصاد نيوز

ريست اوف ذا وورلد: لماذا النقود الورقية ما تزال مسيطرة في العراق؟


بعد عقود من الحرب والتهجير والعقوبات، ما يزال العراق معزولاً عن النظام المالي العالمي. العراقيون معزولون عن أنظمة الدفع الإلكترونية، والتي تعتبرها معظم الشركات في جميع أنحاء العالم أمراً مُسلماً به. وفقا لتقرير نشره موقع "ريست اوف ذا وورلد" وترجمته "الاقتصاد نيوز".

أقل من خمس السكان لديهم حساب مصرفي، ومزودو خدمات الدفع العالمية غير متواجدين في البلد. الحروب وعمليات التهجير والعقوبات تركت الاقتصاد العراقي متخلفاً ويعتمد على صادرات النفط.

يعتبر سوق العملات أحد أكثر الأجزاء أهميةً في البازار القديم في مدينة السليمانية الكردية العراقية، حيث آلات عد العملات تصدر صوتها المعتاد بينما ينقل الحمالون أكواماً من الدينار العراقي، والتومان الإيراني، والدولار الأمريكي حول المكاتب الضيقة، والتي تتواجد فيها مجموعات من الرجال الذين يحاولون إثارة اللغط للاستفادة من التقلبات الطفيفة بينما يتشارك التجار والوسطاء فيما بينهم السجائر وأخبار أحدث الأسعار، ويُلاحظ أن أجهزتهم المحمولة بين ايديهم ولكنها تستخدم في الغالب للاتصال بنظرائهم في مدن أخرى ليسمحوا بتمرير المدفوعات النقدية. وبينما تستخدم الشركات والعملاء في جميع أنحاء العالم المعاملات الإلكترونية بشكل متزايد، ما يزال النقد هو الشائع في العراق.

بالطبع، هناك عدد من منصات الدفع الإلكتروني المتاحة للمستهلكين العراقيين، إذ أصدر البنك المركزي العراقي تراخيص لـ 17 شركة لتشغيل محافظ إلكترونية، أيرزها: آسياحوالة، وزين كاش، وناس واليت، وفاستبي، بالإضافة إلى إصدار 15 ترخيصاً آخر للخدمات المتعلقة بالمدفوعات الإلكترونية. ولكن رغم ذلك، يواجه رجال الأعمال وأصحاب الأعمال الذين يحاولون تنمية القطاع الخاص الهزيل في البلاد تحدياً مزدوجاً: فالمستهلكون المحليون يترددون في تبني منصات الدفع الإلكتروني المتاحة محلياً من جهة، والعراقيون معزولون عن أنظمة الدفع الإلكترونية التي تعتبرها معظم الشركات في جميع أنحاء العالم أمراً مُسلماً به من جهة أخرى. "الناس هنا لا يفهمون العملة الإلكترونية" كما قال أنس فاضل، محلل بيانات السوق الذي يعمل في البازار، لموقع "ريست اوف ذا وورلد". وأكمل قائلاً:" اعتاد الجميع على النقد وثقتهم فيه أكبر من المدفوعات الإلكترونية، لكن أنا وزملائي نحتاجها بالتأكيد إذا أردنا إرسال الأموال إلى الولايات المتحدة أو أوروبا، ولكن القيام بذلك ليس سهلاً".

ووفقاً للبنك الدولي، الغالبية العظمى من العراقيين لا يستخدمون بطاقات الائتمان أو بطاقات السحب الآلي، فإن أقل من خمسهم لديهم الحساب المصرفي المطلوب، كما أن مقدمي خدمات الدفع العالمية مثل PayPal، وApple Pay، وStripe غير متوفرين في البلد. وفسر الخبراء ذلك لموقع "ريست أوف ذا وورلد":" في رأينا، إن حدوث هذا من المرجح لأن هذه الشركات تنظر إلى العمليات هناك على أنها ذات خطورة بالغة للغاية".

أصبحت المدفوعات الإلكترونية وبشكل متزايد هي المعيار في جميع أنحاء العالم، حيث سرعت جائحة Covid -19 معدلات نموها حتى تحولت إلى معيار عالمي. فوفقاً لتحليل أطلقه "البنك الدولي" فإن ثلثي البالغين على مستوى العالم يقومون الآن بإجراء أو تلقي مدفوعات إلكترونية. ارتفع هذا العدد من 35 ٪ في عام 2014 إلى 57 ٪ في عام 2021 في البلدان النامية، ويتجلى هذا التحول بشكل خاص في مناطق مثل أفريقيا وآسيا.

تركت الحروب وعمليات التهجير والعقوبات التي دمرت العراق، منذ أوائل الثمانينيات، اقتصاده متخلفاً ويعتمد على صادرات النفط. كما أن الجهود الرامية إلى إصلاح الأنظمة القانونية والمالية التي عفا عليها الزمن، وتنمية القطاع الخاص، وتنويع القاعدة الاقتصادية للعراق، تعرقلها بشكل متكرر وروتيني المصالح المتجذرة، التي يمثلها الفساد بشكل أكبر فهو الرادع الرئيسي، إذ صنفت منظمة الشفافية الدولية غير الربحية العراق كواحد من أكثر البلدان عرضة للفساد في العالم في عام 2021. ونتيجةً لذلك، فإن رواد الأعمال الطموحين، الذين يعتبرهم الكثيرون حاسمين لمستقبل العراق، غير قادرين على إجراء العديد من المعاملات المالية الأساسية الشائعة في الاقتصادات في جميع أنحاء العالم. إذ أن أعمالهم تعتمد على المعاملات النقدية مع عملائهم المحليين، وهم غير قادرين سواء على التوسع خارجياً، أو تأمين التمويل بسهولة من الخارج. تثبط جميع هذه التحديات الناس عن متابعة أحلامهم الاقتصادية، مما يزيد من الإحباط الاجتماعي والاقتصادي على نظام ما بعد عام 2003 في العراق والذي ساهم في ظهور احتجاجات تشرين 2019.

قال ضياء ستار، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة الخدمات المهنية الناشئة "سبع صنايع"، ومقرها بغداد، لموقع "ريست أوف ذا وورلد":" إن زيادة الوصول إلى المدفوعات الإلكترونية من شأنه أن يساعد في خلق فرص لرجال الأعمال، والنساء، والعمال العاطلين عن العمل. وبدلاً من إبقائهم معتمدين على التعيينات الحكومية وأنظمة المحسوبية السياسية، فإن ذلك سيسهل عليهم العمل لأنفسهم".

 وبسبب محدودية الوصول إلى الخدمات المالية الإلكترونية التي يعاني منها العراق، فإن إدارة أعمال ستار كانت سلسلة من التعقيدات، حيث أضاف أن:" الأمر استغرقني أكثر من خمسة أشهر لإيجاد طريقة للدفع وتسجيل التطبيق على متجر تطبيقات أبل لأنه لم يكن لديَّ وسيلة لإجراء المعاملة بنفسي، إذ أن بطاقة فيزا المرتبطة بحسابي المصرفي العراقي تعمل فقط داخل البلد ولا يمكنني ربطها بحساب أبل".

 وتابع الحديث مؤكداً:" هذا الشيء البسيط يشكل تحديًا كبيرًا للشركات الناشئة الجديدة، وهو ما يجعل من عملية نمو وتوسع الشركات الناشئة أمر غير سهل". وفي نهاية المطاف، أقنع ستار مطوراً يعيش في الخارج بتسديد المبلغ نيابةً عنه، لكنه أقر:" إن ذلك لم يكن آمناً ولا احترافياً".

قد يرغب أصحاب الأعمال في جميع أنحاء العراق، من التجار العاديين في البازار إلى رواد الأعمال الذين يستخدمون التكنولوجيا، في استخدام المدفوعات الإلكترونية، لكن سيواجهون مشكلة بأن معظم عملائهم غير راغبين في استخدام أي شيء آخر غير النقد. على سبيل المثال، في منصة التجارة الإلكترونية العراقية، تشكّل عمليات الدفع الإلكتروني، في متجر التسوق الإلكتروني "مسواق"، 2٪ فقط من إجمالي المعاملات. حيث أكد علي الحلي، رئيس التسويق والاتصالات في "مسواق"، لموقع "ذا ريست أوف ذا وورلد":" إن 98٪ المتبقية دفعت نقداً عند التسليم".

إن المعاملات الإلكترونية الأكثر شيوعاً في البلاد، هي سحب الموظفين العموميين والمتقاعدين العراقيين رواتبهم الشهرية من البطاقات مسبقة الدفع في بورصات العملات والبنوك وأجهزة الصراف الآلي. وبعد ذلك، يقومون باستخدام النقد للمعاملات اليومية والادخار وإجراء عمليات الشراء الكبيرة.

وعن سبب عدم استخدامها لعمليات الدفع الإلكتروني، أجابت جوانا أبو بكر، مالكة لأحد المشروعات الصغيرة في السليمانية:" واللهِ ماذا أقول؟ أنا لست بحاجة إلى المدفوعات الإلكترونية. كل ما أريد شراءه، يمكنني دفع ثمنه نقداً. لهذا السبب لا أفكر في استخدامها (طرق الدفع الإلكترونية)".

وعلى الجانب الآخر، يتوق البعض إلى استخدام المدفوعات الإلكترونية، لكنهم يزعمون أن المنصات المحلية يمكن أن تكون غير موثوقة. أكد علي زلزلة، وهو مهندس يعيش في بغداد، لـموقع "ريست أوف ذا وورلد":" إن المدفوعات الإلكترونية أسهل وأسرع من النقد"، لكنه اعترف:" هناك احتمال ألا تعمل أو تتعرض إلى الانقطاع، وهو ما بحدث في كثير من الأحيان".

يجد العديد من رواد الأعمال أن عدم استخدام المدفوعات الإلكترونية على نطاق واسع أمر محبط لهم، إذ أنه يعوق نمو أعمالهم. أحمد جمال، وهو المؤسس المشارك ومدير العمليات لشركة °كردفيا"، وهي شركة ناشئة مقرها أربيل تقدم ألعابًا تفاعلية مباشرة عبر الإنترنت والتي تجذب عشرات الآلاف من المستخدمين كل ليلة. قال لموقع "ريست أوف ذا وورلد":" إن أكبر التحديات التي نواجهها في المعاملات القائمة على النقد هي مسك الدفاتر. إن الأمر يستغرق وقتاً وجهداً ومالاً لتعقب العملاء المنتشرين في منطقة جغرافية واسعة وجمع النقود منهم. لو كانت المدفوعات إلكترونية، فسيعمل كل شيء بطريقة آلية وسريعة، سيكون الأمر أسهل بكثير".

ومع ذلك، فإن العديد من الشركات لا تقدم خيارات الدفع الإلكتروني، على الرغم من إدراك مزاياها على النقد، بعد أن لاحظت شهد أن النساء في العراق غالباً ما يتعرضن للتحرش أثناء الوصول إلى خدمات العناية بالسيارات الروتينية، أسست شهد نعمان عادل شركة "AutoCare"، وهي شركة مقرها في بغداد قائمة على تطبيق يتيح للعملاء حجز غسيل وصيانة السيارات عبر الانترنيت، كما تمنحهم مكاناً آمناً للانتظار. إذ أخبرت عادل موقع "ريست أوف ذا وورلد" أنها لم تعرض خيار الدفع الإلكتروني بعد، لكنها تأمل في إضافة خيار قريباً، وقالت:" ما يزال العراقيون لا يثقون في الدفع الإلكتروني.. ولكن من خلال الوعي والإرشاد، نسعى لتغيير هذا".

يرغب أصحاب الأعمال ورجال الأعمال العراقيون، ممن يتوقون إلى زيادة ارتباطهم بالاقتصاد العالمي، في الاستفادة من المدفوعات الإلكترونية للحصول على الخدمات والإمدادات من الخارج عبر مزودي خدمات الدفع الإلكتروني مثل PayPal وApple Pay وغيرها. قال آدم حسن، مختص بتطوير المشاريع في مساحة العمل المشتركة في "المحطة" والتي يقع مقرها في بغداد، لموقع "ريست أوف ذا وورلد":" هناك طلب من أصحاب الأعمال ورجال الأعمال العراقيين لمنصات الدفع مثل PayPal، ولكن لسوء الحظ، لا تدعم هذه المنصات رسمياً الحسابات التي تم إنشاؤها في العراق".

تاريخياً، فرض المجتمع الدولي عقوبات شديدة على العراق لمعاقبة نظام صدام حسين السابق ومراقبة قطاعه المالي لتقويض الدعم للجماعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). أمّا الآن، فقد تم رفع اسم العراق من القوائم الرسمية إلى حد كبير، على سبيل المثال، في كانون الثاني من عام 2022، رفع الاتحاد الأوروبي العراق من قائمته للبلدان المعرضة لخطر كبير لغسيل الأموال وتمويل الإرهاب. أكدت أليس بوسلي، المؤسس المشارك والمدير التنفيذي لحاضنة ريادة الأعمال "فايف وان لابس" والتي يقع مقرها في السليمانية، لموقع "ريست أوف ذا وورلد":" لم نكن على بينة من وجود أي قيود خارجية من شأنها أن تمنع مقدمي الخدمات العامة العالمية من العمل في العراق". وأضافت بوسلي، في إشارة إلى قسم وزارة الخزانة الأمريكية المسؤول عن العقوبات الاقتصادية:" لقد تم إفهامنا بأنه لا توجد في [مكتب مراقبة الأصول الأجنبية] لوائح محددة ضد العراق تتعلق بهذه القضية". وأكملت "إن الأمر يتعلق أكثر بالمخاطر لشركات التكنولوجيا المالية".

 أمّا علي الحلي، رئيس التسويق والاتصالات في "مسواك"، أشار إلى أنه:" في نهاية المطاف، فإن مزودي خدمات الدفع الإلكتروني هم كيانات خاصة ويقررون ما إذا كانوا سيدخلون السوق العراقية أم لا.. ربما ما يزال العراق غير مقنع للغاية كسوق دفع إلكتروني لهم".

يُنظر إلى أوجه القصور في الإطار القانوني والمالي المحلي للعراق على أنها أهم العوائق التي تحول دون دخول مقدمي الخدمات العامة العالميين إلى البلاد.

 حيث يستشهد الحلي بمثال AlgoPay وهي شركة تقدم خدمات الدفع الإلكتروني، ويقع مقرها في كاليفورنيا، كما تملك ارتباطاً وثيقاً بـ  PayPalوقد حاولت دخول العراق في عام 2020. ويكمل الحلي:" كان الاستقبال العام لـ AlgoPay رائعاً، ولكن بعد ذلك حظر البنك المركزي العراقي استخدامها لأنها غير منظمة، وليس لديها رخصة محلية للعمل في العراق".

وقالت بوسلي:"إذا واجهت الحكومة العراقية هذه التحديات، فإن الفرص ستكون هائلة، مما يجعل منظومة الشركات الناشئة العراقية أكثر قابلية للتوسع".

 وأضافت:" ترغب الكثير من الشركات الناشئة والشركات في استخدام الخدمات المتاحة خارج البلاد، ولكنها غير قادرة على القيام بذلك لأنها لا تستطيع الدفع".

إن التحقيق الكامل لإمكانات الدفع الإلكتروني في العراق، سيتطلب إصلاحات تنظيمية كبيرة من قبل الحكومة في بغداد، لتسهيل عمل مقدمي خدمات الدفع المحليين والعالميين، إلى جانب تغيير عقلية المستهلكين لإبعادهم عن الاعتماد على المعاملات النقدية.

حيث أكد ستار، رجل أعمال من بغداد:" إن هذا التحول المزدوج من شأنه أن يقدم دفعة، العراقيون في أمس الحاجة إليها، خاصةً الذين يكافحون من أجل إيجاد مستقبل في اقتصاد البلاد المختل. كما أن تفعيل المدفوعات الإلكترونية في العراق لن يساعد الشركات الناشئة والشركات فحسب، بل سيخلق العديد من فرص العمل للعاطلين عن العمل في العراق".


مشاهدات 1080
أضيف 2023/02/11 - 11:11 AM
تحديث 2024/04/25 - 3:56 AM

طباعة
www.Economy-News.Net