بعد الارتفاع الكبير في سعر صرف الدولار امام الدينار منذ نهاية العام المنصرم وحتى الآونة الاخيرة، والاقتصاد العراقي يعاني انخفاضا كبيرا في قيمة الدينار العراقي امام الدولار، وارتفاعا في أسعار المواد الغذائية والسلع، نتيجة لصدمة التذبذب الاخيرة في سعر الصرف الدولار امام الدينارفي السوق الموازي، على الرغم من اعلان البنك المركزي عن البيع بالسعر الرسمي 1460 دينارا للدولار الواحد وبأن الارتفاع السعري ناتج عرضي وليس جوهري وسيزول مع تواؤم حركة النظام المصرفي مع متطلبات السياسة المتشددة للفيدرالي تجاه النشاط المصرفي الاستيرادي.
ان استمرار الارتفاع السريع لسعر صرف الدولار في السوق الموازي خلال اقل من شهرين وتنقله السريع عبر عتبات عدة، وصولا الى عتبة 1680دينارا للدولار الواحد، يظهر بأن سعر صرف الدولار يعاني وعلى ايقاع غيرمسبوق تذبذبا كبيرا نتيجة لارتفاع الطلب المحلي عليه امام الدينار، وهو امر ناتج عن انخفاض مرونة عرض الدولار في نافذة بيع العملة الاجنبية للبنك المركزي العراقي بفعل تطبيق اجراءات البنك الفيدرالي الاميركي التدقيقية في حوالات الدولار عبر المنصة الجديدة للبنك المركزي التي ادت دوراً كبيراً في تقليص حجم مبيعات المركزي من الدولار، مما تسبب في انخفاض فاعلية النافذة للمحافظة على سعر الصرف الفعلي ضمن المستهدف.
لذا وفي ظل انخفاض قدرة نظام سعرالصرف الثابت على ارساء سعرالصرف المستهدف فان الدينار في ازمة حقيقية، لما يتعرض له من تآكل في قيمته الحقيقية ، مما يكشف لنا عن ضعف اداء صانع القرار الاقتصادي تجاه المتغير الدولي، لاسباب كثيرة لامجال لذكرها، ومن ثم فان ضعف قدرة ادوات السلطة النقدية على امتصاص صدمة الطلب الدولاري والحفاظ على معدلات سعر الصرف الفعلي ضمن المستهدف او قريبا منه، اسهمت في تعميق الفجوة بين فاعلية ادوات السياسة النقدية وبين متطلبات الاجراءات المتشددة من نظام سويفت الدولي تجاه حركة الدولار الاستيرادي وخضوعها الى قيود تدقيقية ظهرت تداعياتها عبرارتفاعات جديدة في سعر الصرف الفعلي للدولار.
لقد انعكس ذلك بشكل سريع على مستوى الرقم القياسي لاسعار المواد الغذائية والاستهلاكية نحو الارتفاع وتسجيل بوادر ركود اقتصادي، الأمر الذي يضع الحكومة أمام اختبار كبير، لاسيما وأنها اعلنت في وقت قريب عن نيتها خفض سعر صرف الدولار امام الدينار. فضلا عن ان التذبذب الكبير في سعر صرف الدولار يزاول دورا سلبيا على استقرار الاقتصاد العراقي في شتى ارجاء النشاط الكلي ولاسيما الطلب الكلي في شقيه الاستهلاكي والاستثماري وعلى المستويين العام والخاص.
مما سبق، يمكن النظر الى عدم فاعلية اجراءات السياسة الكلية في مواجهة صدمة ارتفاع الدولار من خلال محورين جوهريين:
المحور الاول قصير الاجل ويتعلق بالسياسة النقدية والمالية من خلال :
تعويض انخفاض مرونة عرض النافذة من الدولارعبر آليات مبتكرة لخفض الطلب عليه في السوق الموازي .
تطويق ما يمكن من ظاهرة غسيل الاموال في النشاط المصرفي بما يخفض من تضخيم الحوالات الخارجية .
التنسيق بين السياسةالحكومية والسياسة النقدية لتوحيد الجهد الكلي نحو بلوغ سعر الصرف المستهدف من خلال ترشيد الانفاق الحكومي ومن ثم احكام السيطرة على الكتلة النقدية ومحاولة ضغطها ضمن افق الهدف العام للسياسة الاقتصادية الكلية .
اجراء اصلاحات حقيقية في القطاع المالي والنقدي لرفع مرونة الاداء المصرفي تبعا لتظام سويفت.
التحرك سياسيا ودبلوماسيا نحو اجراء مفاوضات حقيقية بين الحكومة العراقية والجانب الاميركي للحيلولة دون ترسيخ الازمة ومحاولة تفكيكها بالقدرة التفاوضية الفاعلة للحصول على استثناءات من الفيدرالي او الوصول الى حلول او تقديم ضمانات تمنح مرونة اكثر عبر منح بعض الاعفاءات من بعض الضوابط او تقديم التسهيلات بما يعزز من نظام الصرف الثابت.
المحور الثاني طويل الاجل: ويتعلق بسياسات الاصلاح الاقتصادي في هيكل الاقتصاد الكلي ومحاولة الخروج من خطيئة الريعية عبر تعويض النقص الحاد في الاستثمار العام والخاص باتباع سياسات استثمار داخلي يقوم على اساس تنمية القطاع الحقيقي لتنويع مصادر الدخل الكلي ومنه انخفاض الطلب الاستيرادي على الدولار لاغراض الاستهلاك مقابل نمو الطلب على الدولار لاغراض الاستثمار الذي بدوره يمكن ان يرفع من نمو التراكم الراسمالي الداخلي لصياغة سياسة صناعية وسياسة تجارية تستهدفان رفع قيمة الناتج المحلي الاجمالي غير النفطي عبر سياسات جاذبة للاستثمار الاجنبي لرفد حركة الاستثمار الداخلي بالمتطلبات الاساسية لنمو القطاع الانتاجي غير النفطي.
لذا على الحكومة العراقية ان تواجه هذه الازمة بشكل موضوعي وجاد وباسرع ما يمكن، لما لهذه الازمة من تأثيرات كبيرة على مستوى الرفاه الاجتماعي للكثير من شرائح المجتمع التي تتأثر يالتضخم بشكل مباشر، وبما تمثله من مؤشر حقيقي على أداء وفاعلية السياسة الاقتصادية الكلية للبلاد وانعكاس ذلك في توازن واستقرار السوق المالي والنقدي وتأثيره المباشر على خارطة الاستثمار والتمويل للشركات المحلية والاجنبية في الكثير من القطاعات الانتاجية الحقيقية والخدمية.