وكالة الإقتصاد نيوز

23 دولارا متوسط الراتب في سوريا
دمشق


 

 

ما زالت الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي خلفتها الحرب الدموية في سوريا منذ عام 2012 مستمرة وتفاقم معاناة السوريين الإنسانية والمعيشية والخدمية.

وإلى جانب الآثار المباشرة للحرب على الاقتصاد السوري في السنوات الماضية، يُسهم تعطّل مسار الحل السياسي، وسوء الإدارة والفساد المستشري، والتصعيد العسكري في بعض المناطق، باستنزاف ما تبقى من الإمكانات المادية ومفاقمة الأزمات الخدمية والمعيشية في سائر سوريا.

ويعدّ عام 2022 الأكثر قسوة على السوريين في مناطق سيطرة النظام، حيث تفجرت عدد من الأزمات كان آخرها شُحّ المحروقات الذي أدّى إلى شلل شبه تام في حركة المواصلات، وإلى تجميد معظم الأعمال وتعطيل القطاعات العامة والخاصة.

كما شهدت مناطق النظام في العام الماضي تطبيق سياسات حكومية غير مسبوقة زادت من حدة الأزمات، ومعاناة الشرائح الأكثر فقرا.

ومنذ مطلع العام الماضي وتحديدا في فبراير/شباط الماضي، بدأت الحكومة السورية بتطبيق سياسة رفع الدعم عن كل المواد الغذائية والاستهلاكية الأساسية بما في ذلك الخبز والمحروقات والغاز المنزلي.

وشملت هذه السياسة في مرحلتها الأولى نحو 600 ألف عائلة بهدف تحويلها "للشرائح الأكثر هشاشة وضعفا"، حسب تصريح معاون وزير الاتصالات في الحكومة السورية.

بينما استهدفت المرحلة الثانية من رفع الدعم، في يونيو/حزيران الماضي، المهندسين والمحامين والصيادلة والأطباء ممن مضى على ممارستهم المهنة أكثر من 10 أعوام، إلى جانب تجار الدرجة الأولى والثانية والمساهمين الكبار ومديري المصارف الخاصة.

ولاحقا استمرت الحكومة في دمشق في سياسة رفع الدعم عن المواد الأساسية بطرق غير مباشرة، كرفع السعر المدعوم لتلك المواد بشكل دوري، وخصخصة بعض القطاعات الخدمية لعدم قدرتها على توفير الخدمات بالأسعار المدعومة.

ومن المتوقع أن تستمر هذه السياسة في عام 2023 مع استمرار تفاقم الأزمة الاقتصادية، وانهيار سعر صرف الليرة أمام العملات الأجنبية، وعدم قدرة حكومة النظام على ضمان استقرار توريدات المشتقات النفطية.

عرفت الأسواق السورية في مناطق النظام موجات غلاء متلاحقة وبوتيرة متسارعة ضاعفت من أسعار السلع الأساسية في عام 2022، وضيّقت أكثر على السوريين الذين يعانون أساسا من انهيار القوة الشرائية لرواتبهم.

ويبلغ متوسط رواتب الموظفين في القطاعين العام والخاص في مناطق سيطرة النظام نحو 150 ألف ليرة (23 دولارا)، في حين يبلغ الحد الأدنى للأجور 92 ألفا (15 دولارا تقريبا).

ولا تتناسب هذه الرواتب إطلاقا مع أسعار معظم السلع الضرورية في الأسواق؛ حيث تشير تقديرات إلى أن العائلة السورية المكونة من 5 أفراد تحتاج إلى 1.8 مليون ليرة (280 دولارا) بالحد الأدنى لتوفير حاجاتها الشهرية.

في حين تستمر الليرة السورية بالانهيار أمام العملات الأجنبية، ليسجل سعر صرف الدولار الواحد 6400 ليرة في تعاملات الثلاثاء 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

وتذهب كل المؤشرات إلى أن الأسعار ستواصل ارتفاعها خلال 2023 متأثرة بالعوامل الداخلية والخارجية لا سيما العقوبات الغربية المفروضة على النظام السوري، والتي أضيف إليها قانون "الكابتاغون" الأميركي الذي من المتوقع أن يدخل حيز التنفيذ في الأشهر الأولى من عام 2023.

وإلى جانب الغلاء المستشري، تفاقمت الأزمات الخدمية على نحو حاد في مناطق سيطرة النظام خلال العام الجاري، وازدادت ساعات قطع التيار الكهربائي عن معظم المدن السورية -عدا بعض أحياء دمشق- من 18 إلى 22 و23 ساعة، مما أدى إلى شلل بمختلف مناحي الحياة.

وتتزامن هذه الزيادة في ساعات القطع الكهربائي مع تأخر كبير في تسليم العائلات مخصصاتها من مادتي الغاز المنزلي والمازوت (توزع عبر بطاقة إلكترونية)، فباتت العائلة لا تتسلم أسطوانة غاز (8 كيلوغرامات) إلا كل 95 يوما، بينما توزع مادة المازوت (50 لترا لكل عائلة) مرة أو اثنتين كل سنة.

وفاقمت هذه الأزمات من معاناة الشريحة الأوسع في الحصول على وسائل التدفئة الضرورية لشتاء 2022، الذي وصفته الأمم المتحدة في تقرير لها بـ"الشتاء الأقسى على السوريين".

ودفع بؤس الواقع المعيشي والخدمي في مناطق سيطرة النظام كثيرا من السوريين إلى طرق أبواب الهجرة مجددا سواء عبر الطرق النظامية أو غير النظامية.

وبلغت موجة الهجرة غير النظامية ذروتها في سبتمبر/أيلول الماضي، قبل أن تنخفض تدريجيا بعد فاجعة غرق قارب اللاجئين بالقرب من الشواطئ السورية في الشهر ذاته، والتي راح ضحيتها 97 من ركابه.

وما زال كثير من السوريين يبحثون عن طرق للهجرة غير النظامية مع تفاقم المعاناة اليومية، معلنين عن استعدادهم للمخاطرة بحياتهم من أجل الحصول على فرصة لعيش حياة كريمة.

منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الجاري اشتدت أزمة شح المحروقات والمشتقات النفطية وبلغت تداعياتها مستوى غير مسبوق؛ اضطر حكومة النظام إلى اتخاذ إجراءات إسعافية تمثلت في تعطيل كل الجهات الرسمية والمؤسسات -عدا القطاع الصحي- في يومي 11 و18 ديسمبر/كانون الأول، ومن 25 الشهر الجاري حتى نهاية العام الماضي.

وإلى جانب رفع أسعار مادتي البنزين والمازوت المدعومتين بنسبة 25% رغم شحتهما في محطات الوقود المعتمدة من قبل الحكومة، ارتفعت أسعار المادتين في السوق السوداء بنحو الضعف خلال أقل من 15 يوما.

وقال وزير النفط والثروة المعدنية بسام طعمة، في تصريح لوسائل إعلام حكومية، تعليقا على تداعيات الأزمة، "إن المتغيرات التي تتحكم في التوريدات النفطية خارجة عن إرادتنا".

وتسببت الأزمة بشلل حركة المواصلات، وتوقف نصف أفران العاصمة وريفها عن العمل نتيجة نقص المحروقات، وفرض "تقنين كهربائي" على المدن الصناعية الكبرى في دمشق وحلب وغيرها من المحافظات يمتد إلى 72 ساعة قطع أسبوعيا.

ورغم اختتام رئيس الوزراء في حكومة النظام حسين عرنوس مؤتمره الصحفي، الأربعاء 14 ديسمبر/كانون الأول الجاري، بتطمينات عن انفرج قريب بواقع توفر المشتقات النفطية مطلع عام 2023. فإن مراقبين للشأن السوري وخبراء أجمعوا على غياب إمكانية استقرار التوريدات النفطية في ظل العقوبات الغربية المشددة، وانخفاض دعم حلفاء النظام له، وانهيار الليرة السورية المستمر أمام العملات الأجنبية، وتراجع القيمة الفعلية للموازنة العامة للدولة بشكل ملحوظ لسنة 2023، وذلك يدل على انخفاض احتياطي العملات الأجنبية في البنك المركزي السوري، وانخفاض الناتج القومي.

ويرزح 90% من السوريين تحت خط الفقر، بينما يعاني 80% منهم من انعدام الأمن الغذائي منذ عام 2021، حسب تقديرات أممية.

وتنذر الأزمات المركبة التي تعصف بمناطق سيطرة النظام بانحدار مستوى معيشة السوريين إلى مستويات غير مسبوقة في العام القادم. ولكن يبقى السؤال: هل سيتمكن النظام السوري من إعادة التوازن إلى مناطق نفوذه وتوفير الحد الأدنى من احتياجات السكان لعام 2023؟

نقلا عن موقع الجزيرة نت


مشاهدات 777
أضيف 2023/01/02 - 10:39 AM
تحديث 2024/03/28 - 10:43 AM

طباعة
www.Economy-News.Net