بعيداً عن ما يخطط له المضاربون في سوق تداول العملة الأجنبية وما تبثه وسائل الإعلام الصفراء بالإساءة إلى سمعة الاقتصاد العراقي، يحتفل السبت البنك المركزي بالذكرى السنوية الـ 75 لتأسيسه وقبل أيام قليلة من انتهاء عام 2022 نستقبل عاماً جديداً، في وقت تعاني دول العالم تحديات اقتصادية ومالية وأزمات في الغذاء والطاقة والصراعات وفقاً لمصالح الدول الكبرى والحرب الروسية الأوكرانية وما زال الاقتصاد العالمي يواجه التضخم الركودي ولم تستطع اجتماعات دول العشرين ولا البنك الدولي ولا صندوق النقد الدولي إيجاد الحلول وما زالت العملات المحلية في بعض الدول تنخفض بنسب خيالية مقابل الدولار الأميركي.
أما على مستوى العراق فانتهى العام بدون موازنة لعام 2022 ويمر الاقتصاد العراقي بعدد من التحديات الداخلية والخارجية نظراً لتقلبات الأوضاع السياسية الداخلية وتأخر تشكيل الحكومة الجديدة بعد الانتخابات لأكثر من سنة ولم يتم الاستفادة المرجوة من الوفرة المالية بسبب ارتفاع اسعار النفط عالمياً، كذلك عدم استقرار بيئة الأعمال وتشتت السياسات والرؤى للإصلاح الاقتصادي المنشود، يضاف إلى ذلك ارتفاع نسبة البطالة ونسبة الفئات الفقيرة خصوصاً في المحافظات الوسطى والجنوبية مما اضطر البنك المركزي أن يستمر بسياسته في دعم وتحفيز الاقتصاد وتنشيط الدورة الاقتصادية.
لذلك كان للبنك المركزي العراقي دوراً مهماً في مواجهة تلك التحديات وإصلاح القطاع المصرفي ومساعدته على تجاوز تلك التحديات باعتباره الحلقة الأساسية الأولى في الاقتصاد من خلال إجراءاته ومبادراته التمويلية البالغة 18تريليون دينار والتي ساهمت بتشغيل أكثر من 60 ألف عاطل واستفاد من تمويلاتها لتشغيل بحدود 30 ألف مشروع صغير ومتوسط وإنشاء أكثر من 150 ألف وحدة سكنية وبلغ مجموع المستفيدين من هذه المبادرات أكثر من 200 ألف مستفيد وشكلت هذه التخصيصات التي أطلقها بحدود أكثر من 30% من مجموع الائتمان النقدي الممنوح للقطاع الخاص وتشكل أكثر من 8% من الناتج المحلي الإجمالي و18,4% من مجموع الإنفاق الاستثماري الفعلي للسنوات 2016-2021 إضافة إلى مساهمات صندوق تمكين الذي تتبرع به المصارف ويشرف علية البنك المركزي ورابطة المصارف الخاصة العراقية في دعم وإسناد وتأهيل بحدود 1100 مشروع مجتمعي وإنساني وثقافي وتنموي.
وقد ساهمت إجراءات البنك المركزي التقنية والإدارية والتطورية على تطوير الأنظمة المصرفية واستخدام أنظمة جديدة حققت السيطرة على الإبلاغ على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وضمان سلامة الإجراءات التي تضمن حقوق الٱمر والمستفيد من تطبيق منصة خطابات الضمان والتي حققت نتائج ممتازة في 2022 ومنصة الكترونية للسيطرة على التحويل الخارجي. مما ساهم مساهمة فاعلة في تنفيذ سياسة البنك المركزي في تحقيق الاستقرار في السوق المصرفي وإدامة العمليات المصرفية الداخلية والخارجية وعزز من الثقة الدولية بتعاملاتنا المصرفية الدولية ويظهر ذلك جلياً عند مقارنة حال مصارفنا مع دول أخرى تشهد نفس الظروف كما حدث في لبنان وسوريا وإيران واليمن على سبيل المثال وهذا يؤكد أن سياسات البنك المركزي ومصارفنا تسير بالاتجاه السليم.
ويسعى البنك المركزي للسير بمنهجه الثابت بعد تشكيل الحكومة الجديدة ومتطلبات الوضع الجديد لتنفيذ أهداف استراتيجيته الثانية للسنوات (2021‐2023) الأساسية والفرعية في عام 2023 بعد أن استطاع أن ينجز نسبة كبيرة منها في عامي 2021و2022 مع التركيز على تنفيذ المشاريع الاستراتيجية المصرفية التي خطط لها ووضعها وحدد أهدافها البنك المركزي وهي بحدود 15 هدفاً رئيسياً و 75 هدفاً فرعياً (تقني وتمويلي وإداري وتطويري). وهنا نؤكد على ضرورة التوصل إلى قيام المصارف بتطوير سياساتها وإجراءاتها وفقاً لحاجاتها الفعلية في استدامة تقديمها لمنتجاتها المصرفية وفقا لاستراتيجية الشمول المالي وأن يتم إنجاز إعداد هذه السياسات بالتنسيق مع الدوائر الاختصاصية في البنك المركزي بالتعاون مع رابطة المصارف الخاصة العراقية.
ولذلك سيستمر العمل في مجالات تطوير البنية الهيكلية للقطاع المصرفي إضافة إلى قيامها بالاهتمام بتطبيق معايير الاستقرار المالي وهي مؤشرات السلامة المالية كمعدل كفاية رأس المال، ونسبة السيولة، ونسبة الربحية كنسبة الربح وصافي الربح إلى رأس المال، ونسبة العائد على الموجودات، ونسبة العائد على حقوق المساهمين، ونسبة كلفة النشاط والرافعة المالية، ونسبة توظيف الأموال، إضافة إلى اعتماد مؤشرات قياس كفاءة الأداء واستحداث وحدات للإحصاء والدراسات والتحليل والتنبؤ المالي لتأشير الانحرافات الشهرية والفصلية والسنوية في الخطط المرسومة. وهذا يحتاج إلى قيام الحكومة الجديدة بدعم المصارف وتمكينها من الاستمرار بالنشاط المصرفي وأن يتم تنفيذ قرارات مجلس الوزراء ولجنة الشؤون الاقتصادية ذات الصلة بتنشيط العمل المصرفي الصادرة خلال السنوات السابقة خصوصاً في مجال الائتمان والتمويل المصرفي والقروض والتسهيلات المصرفية وإعطاء دور أساسي للمصارف الخاصة وإشراكها في صناعة القرارات الاقتصادية المركزية. وتمثيلها في اللجان الاقتصادية المشكلة في مجلس الوزراء وفي مجلس تطوير القطاع الخاص المنوي تشكيله بشكله الدائم.