ثمة جدل حول طبيعة الدور الحكومي في الاقتصاد العراقي المعاصر وآثاره في الاداء الاقتصادي لمختلف قطاعات الاستخدام والناتج ، اذ يتبلور هذا الجدل حول دور الحكومة في الاقتصاد للمرحلة الحالية والقادمة، بشكل يلفت النظر الى ان هذا الدور تحكمه النظرة الزمنية الضيقة لظاهرة معينة او مؤشر هنا او هناك من دون الرؤية المعمقة طويلة الاجل فيما يخص ترسيم وتشخيص دور الحكومة في الاقتصاد كجزء اساس من استراتيجية لصياغة السياسة الاقتصادية الكلية لبناء النموذج الكلي برؤيته التنموية المتكاملة، في اشارة الى ان دور الحكومة في الاقتصاد لا ينفصل عن طبيعته الفنية طويلة الاجل، لذا فأن إعادة صياغة نموذج التنمية بعد سنوات من عدم الاستقرار السياسي لابد ان يكون جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية طويلة الاجل لبناء الدولة العراقية المعاصرة في المرحلة الحالية والقادمة .
ومن قراءة معمقة لواقع السياسة الاقتصادية يلاحظ اختزال ممارسة الحكومة لدورها الاقتصادي في اطار ضيق، لا يتعدى قضايا العجز المالي الحكومي وسياسة سعر الصرف واستهداف التضخم من دون مناقشة جادة للتأثيرات الشاملة للمتغيرات الاقتصادية المختلفة ضمن افق السياسة الكلية الساعية الى تحقيق هدف الاستقرار الكلي وتحفيز النمو،في ضوء خطوات الاصلاح الاقتصادي الشامل لتعديل الاختلال الراسخ في هيكل الاقتصاد العراقي، لتنويع الناتج المحلي الاجمالي تجاه القطاعات الحقيقية .
لذا لابد ان تسعى السياسة الاقتصادية الحكومية طويلة الاجل الى التركيز على دورها في الاقتصاد وضمن المحاور الآتية:
منح الحكومة الثقة للجمهور والمؤسسات: اذ لابد ان ينصب تركيز السياسة الكلية على منح وضمان الثقة للجمهور والمؤسسات في عموم الاقتصاد، فمن دون الثقة في السوق الاقتصادية لايمكن للمستثمرين والمنتجين وحتى المستهلكين، ممارسة أنشطتهم الإنتاجية داخل الدولة بكل امان وفعالية واستقرار وتمام ، وبالتالي ضخ المزيد من التدفقات المالية وفرص التوظيف وتنشيط حركة المال والاستثمار، كخطوة هامة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية في اتجاه تنمية القطاع الحقيقي لتعويض الاستيراد الخارجي وترجيح كفة الميزان التجاري وميزان المدفوعات من الانتاج الوطني،عبر تهيئة الاطار المادي والقانوني لتسريع اتجاهات النمو للنشاط الخاص تجاه القطاعات الرائدة.
صيانة الحكومة للعلاقة فيما بين الامن الاقتصادي والسلم الاجتماعي داخل حركة النظام الاقتصادي والحد من الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية على شرائح المجتمع بغية الحد من التفاوت المجتمعي الصارخ، فدور الحكومة هنا ينبغي ان يتمحور حول ضمان مستوى معيشة تليق بالمواطنين بشكل لايمس السلم الاجتماعي، والحصول على الرضا العام تجاه الخدمات العامة والدعم السلعي، وتقليل الفوارق الطبقية، من خلال اجراءات السياسة الاقتصادية الكلية التي تستهدف الحفاظ على الدخل الحقيقي للافراد بعيدا عن ضغوط التضخم والارتفاع المستمر في معدلات المستوى العام للاسعار، والحد من ظاهرة البطالة عبر بناء برنامج للتشغيل والاستخدام طبقا لسوق العمل وحاجة الاطار التنموي .
اضطلاع الحكومة بدورها الوظيفي لتحفيز الطلب الكلي واقامة الاستثمارات المباشرة وذلك والشروع ببناء مشروعات كبرى تنشط حركة الاستخدام والإنتاج بما يعمل على تحريك الاقتصاد بعيدا عن الريعية، لبلوغ الحد اللازم من البنى التحتية ذات الاسهام المهم في تحفيزاقامة الاستثمارات الخاصة الاستراتيجية .
التركيز على الدور التنموي للحكومة في اعادة صياغة السياستين المالية والنقدية لتوجيه الايراد العام والانفاق العام على مجالات مستهدفة في ظل سياسات الاستقرار الكلي والحد من التضخم، لضمان تحقيق النقاط 1و2و3.
اعطاء الاهمية القصوى للدور التنموي التنسيقي للحكومة فيما بين السياسات القطاعية ولاسيما النفطية والزراعية والصناعية والتجارية وميزان المدفوعات لبلوغ هدف تنويع وزيادة نمو الناتج المحلي الاجمالي وتحقيق الأهداف التنموية العليا في كل القطاعات المستهدفة، ودعم قطاعات استراتيجية كالتعليم والرعاية الصحية والضمان الاجتماعي وتوفير فرص العمل. ان دور الدولة التنموي يمثل لبنة مهمة في بناء شرعية وصدقية الدولة والنظام الاجتماعي والسياسي الذي يسعى لتلبية طموحات الجماهير في بناء الحاضر وضمان المستقبل.