يشهد المناخ الاقتصادي في العراق تغيرات دراماتيكية ، فإلى جانب ارتفاع المؤشرات المالية الناجم عن ارتفاع اسعار النفط بمعدل 40% تقريبا عن العام الماضي ،وتوقعات بارتفاع الاحتياطات النقدية للبلاد إلى أكثر من 90 مليار دولار بحلول نهاية العام الحالي، وزيادة معدل نسبة نمو في الناتج المحلي الاجمالي الى 9.5% ،فان السياسة المالية لاتزال مقيدة بنسبة الانفاق الحكومي البالغة 1/12 مما يشير الى ان الفورة المالية لم تنعكس بشكل حقيقي على واقع السياسة الاقتصادية الكلية وعلى واقع المواطنين، فالتضخم يشهد ارتفاعا كبيرا في معدلاته السنوية الى جانب الارتفاع في معدلات البطالة التي بلغت في اخر إحصاءات لها في 2021 الى معدل سنوي بلغ 13.8% .
تشكل التطورات السياسية في البلاد وتداعياتها على الاقتصاد عائقا كبيرا في وجه اقرار موازنة العام 2021- 2022 ومنه تنظيم وتبويب الايرادات النفطية لانفاقها في مواردها الاستهلاكية والاستثمارية التي تعد مصدرا مهما من مصادر الطلب وتنشيط الاقتصاد ودورة الدخل والانفاق وخلق فرص العمل بما يخفض من معدلات البطالة وابعاد الاقتصاد العراقي عن شبح ظاهرة الركود التضخمي، الذي يعاني منها في الآونة الاخيرة، ولأسباب كثيرة منها خارجية ومنها داخلية ، الاولى تتعلق بالحرب الاوكرانية وسياسات رد الفعل الاقتصادية المعززة للركود التضخمي في الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، وبما ان العراق يشكل في مجموع نفقاته الخارجية مستوردا صافيا للسلع والخدمات فمن الطبيعي ان ينتقل اليه التضخم مع قوائم الاستيرادات ، اما الثانية فالى جانب عدم اقرار الموازنة وتداعيات الانفاق المقيد بنسبة 1/12 فان سياسات ادارة الدين الداخلي وعلى الرغم من اهدافها الاقتصادية البحتة، فان تخفيض قيمة العملة الوطنية وما صاحبه من تلكؤ في العديد من الاجراءات التعويضية للفئات المتضررة منها، قد اخذت مأخذها من واقع المستوى العام للاسعار وانخفاض القيمة الحقيقي لدخول الافراد، لم يتم استهدافه بشكل واضح.
لذا فان المتغيرين المهمين على صعيد معالجة الاقتصاد انما ينحسران في تشكيل الحكومة اولا ، واقرار الموازنة والشروع في تنظيم العائدات المالية وفقا لبنود الموازنة وتخصيصاتها ثانيا، كذلك فان ادارة العوائد المالية بشكل اقتصادي كفوء عبر استحداث صندوق سيادي لاستثمار وتنمية فوائض المال النفطية للمستقبل قد تشكل متغيرا استراتيجيا على صعيد المعالجة الاقتصادية .