وكالة الإقتصاد نيوز

التضخم بين توقعات الجمهور والبنوك المركزية


انخفضت أسهم وول ستريت بشكل حاد في وقت مبكر من يوم 10 يونيو الماضي بعد البيانات الجديدة التي أظهرت ارتفاع المستهلكين الأسعار التي ضعفت من امال انحسار التضخم بسرعة . حيث أظهر مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ارتفاعه بنسبة 8.6% مقارنة بشهر مايو من عام 2021 ، وارتفعت أسعار المستهلكين في جميع أنحاء الدول المتقدمة بأكثر من 9% على أساس سنوي ، وهو أعلى معدل منذ ثمانينات القرن الماضي . ومما يثير القلق ، بان هناك أدلة متزايدة على أن (الجمهور) بدأ في توقع تضخم مرتفع باستمرار. حيث ان الأرقام التي تشير إلى توقعات الأمريكيين للتضخم على المدى المتوسط قد ارتفعت مما ساعدت على إطلاق اضطراب السوق الأسبوع الماضي ، والذي بلغ ذروته في رفع الاحتياطي الفيدرالي لأسعار الفائدة بمقدار (ثلاثة أرباع نقطة مئوية) .

ومن هنا فان البنوك المركزية تحتاج بشكل عاجل إلى إقناع الجمهور بأنها جادة في خفض مستويات التضخم . لكن هناك مجموعة من الأدلة تشير إلى أن تغيير رأي الجمهور قد يكون صعبًا للغاية . حيث أصبح الاختلاف في وجهات نظر الخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي كبير للغاية . ويتوقع الخبراء الاقتصاديين ان التضخم سيكون طبقا لهذه المجموعات في أمريكا (كما في الشكل البياني) :-

الاول : لا يزال المتنبئون المحترفون والأسواق المالية قريبين من هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2% .

الثاني : ان معتقدات المستهلكين لا تفعل ذلك . اذ انهم يتوقعون ارتفاع الأسعار بأكثر من 5% خلال العام المقبل.

الثالث : الشركات المعرضة لارتفاع تكاليف السلع والأجور والمدخلات الأخرى ، تتوقع تضخمًا أعلى.

كما ان التوقعات آخذة في الارتفاع خارج أمريكا أيضًا . حيث تواجه البنوك المركزية مشكلة في خفض هذه توقعات الجمهور وهذا لأن قلة من الافراد – باستثناء المختصين والمستثمرين والصحفيين الماليين – يهتمون كثيرًا بما تقولها البنوك المركزية في بلدانهم . وتوجد هناك ورقة بحثية جديدة أعدها Alan Blinder من جامعة برينستون وزملاؤه ببعنوان Households and firms have a low desire to be informed about monetary policy (الأسر والشركات لديها رغبة منخفضة في أن تكون على اطلاع بالسياسة النقدية) تضع الأمر بشكل أكثر صعوبة.، وقد وجد في عام 2014 أن ربع الأمريكيين فقط يمكنهم اختيار (Janet Yellen) كرئيسة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في ذلك الوقت . كما يعتقد أربعة من كل عشرة أمريكيين أن هدف التضخم للبنك الفيدرالي يتجاوز 10% ، وهذا جاء على اثر الإعلانات التي مارستها Janet Yellen في سياستها على توقعات (تضخم منخفض) آنذاك .

ووفقًا لدراسة حديثة أجراها (Fiorella De Fiore) قام باحثون في بنك إيطاليا بتقييم ما إذا كان الناس يعرفون ما هو التضخم . وقد كانت الاجابات بان الافراد لم يكن لدى الكثير منهم سوى فهم بسيط (غامض) عن التضخم – حيث خلط نصف المستجيبين بين تغيرات الأسعار ومستويات الأسعار – ، اما اليابان فقد شهدت السنوات الأخيرة تنفيذها الكثير من التسهيلات النقدية بصورة قوية من أجل زيادة حجم النشاط الكلي ، ولكن في عام 2021 لم يسمع أكثر من 40% من اليابانيين بالخطة أبدًا وذلك وفقًا لمسح رسمي في اليابان . مما ادى الى عدم وجود ارتفاع في التضخم بصورة كبيرة نتيجة لعدم التوقع الكبير لارتفاع الاسعار من قبل الشعب الياباني .

في السنوات التي سبقت الوباء ، لم يكن لتوقعات الجمهور من عامة الناس دورا مهما في السياسة النقدية وذلك لكون التضخم منخفضًا ومستقرًا في تلك الفترة ، الا ان الان اصبح لهم دورا اساسيا ومهما وجزءا لا يتجزأ من ارتفاع الاجور والاسعار ، مما يدفع التضخم الاساسي إلى الارتفاع بصور اسرع .

بالتالي قد لا تؤدي مجموعة الأدوات التقليدية للسياسة النقدية الكثير لمعالجة التضخم . حتى ان تأثير رفع أسعار الفائدة ليس واضحًا تمامًا ، اذ يعتقد ضعف عدد الأمريكيين أن المعدلات الأعلى للفائدة ترفع التضخم ولا تخفضه . حيث يشير التاريخ إلى عدة خيارات تم طرحها في مواجهة توقعات الافراد بتضخم اعلى ، منها (إصدار إعلانات جذرية أو غير متوقعة) ، بحيث يتضمن ذلك رفع أسعار الفائدة خارج الاجتماعات المقررة – وهو قرار اتخذه البنك المركزي الهندي – وقد استخدم البنك المركزي الأوروبي (ECB) هذه الحيلة (الفكرة) سعياً وراء هدف آخر وهو (الإبقاء على فروق أسعار السندات الحكومية منخفضة) ، الأمر الذي من شأنه أن يهدد بحدوث أزمة ديون في المستقبل .

 في عام 2012 ، قدم Mario Draghi ، محافظ ECB ، وعدًا مرتجلًا بفعل كل ما يتطلبه الأمر لإنقاذ اليورو وفقًا لبحث أجراه (Michael Ehrmann) من ECB و Alena) Wabitsch) من جامعة أكسفورد ، أدى خطاب محافظ ECB إلى زيادة عدد الزيارات على موقع Twitter من بين غير الخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي (أي عامة الناس) ، مما يشير إلى أن محافظ ECB قد قطع الطريق على حدوث تضخم اعلى من خلال توقعات الجمهور في المستقبل . حيث أن عبقرية بيان Mario Draghi كانت تركز على الغاية وهي (الحفاظ على اليورو) بدلاً من الوسيلة (شراء السندات) ، والتي يسهل على الجمهور فهمها .

واليوم في أمريكا يقول الرئيس (جو بايدن) إن مكافحة التضخم هي أولويته الاقتصادية القصوى (على الرغم من أنه يظهر ميلًا منخفضا لتشديد السياسة المالية).

وفي النهاية قد يكون لتوقعات الجمهور اتجاه البنوك المركزية مجاملة ومخادعة لواضعي السياسات في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي . بالإضافة الى ان لا أحد من الجمهور (غير المختصين والاقتصاديين) بحاجة إلى الاهتمام بالتضخم عندما كان منخفضًا . الا ان صناع السياسة الاقتصادية اليوم مقيدون بهذا النجاح ذاته ، أي عدم تدخل توقعات الجمهور في التضخم مما يؤدي الى خفض توقعاتهم ، وبهذا فان البنوك المركزية يحتاجون إلى تجربة كل ما في وسعهم لجعل الناس يجلسون ويستمعون ولا يتدخلون في توقعات التضخم .

 

 

 


مشاهدات 860
أضيف 2022/06/23 - 8:41 AM
تحديث 2024/04/22 - 11:05 PM

طباعة
www.Economy-News.Net