وكالة الإقتصاد نيوز

الأغنياء والفقراء ومعضلة خفض الانبعاثات


شهد عام 2021 قفزة في مجال الطاقات المتجددة (الشمسية والرياح) حيث ازدادت كمية الكهرباء المولدة عبرها لتشكل 10% من إجمالي الكهرباء العالمية بنسبة نمو سنوية تقترب من 16% لتشكل نحو 60% من مجمل نمو الكهرباء، كما نما قطاع السيارات الكهربائية بشكل هائل خلال نفس العام حيث انتجت 6.6 مليون سيارة كهربائية بالكامل أو هجينة قابلة للشحن من أصل 80 مليون سيارة لتشكل نسبة 8.25% من سوق السيارات العالمي الجديدة، وهذه الزيادة تمثل أكثر من الضعف عن العام الذي سبقه، حيث انتج 3 مليون سيارة كهربائية فقط في عام 2020 مما يجعل معدل النمو أكثر من 100%.

إنها أخبار ممتازة ومطمئنة للبشرية، فبالتأكيد قد انخفضت انبعاثات الكاربون العالمية بنسبه كبيرة، أليس كذلك؟ الجواب لا فللأسف أقول إن عام 2021 كان شنيعا في زيادة نسبة انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون بواقع 2.3 مليار طن، حيث ارتفعت الانبعاثات من 34 مليار طن عام 2020 (جميع أرقام الانبعاثات التي سأذكرها مأخوذة من تقارير وكالة الطاقة الدولية EIA، لذا قد تجد اختلافات بسيطة مع غيرها من المواقع و لكنها لا تؤثر على الفكرة العامة) لتصل ل36.3 مليار طن عام 2021 مما يعد أكبر زيادة سنوية في التاريخ، حيث أدى ارتفاع الطلب على الطاقة الكهربائية بسبب زيادة الطلب على السلع الى إحراق كميات هائلة من الفحم في ظل تلكؤ زيادة الاستثمار في قطاع الغاز الطبيعي وتقنين إنتاج النفط وفقا لاتفاق أوبك+، كل هذا جرى رغم موجات متحورات كورونا التي كانت تجتاح العالم مسببه الإغلاقات! ورغم اتفاقيات المناخ والحد من الانبعاثات! وكإن البشر نفسوا عن إحباطهم من الحجر الصحي عبر استهلاك الطاقة! ولأن المصائب لا تأتي فرادى جاءت حرب أوكرانيا هذا العام لتركز الجهود على معاقبة قطاع النفط والغاز الروسي لتستنزف على الأموال التي رصدتها الدول المتقدمة لدعم الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية.

الآن لنحاول أن نفهم ما يجري، فانبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكاربون تزداد بمعدل مليار طن سنويا، فقد كانت 33 مليار طن عام 2017، و صعدت ل34 مليار طن عام 2018، لتصل ل35 مليار طن عام 2019، و تنخفض ل34.1 مليار طن عام 2020 بفعل الجائحة، لتعوض الانخفاض وتقفز ل36.3 مليار طن عام 2021، وإذا استمرت هذه الزيادة بمليار طن سنويا خلال العقد الحالي فستصبح مشكلة خفض الانبعاثات معقدة جدا فسيناريو وكالة الطاقة الدولية الذي أوصت به يشير لأهمية خفض الانبعاثات بمقدار 20% بحلول عام 2030 وهذا ينطلب خفض ثلث استهلاك الفحم و 10% من استهلاك النفط على مستوى العالم، هذا ان أردنا المحافظة على عدم تجاوز عتبة الدرجتين مئويتين لضرر مناخي مقبول وبالتالي عدم تعريض الكوكب والحضارة  و 8 مليار أنسان للخطر ولكن يبدو أننا نفعل العكس تماما ونصعب على الأجيال القادمة أي فرصه للتعويض.

فالعالم منذ نهاية الحرب الباردة تنمو انبعاثاته ب1.6% سنويا حيث أن غالبية هذه الزيادة في الانبعاثات منذ 1990 مسؤول عنها الدول النامية، أما الدول المتقدمة (أمريكا، أوربا، كندا، أستراليا، نيوزيلندا، اليابان، كوريا ج، فلسطين المحتلة، تايوان، هونغ كونغ، سنغافورة) فازدادت انبعاثاتها من 11.5 مليار طن (56% من انبعاثات العالم) عام 1990 لتصل ل12.85 مليار طن عام 2004 وتبقى لعدة سنوات ثابتة عند هذا المعدل لتنخفض خلال العقد الماضي بالتدريج لترجع 11.5 مليار طن عام 2021، مما يعني ان 16 مليار طن أضيفت خلال ال31 سنة الأخيرة فوق ال20.5 مليار طن كانت مسؤولة عنها الدول النامية وأبرزها الصين والهند، وهذا يضعنا أمام معضلة، فمن ناحية الدول المتطورة تلوم الدول النامية لقلة مسؤوليتها وعدم جديتها في خفض الانبعاثات مما يعرض الجميع للخطر بينما هي (الدول المتطورة) ضغطت على اقتصادها مقدمة تضحيات بإيقاف معدل نموها السكاني ومكتفية بأقل درجات النمو الاقتصادي عند 2-3% سنوياً وهو أقل معدل يحول دون انفجار فقاعة الديون مما يؤدي لانهيار اقتصاداتها، من جانب أخر الدول النامية ترد "كيف تتجرؤون لتطلبوا منا خفض انبعاثاتنا وأنتم تشكلون مليار نسمه (12.5% من سكان العالم) بينما أنتم مسؤولين عن 31.7% من مجمل الانبعاثات" كما أن تلك الدول المتقدمة وصلت لتلك الدرجة من الرفاهية عبر حرق كميات هائلة من الوقود الأحفوري الرخيص والآن حان دورنا لنتطور ونرفع من مستوى معيشة شعوبنا، كما تجادل أنه وبرغم الزيادة الهائلة لانبعاثات الدول النامية لا تزال تستثمر بشكل كبير في قطاعات الطاقات المتجددة والسيارات الكهربائية حيث تسهم الصين بنصف معدل نمو الطاقات المتجددة تقريبا رغم انبعاثاتها التي تشكل ثلث الانبعاثات العالمية، كما أن الدول المتطورة لا تزال متهمة ببطء خفض انبعاثاتها، فلو أستمرت بنفس هذه الوتيرة فستحتاج عشرات السنين للوصول لصفر انبعاثات، وبذكر موضوع صفر انبعاثات فهو نكتة ترددها وسائل الإعلام دون وعي لأننا أبعد ما نكون عنه، الغريب أن التكنلوجيا الجديدة والابتكارات استخدمتها الدول النامية لمضاعفة معدل النمو الاقتصادي وليس لاستبدال الوقود الأحفوري بالطاقات المتجددة لأن هذه الدول تطمح لتسريع وتيرة نموها دون التفكير جديا في العواقب، وسط هذا الجدل و كيل الاتهامات وضياع الوقت تتزايد معدلات غازات الدفيئة مما يفاقم الاحتباس الحراري الذي سيتضرر منه الجميع ولكن بالأخص الدول الفقيرة دافئة الطقس محدودة الموارد المائية حيث يعيش مئات الملايين قرب السواحل في مناسيب مهددة بالغمر، نفس هذه الدول النامية التي ترفض تقييد النمو الاقتصادي تشكو من تغيرات المناخ الان مطالبة الدول الغنية بمساعدات للتخفيف من آثارها.

في عام 1997 شاهدنا فيلم تيتانك الشهير الذي شكل جزءا من ثقافة جيلنا، ولكننا لم نتوقع أن يأتي يوم نعيش فيه أجواء الفيلم على مستوى العالم، حيث الأغنياء لا يريدون التنازل وخفض مستوى معيشتهم بينما الفقراء متعنتين وملتزمين بالتكاثر ووسط هذا الصراع الطبقي تبحر السفينة (الكوكب) داخل حقل جليدي وسط المحيط الأطلسي مقتربة من جبل جليدي (كارثة بيئية) بأقصى سرعة (نمو اقتصادي) فيما يترقب البحارة بقلق لماذا السفينة بطيئة في تغيير اتجاهها ولم لا تبدأ الانبعاثات بالانخفاض؟ فيما يشير المختصون والباحثون لضرورة التوصل لاتفاقات ملزمة لجميع الأطراف (الدول) فمن غير المنطقي الانتظار لتأتي تكنلوجيا ثورية سحرية تنقذ الأمور فما لدينا من تكنلوجيا كافي لتغيير الأمور، فعلى سبيل المثال انخفضت انبعاثات سيارات محركات الاحتراق الداخلي للنصف لكل ميل تقطعه تقريبا خلال ال50 سنة الأخيرة بسبب تطور المحركات وأنظمة التعليق الاوتماتيكية والتصاميم الانسيابية ومواد التصنيع الخفيفة ولكن بالمقابل انبعاثات السيارات ازدادت بمقدار 60% بدل أن تنخفض نتيجة ازدياد عدد السيارات وتفضيل السيارات الكبيرة أو الرياضية، لذا لا يمكن أن يأتي اختراع بحل جذري طالما استمر التفكير بالنمو الاقتصادي كهدف وحيد، فكل ما يلزمنا هو التوصل لاتفاقات منصفة للجميع وملزمة وبدون تذمر، فالجميع في مركب واحد، فأما أن نرتقي لمستوى المسؤولية ونفكر بالأجيال القادمة ونعيش باعتدال وأما أن ننزلق نحو كارثة بيئية ستوقف النمو الاقتصادي بعد 30-35 سنة، فلم لا نوقف النمو الاقتصادي والزيادة السكانية الآن أو نقلله لأقل ما يمكن مع المحافظة على الكوكب و مليارات البشر.


مشاهدات 1938
أضيف 2022/05/26 - 8:52 PM
تحديث 2024/04/19 - 12:29 PM

طباعة
www.Economy-News.Net