تعليق حول دراسة صدرت من جامعة جورج واشنطن للباحثة (فيرونيكا سوثيرلاند)*
الباحث الاقتصادي علي دعدوش

توصلت دراسة أجريت على مستويات الجسيمات الدقيقة في المدن حول العالم إلى تغيرات كبيرة في متوسط مستوى الملوثات الخطرة في الهواء ما تسببت في 1.8 مليون حالة وفاة عام 2019 وحده. وقدر مؤلفو الدراسة، أن 61 من كل 100000 حالة وفاة في المناطق الحضرية تعزى إلى مستويات الجسيمات الدقيقة في عام 2019. وحسب الدراسة فان هناك انخفاضات كبيرة في تلوث الهواء في أجزاء من أفريقيا (18%)، وأوروبا (21%) وأمريكا الشمالية والجنوبية (29%).

بينما شهدت المناطق الحضرية في جنوب شرق آسيا، بما في ذلك الهند، أكبر الزيادات الإقليمية تبلغ 27% في متوسط تركيز PM2.5 المرجح للسكان بين أعوام 2000 و2019. كما شهدت مدن جنوب شرق آسيا أكبر زيادة في معدلات الوفيات التي تعزى إلى PM2.5 خلال هذه الفترة، حيث زادت بنسبة 33% ، اي من 63 إلى 84 لكل 100000 شخص.

وقالت صاحبة (لا يزال غالبية سكان المدن الحضرية في العالم يعيشون في مناطق ذات مستويات غير صحية من PM2.5) ، مشيرة إلى أن تجنب العبء الكبير على الصحة العامة الناجم عن تلوث الهواء سيتطلب استراتيجيات لا تقلل الانبعاثات فحسب، بل تحسن أيضا الصحة العامة الشاملة  (نهاية الدراسة للباحثة).

عرف البنك الدولي PM2.5 بانه جسيم مجهري مسؤول في كثير من الأحيان عن المشاكل الصحية الناجمة عن تلوث الهواء. ويعد قياس تركيزه وفهم مصادره مفتاح لبلورة سياسات مكافحة وجوده في الهواء الذي يتنفسه البشر. وأحد مكونات هذا الجسيم هو (الغبار المعدني) ، ولحساب المتوسط الوطني للتلوث بهذا الجسيم ، يتم قياس التعرض لتركيزات الجسيمات في كل من المناطق الحضرية والريفية بعدد السكان وتجميعها على المستوى الوطني .

وتعليقنا على هذه الدراسة يتم من خلال طريقين هما :-

الاول : ان الشركات الاحتكارية التابعة للدول المتقدمة (الصناعية) هي المسبب الاكبر للتلوث البيئي ، اذ ان العلاقة بين النمو الاقتصادي المرافق للتردي البيئي من قبل الشركات الاحتكارية الكبرى وارتفاع الوفيات علاقة ايجابية ( طردية ) وهي تكبر – الوفيات – في الدول ذاتها ولاسيما السكان القريبين من المصانع والمعامل وبالتحديد (الطبقة العاملة في ذات المصانع او المعامل) . اذ ان النمو الصناعي بكافة اشكاله وما يرافقه من تكاليف غير ملموسه Intangible costs تتمثل بتكاليف منع التلوث والضرر من تلوث الهواء وعلاج هذا التلوث فضلا عن كلفة الفرصة البديلة هي المعنية بحدوث المشكلات العالمية التأثير من خلال امتدادها مكانيا وزمانيا (اي الجيل الحالي والجيل اللاحق) ، وتتمثل هذه المشكلات بالاحتباس الحراري واتساع ثقب الاوزون والتصحر وغيرها .

بالتالي فان على منظمة الصحة العالمية التحرك السريع والوقوف على تداعيات هذه الازمة كونها لا تقل اهمية عن تداعيات انتشار كوفيد 19 . وهذا بالضبط ما يذكرنا بحماة البيئة لاسيما (كارسن وميدوز واخرون) والافتراضات التي تم مناقشتها في عام 1972 في مؤتمر ستوكهولم Limits to growth والالتزام بخضرنة الاقتصاد وتقليل التكاليف غير المنظورة على المجتمع والعالم اجمع ، والمحافظة على حق البشرية في الحياة الامنة ، والا فان الركود الطويل سيحل لا محالة في مستقبل الايام ، وهذا بالضبط ما نعيشه من ركود وبطالة مصاحبا بارتفاع المستوى العام في الاسعار عالميا .

ثانيا : ان التلوث الذي تداعي بها الدول الاجنبية المتقدمة من كون الدول المصدرة للنفط هي المسبب الاكبر للتلوث على الارض ، ما هي الا ضغوطات تمارس على الدول المصدرة والمنتجة للنفط لخفض اسعار النفط الخام ، هذا من جانب ، ومن جانب اخر ، فان عملية النمو الاقتصادي في الدول النامية في القطاعات الحقيقية لا تعد في صالح الدول الصناعية الكبرى ، وذلك ان تحقيق النمو الحقيقي (انتاج السلع والخدمات) الاساسية والانتاجية في الدول النامية سيحد من جعل الدول النامية سوقاُ لتصريف منتجات الدول الصناعية الكبرى ، بالتالي امكانية تحقق النمو الاقتصادي للشركات الكبرى الصناعية ضعيف ، وهو ما يعني انخفاض الضرائب المدفوعة لحكوماتها (الدولة الام) .

اضف الى ذلك ، فان هناك بعض الدول النامية لها مبرر لزيادة النمو الاقتصادي على حساب التكاليف البيئية ، وهو الواقع الذي تعيشه نتيجة للاستعمار من قبل الدول الاستعمارية منذ بداية القرن العشرين وما قبله . اذ ان المفارقة التي تحدث في الدول النامية من عملية تحقيق النمو الاقتصادي وارتفاع نصيب الفرد من الدخل ستؤدي الى تحسن البيئة بشكل تلقائي ، وهذا ما اشار اليه كوزنتس في فرضيته (التردي البيئي المرافق للنمو الاقتصادي) ، لكن مع تدخل الحكومة في تحديد وضبط العلاقة بين النمو ومتطلبات الحاجات الاساسية وانتقالها بشكل تدريجي من حاجات اساسية الى حاجات ابداعية قائمة على اقتصاد المعرفة ، مثلما اشار اليها ماسلو (تدرج الحاجات في هرم ماسلو) ، اذ ان كلما ارتفع الدخل ادى هذا الى انخفاض الانفاق الاستهلاكي وهذا ما ينطبق على مستوى الحكومة والفرد.

* باحث اقتصادي

المصادر :

1- تقرير اعدته الباحثة فيرونيكا سوثيرلاند ، جامعة جورج واشنطن متاح على الرابط : -

https://www.google.com/amp/s/arabic.rt.com/world/1311846- .

2- صالح ، لورنس يحيى : مجموعة محاضرات في اقتصاد التنمية والتخطيط ، القيت على طلبة الدكتوراه قسم الاقتصاد  ، جامعة بغداد ، كلية الادارة والاقتصاد ، 2021 .

3- تقرير البنك الدولي ، متاح على الرابط :-

https://www.albankaldawli.org/ar/news/feature/2015/07/14/understanding-air-pollution-and-the-way-it-is-measured

 


مشاهدات 1313
أضيف 2022/01/06 - 7:14 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 14598 الشهر 65535 الكلي 7639854
الوقت الآن
الخميس 2024/3/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير