وكالة الإقتصاد نيوز

الهيمنة السعرية والاندماج العابر للقارات (الصين انموذجا)


علي عبد الكاظم دعدوش*

اناهم ما يميز سوق احتكار القلة ( الذي ينسب الى الاقتصادي الامريكي P.Sweezy) هو الارتباط القائم بين المنشآت التي تتكون منها الصناعة بحيث يتعين على كل منشاه أن تأخذ في الحسبان سلوك المنشآت الأخرى في ما يتعلق بالإنتاج والأسعار وهذا ناجم عن القرارات التي تتخذها المنشأة الفردية الذي يترتب عليها سلسلة من ردود الأفعال المنشأة الأخرى غالبا ما قد تؤدي إلى حدوث حرب أسعار ، لذلك يقوم بتحليل سلوك احتكار القلة على أساس وجود اتفاق بين المنشآت ضمن الصناعة ويطلق عليه احتكار القلة تواطئ وما يحدث في تنظيم الكرتل وعلى العكس من ذلك يكون عدم وجود اتفاق وانما تاخذ ردود الافعال مداها في التاثير ويسمى باحتكار القلة اللاتواطئي .

ومن نماذج احتكار القلة التواطئي هو نموذج المنشأة المسيطرة او المهيمنة Dominating Firm وتتضمن بندا مهما ، اذ أن المشروعات العاملة في الصناعة تتفوق على الأخريات بحيث تستطيع أن تسيطر على الصناعة وتفرض السعر الذي تبيع منتجاتها به ، وقد يعود سبب سيطرة المنشأة إلى حجمها الذي يمكنهم الاستفادة من خصائص وفورات الحجم للإنتاج بتكلفة أقل نسبيا ، لذا فإن المنشأة المسيطرة تعمل وفق صيغة صانعة للسعر Price Maker بينما المنشأة الأخرى تكون متلقية للسعر ، ومن الأمثلة الممكن تقديمها وفقا لهذا النموذج هو سيطرة شركة جنرال موتورز للسيارات على صناعة السيارات في سبعينات القرن الماضي ، وصناعة الفولاذ في الولايات المتحدة وغيرها .

ومن المقدمة اعلاه وتطبيقا للنظرية الجزئية في نماذجها التواطئية على ارض الواقع الاقتصادي ، فقد بدأت الشركات الصينية منذ عام 2014 بشراء الأصول في جميع أنحاء أوروبا وأمريكا ، بما في ذلك العلامات التجارية المعروفة والممتلكات الشهيرة. وفي عام 2016 ، بلغ هذا النشاط ذروته ، حيث قامت الشركات الصينية بإبرام حوالي 200 مليار دولار في عمليات الاندماج والاستحواذ ( m&a ) في الخارج.

وتلعب مجموعة الشركات الصينية مثل (BYD و CATL) دورا مهما واساسيا في الحرب السعرية مع باقي الشركات الاجنبية المنافسة لها ، والتي تعد بالاساس تابعة وموجهة من قبل الحكومة الصينية كخطة متوسطة وطويلة المدى (وفقا لاستراتيجية الحرب الاقتصادية الناعمة) ، اذ ان الحرب التجارية الامريكية - الصينية ادت الى فرض عقوبات اقتصادية على مختلف الانشطة والقطاعات خصوصا في عام 2018 مما ادى ذلك الى خروج رؤوس الاموال الى الخارج والبحث عن امكان استثمارية والتي وجدت ضالتها في شراء اندية كرة القدم ، وهذا ادى الى استنزاف الاموال داخل الصين ولاسيما الاستثمارات في القطاعات الحقيقية وانتاج السلع والخدمات ، مما ادى الى تراجع قدرة الشركات الصينية على مواصلة هروب الاموال . والنتيجة فان عمليات الاندماج والهيمنة من قبل الشركات الصينية للشركات الاجنبية عبر الحدود في عام 2021 كان الأدنى منذ أكثر من عقد من الزمن.

وغالبًا ما تم تفسير غياب الصفقات الضخمة التي وقعها المسؤولون التنفيذيون الصينيون على أنها تراجع من قبل الشركات الصينية. لكن في الحقيقة هذا بعيد عن الواقع ، اذ انها كانت ضمن اطار خطة عمل لتوهم الشركات الاخرى المنافسة للصين ولاسيما الامريكية وبالذات الحكومة الامريكية على انها عاجزة ومكبلة ماليا واقتصاديا .

وعلى ضوء ما سبق من تطبيق فعلي على ارض الواقع فقد توجهت الشركات الصينية الكبرى ووفق خطط وبرامج مدروسة الى شركات أكثر انضباطًا ماليا واقتصاديا واداريا ، فلم يعودوا يشترون فرق كرة القدم الإيطالية أو ناطحات السحاب في نيويورك. وانما تقوم الشركات بعمليات اندماج وشراء شركات صغيرة لا تجذب الانتباه ، مما يتيح لها فرصة السيطرة والقيادة السعرية في الاسواق العالمية . وقد ركز الكثيرون على التوسع في التأسيس في الأسواق الخارجية ، على عكس عمليات الشراء الشامل. مما ادى الى وصول الاستثمار الأجنبي المباشر من الشركات الصينية 133 مليار دولار العام الماضي (2021) ، وهذا جعل الصين أكبر مستثمر في العالم.

على الرغم من أن بعض هذا الاستثمار تم احتسابه من خلال معاملات الاندماج والاستحواذ ، إلا أن الكثير منه كان إعادة استثمار للارباح من العمليات في خارج الصين ، وهي علامة على أن شركة China Inc قد حققت نجاحات مهمة من حيث النمو والازدهار وبشكل اساسي في البلدان المضيفة لها ، اذ ان الحكومة الصينية تستخدم سياسة الرد بالمثل ، فقد ظهرت في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي المصانع الأجنبية في الصين وكان دليل على ضعف الشركات الصينية من حيث القدرة التنافسية ، بالتالي تظهر الآن مرافق التصنيع والشركات الصينية الراقية في الأسواق المتقدمة. وافضل مثال على هذا الامر هو مصنع بطاريات (sv olt) في ألمانيا.

ومن المتوقع أن تهيمن الشركات الصينية على السوق العالمي لبطاريات الليثيوم أيون ( lib ) بحلول عام 2025. وسوف ينمو إنتاج lib للسيارات الكهربائية التي تنتجها الشركات الصينية من 300 جيجاوات في الساعة عام 2020 إلى نحو 1730 جيجاوات في الساعة عام 2025 .

 

ان تطبيق مثل هذه الاستراتيجية في العراق يعد امرا ضروريا لاسيما وان العراق يملك الكثير من الاموال والعقارات مثل القصور الموجودة في مدينة كان الفرنسية ، ومبان ومكاتب لفروع لمصرف الرافدين وخطوط الجوية العراقية في لندن ، فضلا عن مزارع التبغ والشاي والرز في سنغافورة وفيتنام والتي تم شراؤها قبل عام 2003 ، وغيرها من الاموال المنظورة وغير المنظورة في مختلف دول العالم والتي تقدر بنحو 85 مليار دولار لو استردت بالكامل . اذ ان عملية التطبيق الاستراتيجية تكون وفقا للاستثمار المباشر في الدول المضيفة نفسها ، بمعنى تبقى المزارع في فيتنام مثلا ويعاد استثمارها وبيع منتجاتها في الاسواق العالمية او تغطي الطلب المحلي مما يتيح الاستفادة من اموال الاستيراد لهذه المنتجات لصالح الحكومة – الشركة المستثمرة العامة – ، وهكذا التوسع في اعادة استثمار الارباح مرة اخرى في شراء مكائن والآلات متطورة تستورد لصالح الحكومة العراقية وبمشاركة القطاع الخاص ، ليتم التحول في قطاع الزراعة في العراق الى الزراعة التجارية (الرأسمالية) ، وهي كخطوة اولى لعملية النهوض بالقطاع الخاص ضمن انشطة القطاع الزراعي المهم في توفير المواد الغذائية ، ومن ثم الاعتماد على نفسه في المدى المتوسط ، كذلك الحال في قطاع الصناعة والخدمات ، اذ ان عملية الانتقال من الخدمات التقليدية الى الخدمات المتطورة له تأثير مهم وواضح في النمو الاقتصادي كتطور القطاع المصرفي والخدمات التي يقدمها ، اذ ان الشركات العالمية تعتمد على القدرات التنافسية في الوصول للأسواق العالمية ، وهذا ما يفتقد اليه العراق بصورة كبيرة ، اذ تعد الخدمات المقدمة من قبل القطاع العام والخاص دون مستوى الطموح ، خصوصا وان هذا القطاع يشكل نسبة العاملين فيه نحو اكثر من (76%) كنسبة في المتوسط من اجمالي العاملين في القطاعات والانشطة الحقيقية وللمدة (2004-2020) . وباعتقادي ان مثل هذه الجزئيات من الامور النظرية هي التي ستنقل الاقتصاد العراقي من الريعية الى التنويع الاقتصادي ، وعلى كافة النواحي المحلية والدولية .

 

* باحث اقتصادي 

 


مشاهدات 1489
أضيف 2022/01/02 - 10:49 AM
تحديث 2024/03/28 - 12:49 PM

طباعة
www.Economy-News.Net