متلازمتا الفائدة والتضخم في الاقتصاد المعاصر
الباحث الاقتصادي علي عبد الكاظم دعدوش

تعد معالجة ظاهرة التضخم (ارتفاعا وانخفاضا) من مسؤولية البنك المركزي، اذ يتدخل البنك المركزي في تحقيق الاستقرار الاقتصادي بعد ان يتكبد حالة التقلبات الاقتصادية من ركود او تضخم ، وهذا ما عكسته الازمة المالية في عام 2008 ، اذ اصبح حفز (ارتفاع) التضخم باتجاه المستهدفTarget (2%) هو العقبة اما الخروج من الازمة آنذاك.

فمرور الاقتصاد بمرحلة توسع Overheating اي ان الناتج المحلي الاجمالي الفعلي اكبر من المخطط ، فان ذلك يستدعي تدخل المركزي من خلال رفع معدل الفائدة بمستويات محددة ومحسوبة تجريبيا بالتالي التأثير في مستويات العرض النقدي ، بينما العكس في حالة الانكماش (PGDP>RGDP) فان المركزي يتدخل عن طريق تخفيض معدلات الفائدة للتأثير بالفائدة الحقيقية وحفز الاقتصاد باتجاه التوسع .

بشكل عام ان التوسع في حجم النشاط الاقتصادي عادة ما يصاحبه ضغوط تضخمية وذلك من خلال العلاقة العكسية ما بين الفائدة والاستثمار ، بالتالي يتطلب ذلك تخفيض عرض النقود عن طريق رفع معدل الفائدة من قبل البنك المركزي ، الذي من شانه ان يكبح جماح المستثمرين في طلب استثمارات اضافية ، ويحصل العكس فيما لو اراد البنك المركزي بخفض الفائدة لتحفيز المستثمرين على زيادة استثماراتهم والخروج من مستنقع الركود الاقتصادي .

ان هذه العملية كانت تستخدم من قبل البنوك المركزية لاسيما في انكلترا والولايات المتحدة الى نهاية منتصف الثمانينات من القرن الماضي ، اذ لاحظ بعدها مجموعة من الاقتصاديين ان حالة الخروج من الركود الاقتصادي عن طريق استخدام سياسة نقدية توسعية بفعل اداة السلطة النقدية (الفائدة ، عرض النقود) ، يستدعي زيادة طلب النقود لأغراض المعاملات من قبل الجمهور ، وهذا ادى الى عودة معدل الفائدة الى حالته الاصلية – قبل التخفيض – مما عمل على الغاء الاثر التوسعي للسياسة النقدية ، كذلك الحال عند استخدام سياسة نقدية انكماشية (رفع الفائدة)  للحد من التضخم .

اذ ان هذا الامر استدعى ان يكون التأثير في كبح التضخم من خلال خطوتين بنفس الاتجاه والوقت ، وهي تغير معدل الفائدة ومن ثم البحث عن كمية النقد (عرض النقد) الذي يمكن تغييره او سحبه لمعالجة الاثر التضخمي ، بمعنى ادق ان الامر يستدعي تغير معدل الفائدة عن طريق عمليات السوق المفتوحة (بيع وشراء السندات الحكومية) ، مما يؤدي الى تجاوز الاثر الذي يلغي التأثير الاولي (الاصلي) قبل حدوث التغيير في معدل الفائدة .

وهنا يجب الاشارة الى ان معدل الفائدة المبطئ للتضخم يجب ان يكون اعلى من مستوى التضخم الاسمي  وذلك كونه يعالج الفائدة الحقيقية ذات التأثير في سوق الاعمال .

اما في تركيا فقد بلغ التضخم نحو (20%) وهو ارتفاع جامح لمستوى الاسعار ، بالتالي فان عملية كبح التضخم تستدعي عدم تدخل السلطات الحكومية على قرارات البنك المركزي التركي، اذ ان من الطبيعي ان يقوم المركزي التركي باستخدام سياسة نقدية متشددة والتوجه نحو رفع معدل الفائدة بنحو اكثر من معدل التضخم على الاقل بنحو (22%) ، ومن ثم التغيير في المعروض النقدي ، وهذا من شانه ان يحد من حجم الاستثمارات ومن ثم انخفاض مستوى النشاط الاقتصادي للبلاد ، لكن بنظرة فاحصة عن قرب ، نرى ان السلطة الحاكمة لا تريد ذلك ، وهذا ادى الى تعارض القرارات بين الطرفين (الرئيس التركي ومحافظي البنك المركزي السابقين واللذان ازيحوا فيما بعد) ، بالتالي رجحت الغلبة الى السلطة الحاكمة المتمثلة بالرئيس (اردوغان) ، والذي يرى في عملية حفز النشاط الاقتصادي (النمو الاقتصادي) على حساب التضخم هو الذي يوصل الاقتصاد التركي الى بر الامان ، بالتالي قررت الحكومة التركية بوضع نسبة نمو مخطط نحو (10%) لتحقيق توسع اقتصادي عام 2021 .

ان هذا الامر ادى الى تدهور العملة التركية بنحو ربع قيمتها مقابل الدولار هذا العام ، وبنفس الوقت كان ايضا على حساب خفض معدل الفائدة مرتين اخرها بنسبة (16%) ، الامر الذي يؤثر بشكل سلبي على المواطنين الاتراك ، ويؤدي الى حوافز اضافية لتدهور الليرة التركية والتوجه الى استبدالها بعملات اخرى (الدولار مثلا) او شراء الذهب . والنتيجة ان هذا الامر يجعل الدولار اكثر جاذبية ويدفع الاستثمارات للهروب من الاسواق الناشئة .

ان مبرر الحكومة التركية لكل هذه الضغوطات الممارسة على البنك المركزي التركي بخفض معدل الفائدة تأتي من خلال النمو لاسيما في قطاع التصدير والشركات الكبرى التركية (الخاصة والعامة) ، خصوصا ان قطاع التصدير موجه نحو سوق خصبة لتصريف منتجاته كالسوق العراقية المستهلكة بنسبة اكثر من (50%) من حجم الصادرات التركية وبمبلغ نحو (23) مليار دولار في شهر تشرين الاول الماضي ، وهذا الامر قد انعكس بشكل كبير (سلبي) على واقع الاقتصاد العراقي الذي تأثر (ومايزال) بارتفاع ظاهرة التضخم المستورد ، فضلا عن قرار خفض العملة المحلية (الدينار العراقي) مقابل الدولار في عام 2020 .

اما بالنسبة الى العراق فان كبح ظاهرة التضخم من خلال رفع معدل الفائدة غير ممكن البتة ، وذلك لأسباب عديدة منها (هيمنة المصارف الحكومية الثلاث بنحو اكثر من (85%) من حجم الاموال في الجهاز المصرفي (القطاع المصرفي العراقي ككل) ، بالتالي فان تكلفة راس المال لا تؤخذ بنظر الاعتبار من قبل البنك المركزي العراقي ، فضلا عن ذلك ، فان ضعف مرونة الجهاز الانتاجي وتهالكه بصورة غير مبررة ، وعدم تنويع الاقتصاد المفضي الى تنويع قطاع الصادرات وتقليل الاعتماد على مورد وحيد (النفط الخام) ادى الى عدم فاعلية السياسة النقدية وعن طريق رفع معدل الفائدة في كبح التضخم في العراق .

* باحث اقتصادي

المصادر

1- الداغر ، محمود محمد : علم الاقتصاد الكلي (نظريات وسياسات) ، دار السيسبان للطباعة والنشر ، الطبعة الاولى ، بغداد ،  2018 .

2- وكالة الاناضول متاح على الرابط :

 https://www.aa.com.tr/ar/%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A%D8%A7


مشاهدات 2545
أضيف 2021/11/18 - 1:39 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 14999 الشهر 65535 الكلي 7889908
الوقت الآن
الجمعة 2024/4/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير